-->

ملك المغرب وموت "الدينامية الفاضلة"

(وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) عندما توفىّ ملك المغرب الحسن الثاني في 23 يوليو 1999، كان قد مضى على نزاع
الصحراء الغربية اربعة وعشرون سنة (1975-1999)، عرف خلالها حربا طويلة دارت بين القوات المغربية وجيش التحرير الشعبي الصحراوي لمدة ستة عشر سنة (1975-1991)،سببها احتلال المملكة المغربية للصحراء الغربية بصفة غير شرعية و تنكرها للحقوق المشروعة للشعب الصحراوى في تقرير المصير والاستقلال.
قبل وفاة العاهل المغربي كان النزاع الصحراوي المغربي بلغ حدتا ايقنت الامم المتحدة انه نظرا لما قد يترتب عنه من مخاطر على المنطقة اصبح يتطلب حلا عاجلا. الحل تمثل في خطة تسوية اعدتها الامم المتحدة وصادق عليها مجلس الامن في سبتمبر1991 تقضي بإجراء استفتاء بالصحراء الغربية يختار فيه الصحراويون بين الاستقلال او الانضمام الى المملكة المغربية. الخطة رغم ما يشوبها من اجحاف في حق الصحراويين ،اعتبرتها الامم المتحدة حلا وسطا بحيث ان المغرب يتعين عليه ان يتراجع عن فرض الامر الواقع بالقوة باعتبار الصحراء الغربية ملفا مطويا وأنها جزءا لا يتجزأ من المملكة المغربية وان يقبل استقلالها. اما الصحراويون فعليهم ان يقبلوا بخيار الانضمام الى المغرب الذى احتلّ ارضهم بالقوة.
خطة التسوية تنص على بالبدء بوقف اطلاق النار بين الطرفين المتنازعين المغرب وجبهة البوليساريو يلي ذلك نشر قوائم من يحق لهم التصويت في الاستفتاء وتخفيض القوات المغربية في الاقليم وإعلان العفو عن المعتقلين الصحراويين من طرف الحكومة المغربية وتبادل الاسرى تحت اشراف الصليب الاحمر الدولي وعودة اللاجئين ونشر القوائم النهائية لمن يحق لهم التصويت، ليتم،في النهاية، تنظيم الاستفتاء في شهر فبراير 1992.
في 6 سبتمبر 1991 دخل وقف اطلاق النار حيز التنفيذ، إلا ان عملية تحديد من يحق لهم التصويت في الاستفتاء تعثرت في المرحلة الاولي، بسبب تراجع المغرب عن موافقته على ان يكون الاحصاء الذي اعدته اسبانيا خلال استعمارها للصحراء الغربية هو القاعدة المعتمدة للمصوتين وطلب توسيعه، مما فرض ان يدخل الطرفيين في مفاوضات مع الامم المتحدة لمعرفة المقاييس التي يجب الانطلاق منها لتحديد من يحق لهم التصويت.في المرحلة الثانية، توقفت العملية بسبب اصرار الرباط على ادراج ألاف المغاربة للتصويت في استفتاء معد اصلا للصحراويين. غير ان العملية استأنفت بفضل تعيين وزير خارجية امريكا الاسبق جيمس بيكر ممثلا شخصيا للامين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية في 23 مارس 1997 والذي وضع الخطة على السكة من خلال الاشراف على سلسلة من المفاوضات بين طرفي النزاع افضت بالتوقيع على اتفاقية هيوستن( الولايات المتحدة الامريكية) في 16 سبتمبر 1997 تلزم الطرفين بتطبيق باقي بنودها بدءا باستكمال تحديد هوية من يحق لهم التصويت على ان يتم اجراء الاستفتاء في 7 سبتمبر 1998.
عقب اتفاقية هيوستن كان التفاؤل كبيرا لدى الجميع في ان نزاع الصحراء الغربية اصبح يتوجه نحو الحل حيث ادلى وزير الداخلية المغربي الاسبق ادريس بتصريح امام الصحفيين الفرنسيين في باريس في 25 سبتمبر 1997 انّ " الرغبة الاولى [للملك الحسن الثاني] تكمن في احترام الشرعية الدولية، وإذا حصل ان صوت الشعب الصحراوي على الاستقلال، فان المغرب سيحترم قراره وسيكون اول دولة تفتح سفارة هناك ". ما زاد في التفاؤل ان ملك المغرب ، الحسن الثاني نفسه، ابدى في النهاية، نيّة واضحة بقبول تنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية. ففي الخطاب الذي وجهه الى الشعب المغربي في 6 نوفمبر 1998 بمناسبة "المسيرة الخضراء"، تاريخ احتلال المغرب للصحراء الغربية، ربما آخر خطاب له قبل وفاته بثمانية أشهر، قال: " اخذنا على انفسنا ان نسير قدما في هذا الاستفتاء، وفي كل خطوة من مسيرتنا هذه يرى المحللون وسيرى المؤرخون ان المغرب كان دائما متشبثا بالقانون الدولي وبالمشروعية" وأضاف ان بلده ساهم في " انشاء مخطط السلام مع هيئة الامم المتحدة جنبا الى جنب و خطوة بخطوة " وانه " لا يريد ان يخرج عن المشروعية". كما لمّح فيما يشبه حملة لاستقطاب قلوب الصحراويين تسبق الاستفتاء انه سيبني جامعة في الجزء الذى يحتله المغرب من الصحراء الغربية وانه سيزيد مع الصحراويين "عملا على عمل في الاشهر المقبلة بالنسبة لجهاتهم حول التخطيط المقبل" . الحسن الثاني طرح كذلك احتمال ان يصوت الصحراويون لصالح الاستقلال، وان كان من وجهة نظره، لا يعتقد ان ذلك سيحصل اذ قال: " قد يضيع ويضيّع وقته كل من ظنّ انهم سيستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير، لا اظنّ لا اظنّ" . يقصد ان الصحراويين لن يفضلوا، برأيه، التصويت لصالح الاستقلال بدل الانضمام الى المملكة المغربية.
إلا انّ التوجه نحو اجراء الاستفتاء عرف نكسة قوية.الحسن الثاني توفي في 23 يوليو 1999 وخلفه ابنه محمد السادس كملك للمغرب في 30 يوليو 1999. هذا الاخير نكث، مع الاسف، العهد الذي اخذ والده على نفسه بتنظيم الاستفتاء وضرب عرض الحائط الالتزامات الدولية التي تعهد بها المغرب امام المجتمع الدولي .
في 17 يناير 2000 ، ستة اشهر فقط بعد توليه مقاليد المملكة، صرح وزير الداخلية المغربي الاسبق احمد مداوي في اشارة واضحة الى رفض الاستفتاء، عندما نشرت الامم المتحدة قوائم من يحق لهم التصويت، أن "المسؤولين المغاربة ليست لهم اي نية في القبول بالمساومة على سيادة المملكة المغربية ولا في التخلي عن اي شبر من ترابها".
بعض المؤشرات توحي ان الموقف المغربي جاء بإيعاز من فرنسا جاك شيراك التي تدخلت على الخط بالقول انه ينبغي البحث عن حل آخر لصالح المغرب يستبعد خطة التسوية، لان استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية سيؤدي الى الاستقلال ومحمد السادس الحديث العهد بالحكم، لا يمكنه تحمله. صحيفة liberation الفرنسية اشارت الى هذا الموضوع في عددها الصادر بتاريخ 27 اكتوبر 1999 بالحديث عن " حل ثالث لا يضعف محمد السادس".
تمسك فرنسا بهذا الموقف ادى بإدارة بوش، الى مشاطرتها الرؤية. "واشنطن وباريس حليفتا الرباط تسيران في نفس الموقف وجيمس بيكر يبدو انه يفكر في التخلي عن الاستفتاء" كتبت وقتها صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 7 فبراير 2001.
بالفعل بيكر شرع في تحديد ملامح "الحل الثالث" المذكور وبلور ما سمى ب"اتفاق الاطار" الذي يهدف الى اضفاء الشرعية على ادماج الصحراء الغربية في المغرب . بيكر عرض هذا الاتفاق على مجلس الامن للموافقة عليه، الا ان هذا الاخير لم يتبناه، بل طلب من بيكر البحث عن حل يضمن تقرير مصير الشعب الصحراوي.
عملا بطلب مجلس الامن اعدّ بيكر خطة سميت " خطة السلام لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية" وعرفت بخطة بيكر، تتمثل في فترة انتقالية لمدة خمس سنوات، تتبع بإجراء استفتاء لتقرير المصير حيث يتم الاختيار بين استقلال الإقليم وخيارات أخرى.صادق مجلس الامن على الخطة في القرار 1495 بتاريخ 30 يوليو 2003 وطلب من "الطرفين ان يقبلاها ويطبقاها كحل امثل للنزاع". البوليساريو قبلتها بينما رفضها المغرب رفضها قاطعا مشيرا انها تتضمن الاستقلال وهو خيار، قال الامين العام السابق كوفي عنان ، "لا يمكن إلغاؤه".
مجلس الامن لم يظهر الارادة اللازمة لتطبيق خطة بيكر، مما دفع بهذا الاخير الى الاستقالة التي وصفها المغرب على لسان وزير خارجيته السابق محمد بن عيسى، في استهزاء صارخ بالأمين العام للأمم المتحدة و بمجلس الامن الدولي، بل بالهيئة الدولية، انها جاءت: "كحصيلة لصمود الدبلوماسية المغربية".
في مقابلة مع صحيفة wide angle في 9 اغسطس 2004 اجرتها معه الصحفية البريطانية المشهورة ميشال حسين عقب استقالته، تطرّق بيكر الى خطة التسوية لسنة 1991 بالقول: " كلما كنا نقترب من تطبيقها واقتربنا من تنفيذها بتحديد من يحق لهم التصويت بفضل اتفاقية هيوستن، كلما كان المغرب يزداد نرفزة من ان لا يربح الاستفتاء". اما بشان خطته التي تبناها مجلس الامن في القرار 1495 يقول بيكر: " انها وسعت قائمة المصوتين لتشمل اشخاص غير واردين في احصاء اسبانيا لسنة 1974 ويقطنون الصحراء الغربية" ، يقصد المستوطنين المغاربة ،مع ذلك لم يشأ المغرب ان يقبلها خشية من ان يخسر الاستفتاء"، يضيف بيكر.
رفض المغرب لخطة بيكر ان لم يكن وضعه في موقف غير مريح ، فقد سبب ذلك لمؤيديه حيث تعد العرقلة الثانية لحل نزاع الصحراء الغربية خلال فترة حكم محمد السادس التي لم يمضي عليها ،وقتها، سوى اربع سنوات. وكان لا بد من ايجاد مخرج لحالة الرفض لكى لا تبقى هى الطاغية على ملف الصحراء الغربية، لما قد يكون لذلك من انعكاسات سلبية على موقف المغرب. الخروج من هذه الحالة تمثلت في تجسيد فكرة "الحكم الذاتي" الذي تقدم به المغرب بطلب من مؤيديه الى الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم 11 ابريل 2007. "الحكم الذاتي" عبارة عن صغه تهدف في جوهرها الي الاعتراف للمغرب بسيادة لا يملكها على الصحراء الغربية.
البوليساريو هي الاخرى تقدمت بمقترح: "مقترح جبهة البوليساريو من أجل حل سياسي مقبول ومتفق عليه ويفضي إلى تقرير مصير شعب الصحراء الغربية".مجلس الامن اخذ علما بالمقترحين في القرار 1754 وطالب بالعمل على "التوصل الى حل سياسي عادل ودائم ومقبول بين الطرفين يكفل لشعب الصحراء الغربية حقه في تقرير المصير" .
اوَلت الرباط كثيرا القرار 1754 لمجلس الامن بالقول انّ عبارات " جهود المغرب ذات المصداقية والجدية" الواردة فيه يُقصد بها المقترح المغربي وانه تم اثبات مقترحه كقاعدة لحل نزاع الصحراء الغربية. الا ان هذا يجانب الحقيقة.
تصريحات ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق للشؤون الشرق الأدنى أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي بتاريخ 7 يونيو 2007، مع انه اثنى على المقترح المغربي، الا انه اكد على " أن اية تسوية لقضية الصحراء الغربية يجب أن تأخذ في الاعتبار هواجس الشعب الصحراوي، كما يجب أن تتساوق مع حقه في تقرير مصيره بنفسه". هذه التصريحات تفند مزاعم المغرب حول ما قام به من تأويلات لقرار مجلس الامن بخصوص مقترحه.
في محاولة يائسة لبث الروح في المقترح المغربي، استنجدت الرباط بالممثل الشخصي للامين العام للامم المتحدة بيتر فان فالسوم الذي قال في مذكرة رفعها الى مجلس الامن بتاريخ 21 ابريل 2008 : "ان استقلال الصحراء الغربية خيار غير واقعي" .هذه التصريحات ادت بالبوليساريو الى سحب الثقة منه و تسببت في عدم تجديد عقده وإنهاء مهمته من قبل بان كيمون و تعين كرستفر روس خلفا له كممثل شخصي للامين العام للأمم المتحدة.
زيارة وزيرة الخارجية الامريكية كونديليزا رايس الى المنطقة في 7 سبتمبر 2008 كانت انذارا بفشل "الحكم الذاتي" حيث ادلت بتصريحات أ كدت فيها "انه آن الاوان لحل قضية الصحراء الغربية وان هناك افكارا جديدة على طاولة البحث وسبل للتحرك الى الأمام". الملك محمد السادس رفض استقبالها إعرابا منه عن استيائه لما يراه عدم دفاع ادارة بوش على ان يكون "مقترح الحكم الذاتي" هو القاعدة الوحيدة لحل نزاع الصحراء الغربية.
الرباط ماطلت عدة اشهر في الرد على الامين العام للأمم المتحدة بشان قبول كرستفر روس كمبعوث شخصي له الى الصحراء الغربية في محاولة للضغط على بان كي مون لكي تنطلق المفاوضات من التصريحات التي ادلى بها فالسوم اى "ان استقلال الصحراء الغربية خيار غير واقعي" ، الا ان النظام المغربي لم يفلح في فرض شروطه.
المغرب وافق في النهاية على تعيين كريستوفر روس الذى اشرف على سلسلة من المفاوضات بين جبهة البوليساريو والمغرب بصفته مبعوثا شخصيا للامين العام الى الصحراء الغربية ، إلا ان تلك المفاوضات لم تتقدم بسبب عدم وجود اي ارادة سياسية للمغرب و اصراره على ان يكون مقترح الحكم الذاتي هو القاعدة الوحيدة لحل نزاع الصحراء الغربية.
اقدام الرباط على سحب الثقة من كرستفر روس وتأكيد الامم المتحدة على ثقتها في بقاءه كمبعوث شخصي للامين العام ودعم جهوده لإيجاد حل متفق عليه يكفل حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، تعدّ دليلا واضحا على انّ "الحكم الذاتي" او ما اطلق عليه ملك المغرب في خطابه في 8 نوفمبر 2008 بمناسبة ما يسمى بالمسيرة الخضراء"الدينامية الفاضلة" قد مات.
الكل يجمع ان نزاع الصحراء الغربية بين المغرب و جبهة البوليساريو والذي عمر ثمانية و ثلاثين سنة أصبح حله لا يقبل التأخير وان المنطقة لم تعد تتحمل اكثر مما تحملت. ولا بد ان تكون الدولة المغربية ادركت ان مواقف بعض الدول النافذة في مجلس الامن لم تعد على ما كانت عليه من التأييد للمغرب في عدم امتثاله للشرعية الدولية .الرباط قد تكون سمعت كذلك من اقرب الاقربين ان الامم المتحدة وأساسا مجلس الامن لا يمكنه فرض مقترح الحكم الذاتي كما هى رغبة المغرب، لان ذلك يتنافى مع مبدأ تقرير المصير.
خلال اربعة عشر سنة من حكم محمد السادس افشل هذا الاخير خطة التسوية كما افشل مقترح بيكر وحاول جاهدا التنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. تصريحه لصحيفة Figaro في 14 سبتمبر 2001 انه اقنع 11 عضو في مجلس الامن للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وخطابه بمناسبة ما يسميه المغرب المسيرة الخضراء في نوفمبر 2002 مفاده ان "الاستفتاء في الصحراء الغربية اصبح متجاوز ولا يمكن تطبيقه" وطرحه مقترح ما يسمى بالحكم الذاتي للالتفاف على الشرعية الدولية بخصوص الصحراء الغربية، كل هذه المحاولات لم تمكن المغرب من طمس حق الشعب الصحراوي المشروع في تقرير المصير.
المغرب قبل بخيارى استقلال الصحراء الغربية او انضمامها اليه من خلال خطة التسوية التي صادق عليها مجلس الامن سنة 1991 ويقوم بعرض مقترح يسميه الحكم الذاتي يرى من وجهة نظره انه يحلّ نزاع الصحراء الغربية. الصحراويون كما هو معروف ،هم وحدهم المعنيون بهذه الخيارات، ومادام الامر كذلك، فلا يجب ان تمانع الرباط اذا كانت حقا جادة في ايجاد حل لنزاع الصحراء الغربية ان تُطرح الخيارات الثلاثة على الصحراوين وقبول واحترام الرأي الذي يختارون.
لحبيب ابريكه عبد الرحمن
دبلوماسي صحراوي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *