-->

عريفات التنظيم السياسي للبوليساريو بين تضحيات الماضي ومرارة الحاضر و هواجس المستقبل

تقرير ـ لكل نجاح أو انتصار سره ومكامن قوته وخلف كل ثورة جنود خفاء يحملون أعباءها ويخلقون سبل استمراريتها ، يأخذون بتضحياتهم الأجيال إلى الحياة الكريمة التي قد لا يعيشونها ويكفيهم من ذلك شعورهم بعزة النفس و راحة الضمير هؤلاء بحق هم من يستحقون أن ننصبهم تاجا للفخر فوق صدورنا ...
إنها المرأة في الصحراء الغربية التي سايرت الكفاح في جبهات البناء المؤسساتي و الإداري مجسدة في الخلايا و العراف كوحدة قاعدية صلبة لها تماس مباشر مع القاعدة الشعبية فكانت صمام الأمان لتنظيم سياسي محكم و مدرسة لإنتاج مثل الثورة وفكر النضال وسبل الكفاح فشكلت بذلك اللبنة الأولى لمجتمع متماسك ، منظم و متحد على أهدافه ومقدساته ، لخوض معركة التحرير الشاقة والصعبة، فهي بامتياز سر نجاح التنظيم السياسي في فترة زمنية معينة .
ومن هذا المنطلق سنتطرق إلى الخلايا كوحدة اساسية لمنظومة الفروع و كذا العريف كنموذج نضالي و اداة فاعلة في هذه المنظومة ، ونخوض في تجربة تلفظ انفاسها الاخيرة مثلت انتصارا للنظام على فوضى وعفوية مجتمع بدوي يرفض الانقياد لاي ضوابط قانونية او ادارية ثم نتساءل هل لتراخي فاعلية الفروع المحلية حاليا علاقة بالأداة ؟ أم المتغيرات ؟ أم كليهما معا ؟ ثم هل وفقنا في إيجاد خلف يحمل المشعل من جيل قدم كل شيء و أضحى عاجزا عن تقديم أي شيء ؟ أم أن المرحلة تنذر بانفصام الأجيال ؟ ثم ما مصير هذه المنظومة – الخلايا - في ظل رحيل رعيلها الأول و الأداة الفاعلة فيها –عريفات الانطلاقة - ؟ هل لتنظيم الخلايا وعرافها حاليا القدرة على مواكبة تحديات المرحلة ؟ ما مدى فعالية الخطاب السياسي التحريضي في بلورة الرأي العام الوطني ؟ هي أسئلة عالقة تسعى الصحراء الحرة للإجابة عليها من خلال تقصيها و البحث عن مكامنها و تفاصيلها.
ظروف تشكيل الخلايا والعراف:
لقد سعت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب منذ بداية تأسيسها إلى تنظيم القاعدة الشعبية و تأطيرها سياسيا وقد شمل التأطير كافة تواجدات الشعب الصحراوي ليلعب دوره في معركة التحرير و البناء فتم تنظيم الجماهير في فروع ، لجان وخلايا هذه الأخيرة هي اصغر وحدة سياسية تتكون من خمسة إلى عشرة أفراد على رأسها عريف يدير شؤونها وهو همزة الوصل بينها –الخلية- وبين قيادات الجبهة وفقا للتسلسل الإداري و القيادي تصاعديا ... وقد انحصر دور العريف بعد إعلان تأسيس الجبهة كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي على : التوجيه ، التحريض ، الدعوة للانخراط في صفوف الجبهة الشعبية و التعريف بمبادئها و أهدافها ، وكان العمل في تلك الفترة يتسم بالسرية التامة لما تتطلبه المرحلة من حرص وحذر قبيل الإعلان عن الكفاح المسلح .
- مقاييس اختيار العريف قديما :
في فترة تتسم بتسارع الأحداث و تراكمها كان لزاما على القائمين على تنظيم الخلايا اختيار عرافها ووضع أسس و مقاييس لذلك الاختيار ،و نظرا لتفشي الجهل و الأمية في تلك الفترة فقد تم اعتماد الالتزام ، حفظ المبادئ ، درجة النشاط و الفاعلية و عن هذه المقاييس المعتمدة يقول الأخ المحجوب سلامة الأمين السياسي الجهوي لولاية السمارة " ... يتم اختيار العريف على أساس الجدية، النزاهة، السرية للحفاظ على الأسرار و المعلومات ، القدرة على التوجيه و التحريض ..." كما تقول الأخت فيوحة ادي عريف و رئيسة بلدية بدائرة المحبس " في ظل انعدام المستوى العلمي الثقافي آنذاك تم تعييننا كعراف اعتمادا على حفظنا للمبادئ و الشعارات الثورية ، الالتزام و المسؤولية ...وبعد فترة زمنية تم تنظيم دورات تعليمية تدريبية هدفها تكوين العريف و تاهيلهم خاصة ان المهام تتزايد مع كل مرحلة نخوضها ..."
-اللجوء ...قصة العريفة مع العطاء :
بعد لجوء الشعب الصحراوي إلى الأراضي الجزائرية بحثا عن قواعد آمنة لتنظيم صفوفه وخوض كفاحه ضد الغزاة كان عليه أن يناضل في جبهات القتال و في نفس الوقت بناء ركائز و أساسات التنظيم السياسي في قواعده الخلفية و تمركزا ته السكانية ( أحياء ، دوائر ، ولايات ) وقد لعبت العريفة حينها دورا جبارا في تأطير الجماهير وتوجيهها ففي رحلة تقصينا عن مهام العريفة في تلك الفترة وقفنا على حقيقة كونها حملت كل ثقل التنظيم في ظرف استهلكت ساحات القتال تواجد الرجال ، حملت عبئ إدارة دولة و تنظيم شعب ، فكانت إلى جانب مهامها السياسية يعزى إليها مهمة الأمن ، الرقابة (متابعة انضباط التلاميذ بدراستهم ،تقييم الأداء المهني، رفع التقارير بملاحظات و انشغالات أعضاء الخلية ) ،الصحة من خلال التوعية الصحية و حملات الإرشاد و النظافة ، بناء المدارس و المستشفيات و المرافق العمومية ، إلى جانب مهامها الإنتاجية في ورشات الإنتاج من غزل ونسيج و دباغة ، السهر على "نظام الخفارة" – الحراسة الليلية – تبليغ الوثائق و التعليمات الصادرة عن الجبهة الشعبية و السعي لتطبيقها و الالتزام بها ،متابعة انضباط و التزام أعضاء الخلية ببرنامج العمل المقدم لها ، تنظيم و ادارة الحفلات المخلدة للاعياد الوطنية كاسلوب خطاب فعال يعتمد على (اغاني وطنية ،مسرحيات تذكر بماساة الشعب ، شعر ثوري يتغنى بالثورة و الكفاح ، يمجد المقاتلين و يؤرخ للمرحلة ... )هي اذن مهمة البناء الإداري ، المؤسساتي و الفكري .
و بالرغم من كثافة المهام وصعوبتها و ضعف المستوى الثقافي ومحدوديته و قساوة الطبيعة و بطشها إلا أن العريفة أثبتت قدرة رهيبة على إثبات الذات و التأقلم مع الوضع ، فقد أكسبتها التجربة صلابة وقوة تزيح كل المعوقات الموجودة بايمان راسخ وعزيمة خارقة .
فاثناء وجودنا في ضيافتهن – العريفات – لمسنا النبل الذي يتحلى به المكافح و احسسنا بنفسية المحارب المؤمن بمبادئه و قدسية رسالته فلا زالت نفحات الثورة تفوح من احاديثهن فلا تكاد تصغي لكلامهن حتي تتجلى لك صورة الثائر الذي كونته المبادئ و سمت به القيم .
- الخلايا ... منظومة محكمة في طور الاندثار :
شكلت الخلايا في الماضي قوة التنظيم و صلابته و وحدة الشعب و تماسكه فقد مثلت شبكة لا يمكن اختراقها تعمل بحركية آلية، و استطاعت هذه المنظومة أن توظف كل أفراد الشعب في المصلحة العامة كل حسب قدرته و إمكانياته و كان للعريف حينها مكانة و هيبة كبيرتين اكتسبهما من تمثيله للجبهة ، ومما زاد هذه المنظومة قوة وفاعلية اندفاع الجماهير للمساهمة في المشروع الوطني و قناعتها اللا محدودة و إيمانها الراسخ .
و لهذا أصبحت كل القواعد السكانية عبارة عن وحدات إدارية متماسكة، متفاعلة و متحدة على الواجب الوطني فشكلت تلك الأجزاء مجتمعة الكل الذي يتحرك ميكانيكيا بتحرك أجزائه ووحداته ،متواصلا من قاعدته إلى اعلى قمة فيه ، ومثلت المرحلة تجسيدا لحلم النظام و اثباتا لقدرة الانسان الصحراوي على ادارة دولته و تنظيم شعبه و لو في المنفى على عكس ما تروج له الدعاية المغربية حول عجز الشعب الصحراوي وجبهته الطلائعية عن ادارة الدولة الصحراوية .
ومع توقيف اطلاق النار برزت تحديات و اهداف جديدة استطاعت المنظومة مواكبتها ومسايرتها فترة وجيزة من الزمن ثم بدت بوادر الضعف تلوح في الافق .
ففي رحلة بحثنا توجهنا إلى ثلة من قدماء العريفات اللواتي واكبن المرحلة من بدايتها سالناهن عن دور ووظيفة العريفة الحالي فتلقينا شبه اجماع على الوضع الهامشي للعريفة اذ لا دور ولا أهمية لها مما ينذر بزوال مقومات القوة في القاعدة الشعبية التي مثلت دائما خزانا للاطر و الكفاءات الوطنية التي كونتها التجربة و صقلها البذل ورسخت ايمانها الماساة ، و بهذا تكون قد انقضت مرحلة اثبتت فاعليتها و قوتها.
الخلايا ...و مواكبة الاحداث :
اثناء زيارتنا لبعض العريفات ابد ين اسفهن وحسرتهن لما آلت اليه الاوضاع عامة ، وارجعن اسبابه لما نشهده من تفتح نتج عنه انفلات امني و ما تمر به المنطقة من مستجدات انعكست على و اقع الحال، هذا ما جعلنا نتسائل عن قدرة الخلايا على مواكبة الاحداث وعن هذا الموضوع تقول الاخت امباركة عالي " لقد اثبتت هذه المنظومة قدرتها في الماضي فكانت على قدر التحديات و الرهان اما حاليا وبهذه الوضعية فلا اعتقد انها قادرة على مسايرة التطورات الا اذا تم احياءها و بعث الروح فيها وهذا يتطلب امكانيات هائلة ومجهودات جبارة على كل الاصعدة و الميادين .
التجربة الديمقراطية ...مزايا و عيوب :
في ظل الانفتاح و البحث المستمرعن "النظام الراشد" و تجاوبا ومسايرة للعصر وتجسيدا لاشراك القاعدة في القرار اضحت العريفة تنتخب ديمقراطيا بدل تعيينها .
وقد افرزت هذه التجربة اشكالاتها و مشاكلها التي تمخضت عن طبيعة المجتمع ، فبالرغم من النزاهة و الشفافية التي تصاحب عملية الانتخاب و الفرز الا ان الاشكال يقع في اسس و مقاييس الاختيار المعتمدة لدى الناخبين فقد تاخذ العواطف و النعرة القبلية الناخبين الى التصويت لمن ليس له تجربة و لا كفاءة على حساب من اثبتت التجربة اخلاصه و تفانيه و انضباطه و التزامه .
وبهذا تكون حتى التجربة الديمقراطية نقمة على مجتمع مثلت دائما القبلية فية نقطة ضعفه الازلي و مرضا ينخر في جسمه الوطني بما قد يمنعه من السير إلى الامام .
- تداعيات الضعف و ضريبة التهميش :
لقد ادى الوضع الهامشي للعريفة إلى عزوف الطاقة الشابة عن الاقبال على الفروع المحلية فقد اضحت العريفة التي قدمت الكثير مثالا لهن ، وفي حديثنا مع بعض العريفات تبين لنا بعضا من مسسببات هذا العزوف مثل إشكالية المنح التي طالما اثارتها الفروع المحلية دون جدوى وعن هذا الموضوع تقول الاخت فيوحة ادي " ...بالنسبة لنا كعريفات و اكبنا الثورة ولم نطالب يوما بهذا الامتياز و كان الحافز الوحيد الذي يدفعنا للبذل هو انتصارات جيش التحرير العسكرية و الاعترافات الدبلوماسية فكلما جاءنا خبر بنصر في معركة او اعتراف دولة ما بالجمهورية اعتبرنا ذلك امتدادا لما نقدمه هنا في القواعد الخلفية ..."ٍ و تضيف غير ان هذا الجيل عاش في وضع مغاير لوضعنا و متطلبات الحياة تزايدت و الامكانيات اصبحت متاحة و ان كانت قليلة فلماذا لا يستفيد الفرع المحلي كما استفاد المعلم و الطبيب و الاداري ، و المدير و...وكلهم مروا بنفس المرحلة ؟!
يقول الأخ المحجوب سلامة امين الفرع الجهوي لولاية السمارة في رده على سؤالنا حول امكانية قطع منح استفادة للفروع المحلية يقول : "... لقد تم اثارة هذه المسالة اكثر من مرة دون الفصل فيها و اعتقد ان السبب يكمن في الاعداد الهائلة لمنتسبي هذه الفروع و التي تعجز الامكانيات المتاحة حاليا عن تغطيتها و الالمام بها الا ان كل الملفات محفوظة و مصانة بدقة متناهية في انتظار توفر الامكانيات او الاستقلال و السيطرة على ثرواتنا الوطنية و سوف لن تذهب جهود المناضلات سدا باذن الله ..."
- من يبلور الراي العام الوطني الصحراوي ؟َ!
ساير الشعب الصحراوي مراحل مختلفة وعرف متغيرات عدة ،كما تعرض لازمات و نكسات متتالية كان يمر منها دائما اكثر مناعة وصلابة الا ان ما تشهده الساحة اليوم من احداث غريبة و دخيلة على المجتمع الصحراوي ( مخدرات ، ارهاب و تطرف و و...) انهكت الراي العام الوطني بما يصاحبها من دعاية و اشاعات عفوية حينا و مسيسة أحيانا ، فوضوية تارة و ترويجية اخرى ، و في ظل غياب تام للرواية الرسمية المقنعة التي من شانها ان تتصدى لهذه الفوضى الفكرية المدمرة .
هذا الوضع اثار رعبا وهاجسا لدى الجماهير و ابان عن ضعف في فعالية الخطاب وعجزا في رؤية و استراتيجية الفروع بصفتها المسؤولة عن التوجيه و التحريض ، كما ا فصح عن حجم الفراغ الذي خلفته الفروع المحلية ليفسح المجال للدعاية في اخذ مكانة مرموقة في صناعة الراي وترويج الافكار المعادية للمشروع الوطني و النيل من قناعة و ايمان الشباب كونه الفئة المستهدفة .
وعن هذه المسالة يقول الأخ المحجوب في رده على سوالنا عن امكانية استغلال الفروع المحلية للتصدي لهذه الامواج الفكرية المتضاربة ؟ يقول " نعم للفروع المحلية القدرة على مواجهة المشكل اذا تم استغلالها بشكل صحيح و تلعب هنا امانة الفروع الدور الاساسي من خلال تزويدنا بالمعطيات و المعلومات اللازمة لتشكيل رواية متماسكة من كل الجوانب تلم بحميع ملابسات الحدث الذي تحوم حوله الدعاية و الشائعة وبدورنا نقوم بتوزيعها على كافة تشكيلات الفرع المحلي برواية رسمية مقنعة و ذات مصداقية .
وفي حديثنا مع اعضاء من الفرع المحلي حول إشكالية الخطاب السياسي عامة ومدى قدرته حاليا على الاقناع
تقول الاخت فيوحة ادي " الاشكالية ليست في الخطاب و انما في المعطيات المدعمة لهذا الخطاب فما دامت مبررات نمط الخطاب قائمة- الثورة ، عدم الاستقلال - سيبقى الخطاب على ماهو عليه " وفي سياق آخر تقول الاخت بعة برهي عريفة " في الاونة الاخيرة كثرت الاقاويل المضللة و المشككة حتى في ثوابتنا و مقدساتنا وفي مشروعنا الوطني و بالرغم من عدم نجاح هذه الاقاويل في التاثير على عزيمتنا و ايماننا بهذه القضية كوننا واكبنا الثورة وعشنا في كنفها و ربينا جيلها الا انها قد تؤثرفي ذوي الايمان الضعيف و القناعة المتزعزعة ومن هنا اطالب من الجبهة ان تتصدى بحزم لكل هذا و ان تقدم الرد الواضح و القاطع لهذه السموم الفكرية فاخطارها وخيمة وعواقبها غير محمودة " و تضيف " واقول لمن تنال منه هذه الشائعات و الاحداث اننا لسنا بمناى عن العالم الذي ارهقته الجريمة المنظمة و الارهاب و المخدرات فاعتى الدول و الانظمة لازالت تعاني من هذه المشكلة .
المصدر : اسبوعية الصحراء الحرة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *