-->

التساقط المتسارع للأطروحة التوسعية المغربية

 


توالت على الإحتلال المغربي، هذه الأيام، إنتكاسات فى صميم اطروحته التوسعية و فلسفته العدوانية.

كيف كان ذلك ؟

لقد اسفرت احكام محكمة العدل الأوروبية ببطلان الإتفاقيات المبرمة بين الإتحاد الأوروبي و المغرب التى تضم الصحراء الغربية، عن بروز ديناميكية جديدة تدل على أن حسم النزاع الصحراوي-المغربي لن يكون إلا فى إتجاه الشرعية الدولية و على قاعدة ألأسس القانونية التى بنت عليها محكمة لوكسمبورغ قراراتها. 
و للإحاطة بالموضوع لا بأس أن نذكر أن المحكمة الأوروبية العليا قد اكدت يوم 4 اكتوبر 2024 على:
أ- أن الصحراء الغربية و المملكة إقليمان منفصلان و متمايزان.
 و هذه إعادة لتأكيد حكم قضائي سابق بأن لا سيادة للمغرب على الصحراء الغربية و بالتالي لا يجوز للإتحاد الأوروبي التوقيع على إتفاقيات معه تشمل الصحراء الغربية.
ب- أن الإتفاقيات المبرمة مع المغرب تخرق حق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير و حقه فى السيادة الدائمة على ثرواته الطبيعية 
ج- أن الإتفاقيات المبرمة مع المغرب لم تحصل على موافقة الشعب الصحراوي 
د- أن لجبهة البوليساريو، الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، الحق فى المرافعة و التقاضي أمام المحاكم الأوروبية في كل ما يتعلق بحقوق الشعب الصحراوي و مصالحه.
و تنفيذا للأحكام السالفة الذكر اعلنت مفوضية الإتحاد الأوروبي يوم 20 يناير 2025 بأن الإتفاقية اليورو-متوسطية للطيران و الملاحة الجوية المبرمة بين الإتحاد الأوروبي و المغرب لا تشمل الصحراء الغربية و ذلك يعني أن شركات الطيران التابعة لدول الإتحاد  لا يمكن لها أن تستغل او تسير رحلات إلى  الصحراء الغربية.

كما اصدر مجلس الدولة الفرنسي، من جهته، يوم 28 يناير 2025 حكما نهائيا يقضي بوسم المنتوجات الفلاحية من الصحراء الغربية باسم بلد المنشإ أي كتابة:
"انتج فى الصحراء الغربية"
" Produit au Sahara Occidental"
و ليس بإسم المغرب.

و كان القسم القانوني للمجلس ( المجلس هو الهيئة الحكومية العليا للإتحاد) قد نشر تقريرا يسجل فيه اخذ الإتحاد علما بقرارات محكمة العدل الأوروبية القاضية ببطلان الإتفاقيات الموقعة مع المغرب لتعارضها و خرقها لمقتضيات الشرعية الدولية و قراراتها فيما يتعلق بالصحراء الغربية.

لماذا نصنف، الآن و فى هذا الظرف بالذات ، أن توالي و تتابع هذه الأحداث يعتبر إنتكاسة إستراتيجية للمغرب فى الجوهر إذا كان المجتمع الدولي لا يعترف له أصلا بالسيادة على الصحراء الغربية ؟

و ما هو الجديد، إذن، ما دامت محكمة العدل الدولية قد اكدت فى رأيها الإستشارى بتاريخ 16 اكتوبر 1975 أنه لا توجد روابط سيادة بين المغرب و الصحراء الغربية و أن حل القضية الصحراوية يتطلب ممارسة شعب الصحراء الغربية لحقه فى تقرير المصير ؟

نقول:

إن الجديد الذى وجب تمييزه حتى نصف ما جرى بأنه تحول نوعي فى النزاع الصحراوي-المغربي و أنه يشكل إنتكاسة فى الصميم للإحتلال المغربي اللاشرعي يكمن فى عدة عوامل و على مستويات مختلفة :

1- تميز احكام العدالة الاوروبية عن العدالة الدولية بإمتلاكها لقوة الإكراه و الإلزام.

فالحكم ببطلان الإتفاقيات المبرمة مع المغرب من لدن المحكمة الأوروبية، حكم نهائي و لا رجعة فيه و يلزم جميع حكومات الدول الأعضاء فى الإتحاد و يجري على مصالحها العمومية و الخاصة و على مواطنيها و هذا تماما عكس ما يتعلق بقرارات المحاكم الدولية التى لا تتوفر على سلطة انفاذ القانون.

و بما أن الأحكام  الصادرة يوم 4 اكتوبر الفارط حول الصحراء الغربية ملزمة للدول الأعضاء و قابلة للتطبيق بحكم القانون الأوروبي، الذى يسمو على القوانين الوطنية، فان خرقها يعرض المخلين لإجراءات عقابية قد تكون من خلال احكام قضائية جديدة، إذا اقتضى الأمر ذلك، كما قد تتضمن اضرارا و خسائر مالية و إقتصادية كبيرة، سواء للدول او للبنوك او للشركات المختلفة.

و تجدر الإشارة هنا، من باب التذكير فقط، أن إرادة بعض الحكومات الأوروبية الوصية على المغرب ( فرنسا خاصة و إسبانيا  ) فى الإلتواء على قرارات المحكمة عبر تقنيات و تلفيقات تهدف إلى تجديد الإتفاقيات معه من خلال تقديم الطعون او طلب الاستئناف ضد احكام محكمة لوكسمبورغ فإنها باءت بالفشل الذريع لأن الأسس القانونية لمنطوق الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية العليا لا يسمح، هذه المرة، بوجود أي هامش للمناورة.

2- و كون أوروبا هي مسرح الأحداث و باعتبارها القاعدة الخلفية للنظام العلوي المغربي فإن فرنسا و إسبانيا تتقاسمان الإنتكاسة السياسية مع المغرب على الصعيد الأوروبي 

و بالفعل فالساحة الأوروبية، من الناحية التاريخية، هي القاعدة الخلفية للنظام العلوي المغربي منذ سنة 1956 و هي المربع الأخير لحمايته باعتباره أداة وظيفية لتمرير السياسة الكولونيالية فى المنطقة المغاربية و فى افريقيا.

و لأن فرنسا هي الوصي على النظام العلوي المغربي و هي من سلحه و عرقل، إلى جانب الدولة الإسبانية، مجهودات المجتمع الدولي الرامية  إلي تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية من خلال تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه فى تقرير المصير بالإضافة إلى أنها هي من فرض على الإتحاد الأوروبي تقديم كل أنواع التنازلات لصالح الإحتلال فى تناقض تام مع المبادئ  و القيم المشتركة، التى يدعي الإتحاد الأوروبي انه قام على أساسها، فان الإنتكاسة عصفت كذالك بكل من باريس و مدريد باعتبارهما الراعيان الرئيسيان للإتفاقيات المبرمة مع المحتل المغربي التى تم الغاؤها من طرف المحكمة الأوروبية.

3- تجدد الإنتكاسة المغربية على الساحة الأوروبية له مغزى عميقا بالنظر إلى أن النزاع الصحراوي-المغربي فى جوهره هو صراع على السيادة.

و بما أن كل ما يقدم النظام العلوي المغربي من خدمات مختلفة، فى كل الإتجاهات،  و كل ما يقبل من مقايضات و ما يشتري من ذمم و لوبيات هو بغرض تحقيق هدف إستراتيجي واحد يتمثل فى تشريع الإحتلال، بمعنى الإعتراف له بالسيادة على الصحراء الغربية من طرف الأمم المتحدة أولا و من لدن الإتحاد الأفريقي و الإتحاد الأوروبي ثانيا فإن الإنتكاسة تؤشر على استحالة مصادرة حقوق الشعب الصحراوي أو تغيير طبيعة النزاع الصحراوي-المغربي، لأن القضية الصحراوية هي مسألة تصفية إستعمار. 

4- الإنتكاسة المغربية لها انعكاسات إقتصادية و مالية على المجهود الحربي و على إستراتيجية ربط الإحتلال بالمصالح الأجنبية 

فمنع إستغلال الثروات الوطنية و الطبيعية الصحراوية، بحكم قضائي نهائي، خارج ثنائية قبول الشعب الصحراوي و تمثيل الجبهة لكل ما يتعلق بحقوقه و مصالحه، يقفل الباب أمام نهب الثروات الصحراوية و يسحب البساط من تحت اقدام اقتصاد الإحتلال الاستيطاني المغربي و يرشد إلى الطريق الصحيح أمام المصالح الأجنبية التى ترغب فى الاستفادة بطريقة شرعية من الثروات الصحراوية.

5- الإنتكاسة المغربية الاستراتيجية تتجاوز الحدود الأوروبية لتعزز مكانة الدولة الصحراوية على الصعيدين الإقليمي و الدولي.

أن شراء مواقف بعض الحكومات المرتشية للحصول على ما يملأ الجو لمغالطة الرأي العام المغربي عبر تصريحات و بيانات مقابل الدفع المالي المسبق لا يعدو أن يكون تهورا و دليلا على أن الرشوة و المال لا يمكن أن يحققوا السيادة على ارض الغير. و لا أن يشرعوا الإحتلال. 

و ما جلوس المغرب إلى جانب الجمهورية الصحراوية فى المؤتمرات الدولية و الإقليمية إلا دليل على أن محاولة الإلتفاف على حقوق الشعب الصحراوي يعد من المستحيلات.

كما أن الفصل الجديد من الإنتكاسة المغربية يدل بشكل قاطع أن أي حل سياسي دائم و عادل و مقبول لدى الشعب الصحراوي لا بد ان يمر عبر إحترام حق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير و إحترام الحدود الدولية المعترف بها دوليا للصحراء الغربية.

و يمكن أن نلخص أهم الإستنتاجات مما سبق في:

- أنه كلما حاول المغرب صعود الجبل و اوهم أنه أصبح على بضعة اميال من قمة الحسم لصالحه إلا و اهتزت الأرض تحت اقدامه، هو و جميع حلفائه و لوبياته، و جرفتهم مقاومة و صمود اهل المكان حتى السقوط فى القاع.

- نقف اليوم بعد خمسة عقود تفصلنا عن صدور الرأي الأستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الصحراء الغربية بتاريخ 16 اكتوبر 1975، و الذى له أهمية تاريخية لكونه اول رأي قانوني يصدر بالتزامن مع بداية الاجتياح العسكري للصحراء الغربية و تنفيذ مخطط العدوان على الشعب، نسجل أن كفاح شعبنا و مقاومته و صموده و تضحياته الجسام يحقق انتصارات عظيمة و ذلك بالرغم من تعدد العقبات و الصعوبات و كثرة التحديات، و بالرغم من الأجيال الجديدة من الحروب  التكنولوجية و حروب الوعي.

و يبقى فى النهاية أن نؤكد للمغرب أن إحترام حدود الدولة الصحراوية و  انهاء الإحتلال و مد جسور التعاون و الاخوة تجاه الشعب الصحراوي هما الحل.
و كما صرح الرئيس المكسيكي بنيتو خواريس( Benito Juárez) يوم 15 يوليوز 1867 بإن: " إحترام حقوق الأخرين هو السلام"
" el respeto al derecho ajeno es la Paz "
امحمد/البخاري 2 فبراير 2025

Contact Form

Name

Email *

Message *