-->

كتاب "المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر" تفاصيل مغامرة إعلامية داخل الأراضي الصحراوية المحتلة


نظام المخزن أباد جنودا رفضوا إطلاق النار على الصحراويين 
"المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر"، كتاب جاء نتاجا لمخاض أفرزته التحقيقات التي أنجزها الكاتب الصحفي أنور مالك ونشرتها الشروق محدثة زلزالا إعلاميا، حيث انبرت عدة أقلام مغربية للردّ على ما جاء في هذه التحقيقات، لكن هذه الردود تجاوزت الحدود المهنية لتطال الكاتب الصحفي أنور مالك وحتى الشروق بسهام مسمومة لا تشرف أصحابها. 
أهمية كتاب "المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر"، لا تكمن في كون الكاتب الصحفي أنور مالك استطاع الوصول إلى عمق الأراضي الصحراوية المحتلة في مدينة الداخلة فقط، ولكن قوة هذا الكتاب تتمثل في تمكّنه من تقديم الوجه الآخر من الحقيقة المغيّبة والمشوّهة، خاصة في قضايا حساسة بحجم الصحراء الغربية لطالما وجد الإعلام الحر والمحايد صعوبات كبيرة في التحرك بحرية ونقل المعلومة الدقيقة والصحيحة عن الوضع في هذه المناطق الخاضعة لقبضة أمنية وعسكرية حديدية. 

وما يزيد الكتاب شهرة وإثارة لدى القارئ حتى قبل أن ينزل إلى الأسواق، تلك الضجة الإعلامية التي أحاطت به منذ ولد رضيعا في شكل تحقيق صحفي، إلى أن اشتد عوده ككتاب، وساهم الإخوة المغربيون ـ من حيث لا يعلمون ـ في الترويج لهذا الكتاب حتى قبل أن يسمعوا به من خلال كتاباتهم وانتقاداتهم لما تضمّنته تحقيقات أنور مالك التي نشرتها الشروق والتي صدمت النظام المغربي الذي كان يحاول استغلال أنور مالك بصفته ضابطا سابقا في الجيش الجزائري لتوجيه ضربة سياسية وإعلامية في خاصرة الجزائر فإذا به يشرب من نفس الكأس التي حاول أن يسقي الجزائر منها، لذلك كانت تحقيقات أنور مالك حول الصحراء الغربية المحتلة علقما صعب على المخزن بلعه، لذلك كان الرد سريعا حسب الكاتب. 

ويشير أنور مالك في كتابه، إلى أنه بعدما أثارت الحلقات التي نشرها في الشروق ضجة واسعة، أمر المخزن المغربي بإجراء تحقيقات استخباراتية وخضع حتى نادل الفندق الذي أقام فيه للتحقيق وتعقبوا أثار الكاتب الصحفي في كل مكان يفترض أنه تنقل إليه وتواصل فيه مع النار. ولتجاوز تلك الصفعة الإعلامية والاحترافية والمهنية الجزائرية بامتياز، أخرج المخزن المغربي مسلسل الشرطي السابق المنشق عن البوليزاريو والمدعو "المصطفى ولد السالك" لامتصاص الألم الذي أحدثته حلقات أنور مالك في مدينة الداخلة، حيث أن نشر الحلقة الخامسة والأخيرة من التحقيق صادف يوم السبت 7 أوت 2010 والندوة الصحفية التي عقدها الشرطي المنشق عن البوليزاريو كانت يوم الإثنين 9 أوت 2010، بينما يوضح الكاتب أن يوم الحد 8 أوت كان العطلة الأسبوعية في المغرب وإلا لكان اليوم الموعود. 

وجاء مضمون الندوة التي عقدها المنشق عن البوليزاريو مناقضا لما تضمنته تحقيقات أنور مالك، مما يعكس حجم الترابط بين القضيتين، حيث قال ولد السالك إن "الصحراويين يؤيدون الحكم الذاتي وينتصرون له"، فيما شدد أنور مالك أن كتابه (المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر) "سيظل شاهدا عبر التاريخ على أن الشعب الصحراوي لن يموت أبدا وسيقرر مصيره اليوم أو غدا". 
ملف الصحراء الغربية لم يكن وحده ما تضمّنه الكتاب، بل إن أنور مالك استعان بخبرته العسكرية السابقة وملكته الإعلامية المبدعة ليشرح لنا بالتفصيل طبيعة المخابرات المغربية وأساليبها المستعملة في حربها السرية ضد الجزائر، وقال الكاتب في مقدمة الكتاب "سيغدو (هذا الكتاب) مرجعا للأجيال القادمة حتى تعرف حقيقة ما يدبّر لبلدنا من قبل جهاز ينتمي لجار شقيق تربطنا به قواسم مشتركة جغرافيا وقوميا ولغويا ودينيا وعرقيا واجتماعيا". 
وقال الكاتب الصحفي أنور مالك إنه "رأى من الضروري أن لا تبقى تلك المعلومات القيّمة والمثيرة متناثرة عبر أوراق جريدة الشروق فآثرنا جمعها في كتاب حتى يبقى شاهدا لا يمكن أن يطاله النسيان"، ومما أعطى لهذا الكتاب أكثر مصداقية، اعتماد الكاتب على شهادة ضابط مغربي فار عمل في الصحراء الغربية (وشهد شاهد من أهلها)، بالإضافة إلى استعانته بأمثلة توضيحية على غرار مجزرة العيون التي تناولتها الصحافة الدولية بإسهاب كبير. 
"المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر"، جاء في كتاب متوسط الحجم، ضم بين دفتيه 331 صفحة، وقسّمه الكاتب إلى خمسة فصول، بالإضافة إلى الملحق الذي ضمّ صورا للتحقيقات المنشورة في الشروق وكذا ما نشرته الصحافة المغربية حول نفس الموضوع، بالإضافة إلى بعض الرسائل الإلكترونية التي تحمل التهديد والابتزاز لأنور مالك من عدة أطراف. 
ويتناول الكاتب في الفصل الأول تفاصيل مغامرته غير المسبوقة في مدينة الداخلة الصحرواية، بدعوة من جمعية صحراوية موالية للمخزن المغربي للمشاركة في مؤتمر حول الصحراء برعاية مغربية. 
أما الفصل الثاني والذي يحمل عنوان "لاتحزن أيها المخزن"، ويتحدث فيه أنور مالك عن قصة مغامرته التاريخية في مدينة الداخلة، والمفارقة أن ذلك تم بتنسيق كامل مع جريدة الشروق وفي نفس الوقت أنجز التحقيق تحت عيون المخابرات المغربية ودون علمها بخلفية التحقيق، مما يفسر حجم الصدمة التي تلقتها هذه الجهات عندما صدر التحقيق بالشروق. 
بالنسبة للفصل الثالث ويعتبر قلب الكتاب ويحمل نفس عنوانه (المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر) ويتحدث فيها أنور مالك بإسهاب، خاصة وأن الصحراء الغربية هي المحور الذي يدور حوله صراع هذه المخابرات ضد الجزائر، بل يعتبر هذا الصراع عقيدة المخابرات المغربية نفسها. ويستشهد الكاتب بمقولة أحد أعوان هذا الجهاز "البوليساريو من دون الجزائر لا تساوي شيئا، ولهذا لابد من تفكيك الارتباط بينهما، إما عن طريق إثارة الفتنة أو بتكسير شوكة العنصر القوي في المعادلة وهو الجزائر". ويسهب الكاتب في تفصيل هذا الجانب، من خلال إبراز أشكال الدعاية المغربية ضد الجزائر وأساليبها، وخطط المخابرات المغربية لإشعال الفتن في الجزائر من تجنيد العملاء وتوريط المعارضين وجمع المعلومات وتسريبها لأطراف معادية، ومحاولة كسب ودّ المنظمات الدولية لحقوق الإنسان عن طريق الملفّات المزوّرة، وكذا إثارة الفتنة بين الجزائر والدول الصديقة ومحاولة تحريف التاريخ الذي لا يخدم مغربية الصحراء. 
الفصل الرابع تضمن حوارا جريئا مع ضابط مغربي فار، كشف فيه حقائق حساسة عن الفساد في الجيش المغربي وكيف أنقذت معاهدة وقف إطلاق النار الجيش المغربي من جبهة البوليزاريو، وكيفية تغلغل المخابرات الإسبانية في دواليب الدولة المغربية. 
إلا أن أخطر ما جاء في الفصل الخامس مقولة: "أبيدوا الصحراويين حتى يرتاح الثاني في قبره ويهنأ السادس في قصره". ويشير الكاتب إلى مجزرة المخزن في مدينة "العيون"، كبرى مدن الصحراء الغربية المحتلة، وكيف قام البوليس السري بذبح جنود الأمن المغربي الذين رفضوا المشاركة في هذه المجزرة. 
وآخر ما يمكن قوله حول هذا الكتاب، الذي تناول تعامل المخابرات المغربية مع قضية الصحراء الغربية والجزائر، أنه سيكون مرجعا أساسيا في أيّ دراسة جادة ومحايدة حول قضية الصحراء الغربية في ظل هذا الكم الهائل من التضليل والأكاذيب والدعاية التي غيّبت الحقيقة عن قضية جد حساسة رهنت وحدة الشعوب المغاربية وضيّعت عليهم الكثير من الجهد والتعاون الفعال بين دوله.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *