-->

مقال رأي | هل وصلنا حد الخرف السياسي؟

 


يعتبر الخرف السياسي نقيضا للنضج السياسي، وهو تدهور في القدرة على التفكير والارتباك في اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة والملائمة. وتنجم هذه الحالة عن العديد من العوامل في مقدمتها التقدم العمري طبعا، البقاء الطويل في السلطة، تراكم الفشل، الفساد السياسي والإداري وصعود الانتهازية لدواليب الحكم وغيرها من الأسباب. وليس من السهل التخلص من هذه الحالة المرضية القاتلة، كما ينتج عن استمرارها عدم الانسجام وتهميش القدرات وغياب الاستقامة والعدل، الرؤية السديدة والابداع الذي هو أساس كل تقدم وبالمقابل تعم الفوضى والاضطرابات والتقلبات الاقتصادية والاجتماعية.
لقد ابديت رايي في كتابات عديدة نشرتها قبل المؤتمر السادس عشر، طالبت فيها بتدارك معالجة عجز قيادة حركتنا التي عمرت طويلا في الحكم عن تحريك عجلة كفاحنا الى الامام.. لا أريد أن انتقص من قيمة او تضحيات وجهود هؤلاء القادة الذين يعود لهم الفضل في الارتقاء بكفاحنا الى أعلى الدرجات، ولكن هذه سنة الله في خلفه ولا يدوم الا وجهه الكريم، وحالنا بيّن، ولكل زمان أهله.
كانت محطة المؤتمر السادس عشر فرصة ثمينة لمراجعة شاملة لحالنا وبالخصوص جانبه التنظيمي وعلى راسه القيادة، وما يتوجب على جيل التأسيس تقديمه من تنازلات للأجيال التي تلته في ظل استئناف الكفاح المسلح وفي افق الذكرى الخمسين لتأسيس جبهة البوليساريو واستجابة للمتغيرات العميقة في مجتمعنا. لكن للأسف، يبدو ان حالة الخرف وصلت حدودها القصوى عندما تراجع الأمين العام عن موقفه الجريء بعدم الترشح للمنصب مرة أخرى، الذي اعلن عنه امام الامانة الوطنية السابقة قبل انعقاد المؤتمر السادس عشر بحوالي ستة اشهر، وادارة هذه الاخيرة ظهرها لموقف كهذا جاء في وقته المناسب. ولدي كامل اليقين ان الاستنتاج الذي وصل اليه الاخ الأمين العام كان خالصا وسليما، وبناء على معطيات دقيقة وانطلاقا من تجربة الرجل الطويلة في هذا الكفاح المرير
لقد تراجع الامين العام عن موقفه دون ادنى تفسير للراي العام، ومن جهتهم انشغل اعضاء الأمانة الوطنية بالمحافظة على بقائهم في السلطة واستحلوا كل الممتلكات العامة لخدمة هذا الغرض، وبين هذا وذاك ضاع المصير ونسوا بأن لهم وطنا لازال محتلا و بأن هناك نساء وأطفال و شيوخ و أرامل وثكالى ينتظرون أن يعيدوهم إلى تلك الأرض التي دفعوا من أجلها الغالي والنفيس. فماذا جنينا؟ نرجسية، ولاءات وتنافس غير مسبوق ومنتصر على حساب خاسر، اتهامات وصلت حد المؤامرة والانقلاب، التهميش والاقصاءات وشيطنة كل منتقد للوضع، فتاهت عقول المندوبين في هذه الاجواء لتفضي النتيجة إلى مخرجات عصفت بكل تطلعات وآمال شعبنا في حسم المعركة مع العدو، الجديد في ادواتها قديم منتهي الصلاحية راكم الكثير من الفشل والأخطاء وطال الفساد أغلبه. أليس الوضع بعد ستة أشهر من المحطة "المفصلية" كما سميناها أسوأ مما كان عليه؟! فمن المسؤول عن هذا التردي؟ وهل يجرئ على الاعتراف بانه خذل الثقة التي منحها اياه شعبه؟. من المؤلم جدا أن تكون الظروف المحيطة بنا مساعدة على عمل من شأنه ان يرقى بقصيتنا إلى لريما الحل النهائي ونتقاعس عن استغلالها بسبب حالة الخرف السياسي التي وصلنا لها.
هناك حقيقة مرة لابد من الاعتراف بها، وهي ان الفكر والابداع في هذه الحركة رحل برحيل مفجر الثورة، الشهيد الولي مصطفى السيد، رحمه الله واسكنه فسيح جناته، فلم نضف اي جديد على ما اسس له، وقد يكون ذلك نتيجة عدم فهمنا لفكر الرجل وتطلعاته المثالية في وجود شعب مثالي على أرض طاهرة. بل نسجل تراجعا خطيرا في كثير من القضايا الحساسة ومنها كسر عظم الثورة بالباب الواسع الذي فتحناه للقبلية في المؤتمر الثامن لنضيف لها "گرط" الولاءات والمحسوبية، وما ترتب عن توقف حركة البناء والتواصل بعد فصل الرأس عن الجسم من عواقب وخيمة اصبحت تهدد قيم الثورة ومبادئها، خاصة مع توغل الانتهازية وانتشار الفساد في كل مفاصل هياكلنا التنظيمية.
القيادة ليست تشريف، كما تنص على ذلك أديباتنا التي لا نعمل بها، بل تكليف ومتجددة ويشترط ان يتوفر اصحابها على الخبرة والقدرة على الإدارة، التقييم والتحليل واستشراف المستقبل لتنتهي العملية بقرارات سليمة وهادفة ونتائجها واضحة وتكون لها إدارة بما في الكلمة من معنى علمي وحضاري. وبناء على ذلك نحن في حاجة لوقفة جادة، نستحضر فيها الخطر الذي يتربص مصيرنا وبعيدة عن الوصاية او اي شكل من اشكال الخرف السياسي، لتقويم ذاتنا ومراجعة ادواتنا، فاليوم لا مبرر لثورة تحرير يتجاوز عمرها الخمسين سنة ان يتحجج احد من اهلها بعدم وجود قدرات ضمن ابناءها وبناتها قادرين ان يكونوا خير خلف لخير سلف، او عدم استعداد شعبها لمزيد من التضحية والعطاء بعد كل هذه الزمن.
بقلم السفير: الديش محمد الصالح

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *