حوار مع الناشط السياسي الصحراوي الطالب علي سالم
بعد انقلاب الموقف الإسباني إزاء قضية الصحراء الغربية، ودعمه لوهم أطروحة الحكم الذاتي التي يحاول المغرب فرضها على الشعب الصحراوي، خسرت إسبانيا الجزائر كحليف إستراتيجي مما سبب خسائر فادحة بالجملة على اقتصادها، و انعكس هذا الوضع على المشهد السياسي الإسباني الذي بات يؤشّر بوضوح على قرب سحب البساط من تحت أقدام حكومة بيدرو سانشيز، المرفوض شعبيا بسبب تخريب علاقات مدريد مع شريك استراتيجي مثل الجزائر، ولعل نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة تمثّل أبرز مؤشرات هذا التحوّل، فهل تُسقط الأزمة بين الجزائر وإسبانيا حكومة سانشيز؟ و ما الذي يمكن توقعه من السلطة التي تخلف سانشيز بالنسبة لقضية الصحراء الغربية؟ و هل رحيله سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقا؟
في حوار خاص أجاب المحلل و الناشط السياسي الصحراوي الطالب علي سالم على هذه الأسئلة و أسئلة أخرى.
بلقيس ختاش: يعيش الحزب الإشتراكي الإسباني الذي يقوده بيدرو سانشيز أسوأ ظرفية بعد الهزيمة الواضحة التي تعرض لها في الإنتخابات المحلية، فهل قرار سانشيز الذهاب إلى إنتخابات تشريعية مبكرة سيصب في صالحه؟
الطالب علي سالم: طبعا الهزيمة التاريخية التي تلقاها الحزب الإشتراكي في الإنتخابات الأخيرة كانت عبارة عن صفعة لحكومة بيدرو سانشيز، لكن قراره لإجراء انتخابات مبكرة الشهر المقبل بدل ديسمبر لم تكن عبارة عن إستراتيجية لكي تكون الإنتخابات في صالحه بل محاولة منه للهروب من انقلاب داخلي لأن الإنتخابات التي أجريت في إسبانيا كانت إنتخابات محلية لتقييم أعمال البلديات و المقاطعات، لكن في هذه الإنتخابات لم يتم تقييم البلديات و المحافضات التي كانت سياستهم الداخلية نوعا ما ناجحة، بل تم تقييم بيدرو سانشيز لذلك تلقى الحزب الإشتراكي هذه الهزيمة، مما سبب إستياء كبير داخل ممثلي الحزب الإشتراكي في المقاطعات و البلديات الإسبانية، و كل المؤشرات كانت تشير إلى أنه سيكون هناك نوع من الإنقلاب أو الضغط على سانشيز من طرف أعضاء حزبه في كل البلديات و المقاطعات الإسبانية للإستقالة من منصبه كأمين عام للحزب الإشتراكي لأنهم يحملون مسؤولية خسارتهم في الإنتخابات بالدرجة الأولى لبيدرو سانشيز، و يقولون أنهم قاموا بعملهم على أكمل وجه لكن المواطن الإسباني عندما صوت، صوت ضد بيدرو سانشيز و لم يصوت ضدهم و بالتالي سانشيز كان عليه أن يتحمل مسؤولية هذا الفشل أو أن يستقيل بسبب الضغوطات الداخلية، لذلك اتخذ قرار حل البرلمان بسرعة و أعلن عن الإنتخابات المبكرة،و كانت عبارة عن إستراتيجية لإطفاء هذه الحرب الداخلية التي كانت ستكون في الحزب، و للإشارة فقد فاز الحزب الإشتراكي في محافظة إسبانية واحدة فقط و هي محافظة ” Castilla-La Mancha” لأن مرشح الحزب الإشتراكي في هذه المقاطعة هو من أكبر معارضي سانشيز و يقول علنا “نحن في نفس الحزب لكنني لست مع السياسة التي يتخذها بيدرو سانشيز”.
بعد انقلاب الموقف الإسباني إزاء قضية الصحراء الغربية، ودعمه لوهم أطروحة الحكم الذاتي التي يحاول المغرب فرضها على الشعب الصحراوي، خسر سانشيز الجزائر كحليف إستراتيجي و عزل إسبانيا بجانب المخزن، فهل تُسقط الأزمة بين الجزائر وإسبانيا حكومة سانشيز؟
طبعا هذا واحد من العوامل التي تم التركيز عليها خصوصا من الصحافة الإسبانية و المراقبين و المحللين الإسبان الذين حاولوا أن يفسروا فشل الحزب الإشتراكي و فشل سانشيز في هذه الإنتخابات إلى الموقف الغير مفهوم الذي اتخذته حكومته اتجاه الصحراء الغربية بالدرجة الأولى و بعد ذلك اتجاه الجزائر، كما أن المجتمع المدني الإسباني سواء كان من اليمين أو من اليسار أو من الوسط بكل أفكاره و بكل مناطقه و أحزابه و بكل تشكيلاته يدعم القضية الصحراوية، فعندما اتخذ بيدرو سانشيز هذا القرار لم يكن هناك توافق، و هذا ما رأيناه في البرلمان الإسباني الذي صوت لأكثر من ثلاث مرات بالإجماع ضد قرار بيدرو سانشيز الذي يدعم من خلاله المخزن.
الشعب الإسباني حتى اليوم لم يفهم لماذا اتخذ سانشيز قرار دعم المخزن في احتلاله للصحراء الغربية و تأثر العلاقات مع الجزائر، فمن عادة الحكومات الديموقراطية في أوروبا و خصوصا في إسبانيا أن يخرج الرئيس أو المتحدث باسم الحكومة لتفسير القرارات التي تم اتخاذها، لكن فيما يتعلق بقرار دعمهم للمخزن لم يخرج لا الرئيس و لا المتحدث باسم الحكومة و لا أي وزير لتفسير ما يحدث للمواطنين و لذلك كان لهذا القرار بصمة و تأثير واضح على فشل سانشيز و حزبه الإشتراكي في هذه الإنتخابات.
ما الذي يمكن توقعه من السلطة التي تخلف سانشيز بالنسبة لقضية الصحراء الغربية؟ و كيف ستتأثر علاقات الرباط ومدريد؟
حقيقة الحزب الشعبي هو حزب دولة و معروف بسياسته الأكثر صرامة نوعا ما من الحزب الإشتراكي،لكن يجب أن ندرك أن الحزب الشعبي و كل الأحزاب الإسبانية و كل أجهزة الدولة الإسبانية تعلم أن المغرب تستعمل دائما ورقة الضغط و الإبتزاز في موضوع حساس بالنسبة لإسبانيا و هو موضوع سبتة ومليلية، و كذلك ورقة الهجرة التي يستعملها المغرب للضغط على إسبانيا و يفتح الأبواب لإرسال ٱلاف المهاجرين غير الشرعيين إلى إسبانيا، و كذلك ورقة الإرهاب لأن هناك تعامل ما بين الدولة الإسبانية و المخزن فيما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالإرهاب، المغرب يهدد كذلك كنوع من الإبتزاز إسبانيا إذا لم تمشي على مصالحه سيقطع كل المعلومات المتعلقة بالإرهاب التي يرسلها لها، لأن الجالية المغربية في إسبانيا تتجاوز المليون مغربي بالإضافة إلى أجهزة المخابرات المغربية الحاضرة تقريبا في كل المساجد في إسبانيا و التي تزود هذه الأخيرة بكافة المعلومات عن المتطرفين، و بالتالي في اليوم الذي تتخذ إسبانيا قرارات معادية للمصالح المغربية، المغرب سيقطع كل المعلومات التي يقدمها لإسبانيا فيما يتعلق بالإرهاب و سيرسل المهاجرين و يطالب بسبتة و مليلية، و الحزب الشعبي لا يريد هذه المشاكل و سيحاول تفاديها، و من جانب ٱخر أكد ألبرتو نونيس فيخو الأمين العام للحزب الشعبي، على أن أول قراراته ستكون إعادة العلاقات مع الجزائر، و شخصيا أعتقد أنه سيعمل جاهدا من أجل ذلك، لكن إعادة العلاقات مع الجزائر مشروطة بإعادة إسبانيا إلى موقفها الداعم للشرعية الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية و هذا ما سيشكل له مشاكل مع المغرب.
سانشيز خلال فترة رئاسته الحكومة و قطع العلاقات مع الجزائر كبد إسبانيا خسائر إقتصادية كبيرة .. هل رحيله سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقا؟
هناك ضغط كبير من طرف المجتمع المدني الداعم لقضية الصحراء الغربية و الذي يريد من الحكومة الجديدة إعادة إسبانيا إلى موقفها الكلاسيكي و هو دعم الشرعية الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، و هناك أيضا رجال الأعمال الذين لهم وزن و كلمة و وسائل ضغط هنا في إسبانيا، فقد خسروا الملايين حسب صحيفة “The Objective ” الإسبانية التي نشرت منذ يومين فقط على أن الخسائر في أقل من سنة (11شهرا) تجاوزت 1500 مليون يورو، مما دفع هذه الشركات إلى استخدام عدة وسائل للضغط على الحكومة المقبلة من أجل إعادة العلاقات مع الجزائر، لأن هذا لا يصب في مصلحة إسبانيا فقط في الجانب السياسي، و من الجانب الجيوسياسي و الجيو إستراتيجي بل في صالح إسبانيا من الجانب الإقتصادي و خصوصا بعد معاناة إسبانيا اليوم من عجز في الحصول على الغاز، لأن الجزائر كانت تزودها بحوالي 60% من الغاز المستعمل في إسبانيا ، لذا لا يمكنها التخلي عن هذا الإمداد بالغاز الذي تزودها به الجزائر لأن البديل الوحيد هو روسيا، و حسب العقوبات التي طرحها الإتحاد الأوروبي على روسيا لا يمكن لإسبانيا اللجوء إليها للحصول على الغاز، و بالتالي الحل الوحيد الذي بقي لإسبانيا هو اللجوء إلى الجزائر من أجل مصالحها الإستراتيجية، السياسية و من أجل مصالحها الإقتصادية بالدرجة الأولى، لذا لا يملك الحزب الشعبي خيار ٱخر إذا كان يرغب في الإزدهار الإقتصادي و المكانة الدولية المحترمة داخل الإتحاد الأوروبي و خارجه، و عليه إسبانيا ليس لديها خيار ٱخر سوى العودة للشرعية الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية و إعادة العلاقات مع الجزائر من أجل الإقتصاد الإسباني، لكننا لا نعرف كيف سيتعامل الحزب الشعبي الذي سيكون في الحكومة المقبلة مع الإبتزاز الذي سيتلقاه من المغرب، فهل سيستسلم أمام هذا الإبتزاز و يبقى الوضع على حاله؟ أم سيتخذ القرارات المناسبة للتقرب من الجزائر و يواجه المغرب؟ على ما أضن سيكون لدينا الجواب النهائي لهذه التساؤلات خلال الأشهر الأولى لهذه الحكومة.
المصدر: الطاسيلي نيوز - بلقيس ريم الندى ختاش