-->

المعركة الديبلوماسية بين الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية و قمة البريكس ( BRICS )

 


لا تخفي الأهمية التي تحظى بها مجموعة البريكس المكونة من البرازيل و روسيا و الهند و الصين و جنوب افريقيا، في عالم اليوم، كونها أصبحت تشكل قطبا اقتصاديا عالميا جديدا تتدافع أمام أبوابه العديد من دول الجنوب. 
فترشح بلدان وازنة للعضوية فيه، منها من له اقتصاد وطني تدعمه ثروات طبيعية كبيرة أو منها من بناء قاعدة صناعية معتبرة أو من ضمنها دول ذات أسواق للخدمات المختلفة، سيجعل المجموعة أكبر قوة اقتصادية في العالم في منظور قريب لأنها  تجاوزت في وزنها الديموغرافي و المالي و التجاري كل القوى والتجمعات الأخرى و منها مجموعة السبعة ( 7جG ) الأكثر تصنيعا.
و مما لا شك فيه أن القمة ال15 للبريكس بجوهانسبورغ (جنوب افريقيا) ستكون أهم قمة تنظمها المجموعة منذ نشأتها لأنها تنعقد في أجواء تطبعها حالة الاقتصاد العالمي ما بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا و الإستقطاب الذي سببته و كونها من جهة أخرى تنعقد في إفريقيا، القارة التي تزخر  بالموارد الطبيعية الهائلة التي هي محل صراع عالمي بين القوى الكبرى وشركاتها الضخمة والمتعددة الجنسيات.
الدعوة الموجهة للإتحاد الأفريقي و أعضائه ال55 كانت محل جدال بين المحتل المغربي و مجموعة البريكس بسبب معارضة المغرب الشديدة لمشاركة الجمهورية الصحراوية في اجتماعات القمة المبرمجة أيام 22 إلى 24 أوت. 
ستعكف قمة جوهانسبورغ عبر نوعين من الاجتماعات منها ما هو بين أعضاء المجموعة فيما بينهم للتقييم و لدراسة الخطوات اللازم اتخاذها لمواجهة التحديات الراهنة و للرد على جملة من القضايا المتعلقة بسياسة المجموعة من ضمنها مسالة العملة البديلة و البنك و القضية الجوهرية المتعلقة بانضمام دول جديدة إلي المجموعة.
وستعقد اجتماعات للمجموعة مع الدول الأفريقية لدراسة أشكال التعاون و أنواع الشراكة بين البريكس ودول القارة.
الضغط القوي الممزوج بالتوسل تارة والتهديد والابتزاز تارات أخرى الذي قامت به الرباط مباشرة في عواصم مجموعة البريكس و حتى على وفودها المكلفة بتحضير القمة أسفر عن نتيجة عكسية لما عملت عليه الرباط و المتمثل في استثناء الدولة الصحراوية من المشاركة فى القمة.
فشل المحتل المغربي في الحصول على هدفه يثبت حقيقة لا بد للمغرب أن يعترف بها، في مرحلة قادمة، وهي أن القفز على وجود الدولة الصحراوية أو قطع الطريق أمام مسيرتها نحو تبوء مقعدها بين الشعوب والأمم يعد أمرا من المستحيلات السبعة.
درس مابوتو و طوكيو و ابيدجان و بروكسيل يتكرر في جوهانسبورغ ليؤكد أن المملكة المغربية التي أذعنت  للجلوس إلى جانب الجمهورية الصحراوية في أديس أبابا، باعتبارهما دولتين عضوين في المنظمة القارية، ذلك الدرس إذن، سيفرض على المغرب مستقبلا قبول الجلوس إلي جانب الدولة الصحراوية، جارته من الجنوب، في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، اللهم إلا إذا فضل الرجوع من جديد إلى سياسة الكرسي الشاغر. كبرهان ملموس على عدم القدرة على تحمل المسؤولية، من لدن محمد السادس و فريقه، و استمرارهم في الهروب من مواجهة الواقع، الشيء الذي ستكون له نتائج كارثية على المغرب و النظام العلوي في آن واحد.
بيان وزارة خارجية الإحتلال المملوء، كالعادة، بالمغالطات و تزوير الحقائق و الذى صدر بصياغة لم تستطع إخفاء درجة التخبط و حالة النرفزة، يعيد إنتاج ردات فعل أصبحت تقليدية لدى ديبلوماسية الشيك المغربية عندما تحدث هزة قوية تثير "الغضبة الملكية" المعهودة.

لقد تقدم المغرب، بالفعل، بطلب العضوية للإنضمام الى مجموعة البريكس و تم استدعاؤه مثل الدول الأفريقية و لم يكن ذلك كله من محض إرادة حكومة الدولة المضيفة أو بمبادرة احادية الجانب من بريتوريا، كما تدعي الرباط في بيانها، وإنما تم من خلال قرارات اتخذتها بالإجماع ( consensus ) الوفود الخمسة لدول المجموعة المكلفة بتحضير قمة جوهانسبورغ.

و تجدر الإشارة إلي أنه منذ الإعلان عن تاريخ إنعقاد القمة تم القيام بعشرات الندوات و المؤتمرات القطاعية المختلفة على مستوى السفراء و الخبراء و نواب وزراء الخارجية والوزراء أنفسهم.

و في هذا الإطار إجتمع نواب وزراء خارجية المجموعة المعنيون بشمال أفريقيا و الشرق الأوسط (MENA) في مدينة كيب تاون(Cape Town) بتاريخ 26 أبريل 2023 و اصدروا بيانا ضمنوه فقرة حول كفاح الشعب، يطالبون فيه بتنفيذ المينورسو للمهمة التي أنشئت من أجلها و هو نفس الموقف الذي اعتمد رسميا في البيان الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية المجموعة المنعقد نهاية شهر يوليوز المنصرم بمدينة جوهانسبورغ. 

كما وجهت المجموعة، ضمن التحضيرات السالفة الذكر، دعوة لجبهة البوليساريو للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية على مستوى الأحزاب و المجتمع المدنى، حضرته أزيد من خمسين 50 حزبا، بما فيها الأحزاب الحاكمة في دول البريكس الخمسة، تمخضت عن اتخاذ توصية بالإجماع تطالب بضرورة الإسراع لإيجاد حل سياسي و سلمي للقضية الصحراوية وذلك في إطار الأمم المتحدة وعلى أساس قراراتها.

انسحاب الرباط المعلن من قمة جوهانسبورغ،  المدينة الواقعة في أقصى جنوب القارة، مثل انسحابه من قمة تونس، المدينة الواقعة في اقصى شمالها، يجسدان ورطة محتل متهور معزول في محيطه لن يعترف له الشعب الصحراوي و لا العالم باية سيادة على الصحراء الغربية.
الغياب المغربي المنتظر او المعلن يعري حقيقة أخرى هي أن أهم ما تصدر المملكة المغربية هو القنب الهندي و الحشيش و احسن ما تنتج هو الفساد في جميع تجلياته و اشكاله. 
إدارة المغرب ظهره للحوار الدائر على مستوى دول الجنوب الكلي
(the Global South)
و اقصائه لنفسه من المساهمة في رسم سياسات المستقبل تثبت من جهة أن نظامه يفتقد للمصداقية و ليست له سياسة و لا اجندة غير الهوس و الورطة في مسألة واحدة هي الإحتلال الإستيطاني
( Agenda of one single item )
و من جهة ثانية فإن انسحابه من مثل هذه القمم يعد في الحقيقة هروبا من الإدانة و خوفا من تقديم تبريرات وحجج لا يمتلكها فيما يخص مواصلة عدوانه ضد الدولة الصحراوية.
أما الثروة السمكية و الفوسفاط و الحديد و الذهب و المياه الجوفية و أنواع الطاقة، بما فيها الطاقة المتجددة وغيرها من الخيرات و الثروات، فهي كلها ملك لشعب الجمهورية الصحراوية الذي يعرف جيدا كيف سيفرض على المحتل المغربي رفع يده عن نهبها عبر معركة قادمة، لا شك أن الرباط و شركائها في جريمة السرقة متأكدون من خسارتها الحتمية.
 

أهمية هذه المحطة من المعركة الديبلوماسية بين الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية تكمن  في تزامنها مع مسألة سباق التموقع في عالم يشهد تطورات متسارعة و تحولات عميقة منها خاصة تشكل جديد للاقتصاد العالمي و مراجعة باتت ضرورية لأسس العلاقات الدولية و تباعا لذلك التسليم بحتمية وجود توازنات تسمح باعتماد التعددية القطبية.

 فبروز القطب الاقتصادي الجديد، كما هو معلوم، ناتج عن هيمنة الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة على الإقتصاد العالمي و الإحساس لدى دول الجنوب و الإجحاف الذي تتعامل به المؤسسات المالية العالمية التي تعمل بتوجيهات تتناقض مع مصالحها الوطنية.

صعود العملاق الصيني و النمو السريع لاقتصاد كل من الهند و البرازيل و روسيا و جنوب إفريقيا يجعل من البريكس مركز جذب قوي يمثل رغبة عالمية عميقة في خضوع العلاقات الاقتصادية و التجارية الدولية لنظام متعدد الأطراف ينهي هيمنة القطب الواحد على الإقتصاد و المال منذ  تكوينه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و سيطرته التامة بعد سقوط حائط برلين.

القاسم المشترك بين دول البريكس يكمن في قرارها الرامي إلي ضرورة تحرر الاقتصاد العالمي من القيود و التبعية لمركز واحد يفرض سياسته على الكون.

 البريكس، في الحقيقة، ليست تجمعا منسجما من الناحية السياسية ولا ينطلق اعضاؤه الخمسة من خلفيات حضارية او عقائدية موحدة و لا حتى من نظرة فيما يتعلق بالقضايا الدولية الراهنة بل ان لها سياسات متباينة وحتى متناقضة في العديد منها حسب ما تبينه مواقفها على مستوى الأمم المتحدة. 

ألا أن قمة جوهانسبورغ والإرادة الملموسة لدى أعضاء مجموعة البريكس في توحيد السياسات الاقتصادية أصبح يجمعهم في مواقف موحدة او متقاربة جدا في عدد من القضايا الدولية مما يؤشر على أن التفاهمات في ميادين الإقتصاد والتجارة ستؤدي إلى توحيد تدريجي لمواقفهم الديبلوماسية والسياسية نتيجة لعرقلة و تلكؤ الدول الغربية الكبرى أمام ضرورة إصلاح النظام العالمي في شقيه السياسي و الاقتصادي و خاصة توسيع مجلس الأمن ليمثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية و إصلاح المؤسسات المالية بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).

لكن يجب التأكيد إن ما يهم الشعب الصحراوي في المرحلة الحالية هو مواصلة كفاحه التحريري على جميع المستويات لفرض احترام سيادته على كامل ترابه الوطني، داخل الحدود الدولية المعترف بها، و هذا ما يجعل من قمة جوهانسبورغ محطة أخرى، هامة جدا، في مسيرة الدولة الصحراوية للقضاء على الاحتلال الاستيطاني المغربي.
امحمد/ البخاري 22 أوت 2023.

Contact Form

Name

Email *

Message *