-->

المغرب يختل إفريقيا "بالحشيش"

سنة 1984م ، وغداة دخول الجمهورية الصحراوية إلى منظمة الوحدة الإفريقية كعضو كامل السيادة والحرية، خرج المغرب من المنظمة المذكورة منفعلا وغاضبا.
كان الحدث هزيمة مذلة ومهينة وحتى مشينة للدبلوماسية المغربية. أكثر من ذلك كانت بمثابة صفعة بيد من حديد على خد المملكة الأيمن. أول مرة، حسب علمي، يتم طرد دولة عضو من منظمة الوحدة الإفريقية. كانت نكسة كبيرة لازالت الدبلوماسية المغربية تتذكرها إلى حد الآن او بعبارة أدق، لا زالت تقطع على الملك شخيره وتوقظه من نومه. وكلنا نذكر، طبعا، ما قاله الملك المغربي غاضبا حينها: لن نعود إلى منظمة الوحدة الإفريقية إلا بعد أن يتم طرد الجمهورية الصحراوية منها." ووصل بالملك المغربي الغرور والحنق والحقد إلى درجة أنه كان يضع يده على أنفه كلما ذُكرت أمامه منظمة الوحدة الإفريقية.
لكن حين نتتبع ما قام به المغرب من خطوات، بعد ذلك، اتجاه منظمة الوحدة الإفريقية نجد أنه لم يبتعد كثيرا، وأنه كان يعمل دائما في الكواليس وخلف الستائر. فحتى قبل أن يتأسس الاتحاد الإفريقي على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقية، كان المغرب قد بدأ سياسة للتقرب من الدول الإفريقية، خاصة التي تعترف بالدولة الصحراوية. وكما لا يخفى على أحد كان هدف تلك السياسة هو محاولة العودة، ولو من بعيد، من بعيد، إلى المنظمة، فهو لا يستطيع أن يبقى يغرد خارج السرب إلى ما لا نهاية. 
إن السياسة التي انتهج المغرب كي يقترب من القارة الإفريقية حدثت أو تم تنفيذها على مرحلتين: المرحلة الأولى بدأت مباشرة بعد سنة 1984 م، السنة التي تم فيها قبول عضوية الجمهورية الصحراوية، وتركزت على محاولة إقناع الدول الإفريقية التي تعترف بالجمهورية الصحراوية بسحب اعترافها بها أو بتأجيل ذلك الاعتراف إلى ما بعد إيجاد حل للقضية. وفي سبيل ذلك بذل المغرب كل ما يملك من جهد حتى يقنع من يستطيع إقناعه أو يلجأ، في حالة عدم نجاح ذلك، إلى وسائل أخرى من بينها المال أو المساعدة السياسية والعسكرية والأمنية. فمثلا نتذكر كلنا الآن ما حدث مع بوركينا فاسو. فحتى "تسحب" هذه الدولة، بعد الانقلاب على توماس سانكارا، اعترافها بالجمهورية الصحراوية بنى لها المغرب ملعبا لكرة القدم. في حالة دول إفريقية أخرى عرض عليها المغرب خدماته الأمنية، وحتى أنه شجع المعارضة في بعضها ومولها حتى تقوم بإسقاط النظام الذي أعترف بالجمهورية الصحراوية (بنين مثلا).
المرحلة المذكورة لم تأت بالكثير من الأُكل.
المرحلة الثانية بدأت سنة 1991م. ابتداء من هذه السنة عاد المغرب يخطب ود الدول الإفريقية التي تعترف بالجمهورية الصحراوية من جديد. لكن هذه المرة لم يطلب المغرب من الدول المذكورة أن تسحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية، إنما بدأ يطلب منها أن "تجمد اعترافها" حتى يتم تنظيم الاستفتاء. 
لكن حين تأسس الاتحاد الإفريقي بمشاركة وحضور فاعلين للجمهورية الصحراوية في حفل التأسيس، كان ذلك الحدث ضربة وصفعة أخرى تلقاها المغرب على خده الأيسر. كان وقع تلك الصفعة مثل وقع تلك التي تلقاها على خده الأيمن حين تم طرده، سنة 1984م، من منظمة الوحدة الإفريقية. لم يهضم المغرب إلى حد الآن كيف إن المغرب التاريخي، العريق، العضو المؤسس من بين آخرين لمنظمة الوحدة الإفريقية لا يحضر لتأسيس الاتحاد الإفريقي وان تفوته تلك الفرصة التاريخية. كما لم يهضم أيضا إن تكون الجمهورية الصحراوية، غريمته التاريخية، حاضرة في الصف الأول في تأسيس الاتحاد المذكور. 
وحتى يبقى موجودا في الساحة الإفريقية لجأ المغرب إلى سياسة ما يسميه هو- ووحده- "سحب" الاعتراف بالجمهورية الصحراوية. في الواقع ما يسميه المغرب سحب الاعتراف هو غير قانوني أصلا. فالدولة حين تتخذ قرارا سياديا سياسيا له علاقة بالخارج ويتم تنفيذه على الأرض لا يمكن بعد ذلك إن يتم التراجع عنه. فالاعتراف بالجمهورية الصحراوية، حسب القانون، تم بطريقة سيادية ووقعت عليه الدول التي قامت به مع الدولة الصحراوية. أكثر من ذلك هو لم يوقع فقط بين الدولة الصحراوية والدول الإفريقية، إنما كان يتم الاعتراف ويتم تسجيله رسميا من طرف منظمة الوحدة الإفريقية كشاهد على شرعيته وصدقيته، وبالتالي يتم تسجيله على أساس انه قرار سيادي. إن القرار السيادي لا يتم التراجع عنه إلا في حالة واحدة وواحدة فقط: حين تقوم به دولة تحت ضغط دولة تستعمرها.
نكتة سحب الاعتراف 
وبقى المغرب يلهث وراء المزيد من "سحب" الاعتراف حتى الآن. وحتى يعطي لما يقوم به "بعض المصداقية" يلجأ إلى الكثير من الخداع الدبلوماسي والإعلامي. فمثلا كلما زاره وفد رسمي من دولة من الدول التي جمدت اعترافها او "سحبته" يطلب منها الفاشي الفهري، وزير الخارجية المغربي، إن تقول في الإعلام أنها سحبت اعترافها حتى يظن المشاهد أن دولة جديدة سحبت اعترافها، في حين أنها هي نفسها التي كانت سحبت اعترافها السنة الماضية. فمثلا دولة غينيا بيساو سحبت اعترافها، حسب الدبلوماسية المغربية، خمس مرات وفي كل مرة كان المغرب يقول أنها تسحبه للمرة الأولى.
إن من يتتبع مسرحية سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المتكررة والمعاودة التي تنفذها الدبلوماسية المغربية يظن أنه لم تبق ولا دولة واحدة تعترف بالجمهورية الصحراوية فمن بين النكت الجميلة والطريفة التي لها علاقة بسحب الاعتراف والتي يتهكم بها المناضلون في المناطق المحتلة أن الملك المغربي عيَّن، سنة 2008 م، صحراويا جاهلا مواليا للمملكة، اسمه احمد لخريف، كاتبا للدولة لدى وزير الخارجية. لكن في إحدى المرات كان أحمد لخريف يتكلم أمام الصحافة عن "النجاح" الذي حققته الدبلوماسية المغربية في سحب اعتراف الدول المعترفة بالجمهورية الصحراوية. حين انتهى الرجل من كلامه طلب منه أحد الصحفيين أن يذكر له قائمة الدول التي سحبت اعترافها بالجمهورية الصحراوية. راح الرجل يذكر أسماء بعض الدول، حتى بلغ به الأمر أن ذكر من جملة ما ذكر دولة السنغال. كان التدخل فضيحة كبيرة لأن السنغال لم تعترف قط بالدولة الصحراوية. في اليوم الموالي، وعقابا له على جهله، تم استدعاء احمد لخريف وعزله من منصبه بشهادة توبيخ. 
بدأ الختل بالحشيش 
في القمة الأخيرة التي انعقدت بأديس بابا في نهاية يناير الماضي حدثت خطوة مغربية جديدة للتقرب من إفريقيا لسحب الورقة من يد الدولة الصحراوية. ففي سبيل ذلك بعث المغرب كاتب الدولة لدى وزير الخارجية، محمد أوزين (الرجل الذي حل محل احمد لخريف) إلى اديس بابا ( لأول مرة منذ سنة 1984) كي يقوم باختبار نفسية القادة الأفارقة حول إمكانية تجميد عضوية الدولة الصحراوية في اتحاد الإفريقي حتى تتم تسوية النزاع. وحسب التلفزيون المغربي فإن المبعوث المغربي قد التقى- في الكواليس طبعا- مع 34 مسئولا إفريقيا في اديس بابا. 
إن خطوة كهذه، رغم خيبتها، تؤكد أن المغرب سيظل يجرب كل ما يستطيع أن يقوم به حتى يقترب من إفريقيا، وسيظل يجرب، كذلك، كل السبل التي يمكن أن تمكنه من الوصول إلى العودة إلى إفريقيا.
بقلم: السيد حمدي يحظيه

Contact Form

Name

Email *

Message *