-->

صناعة الفرعون

هناك اعتقاد خاطىء من يظن أن السلطان فى مصر يولد من بطن أمه سلطانا على
رعاياه, بصفات وسمات فطرية غير مكتسبة, ويخطىء الظن ايضاً من يفترض أن للحاكم مايسمى بالقبول الشعبي, أى كما يسمونها الكاريزما السياسية يأتى بها إلى قمة الحكم. و ربما هناك بعض الحالات الاستثنائية لصورة الحاكم فى البلاد العربية. هذه المقدمة لم تأتى من العدم, و إنما من خلال تاريخ طويل لحكام العرب منذ القدم.
فمنذ عصور الخلفاء و من تبعهم من حكام وملوك وسلاطين وخديويات اعتلوا عروش بلادهم إما بالدين او بالمال او بالسيف او بضعف الشعوب. لذلك نجد الشعوب العربية لديهم من الاساطير والحكايات عن البطانة أى الحاشية. 
فتجد الحاشية والبطانة الملتفة بالحاكم تصور له أن البلاد بدونه قد تضيع وتنهار لأنه مفوض بحفظ النظام والاستقرار وأن البلاد لن تستقيم إلا به وبما يفعله من سياسات يظن انها لاتخرج الامن عبقري مثله.
لذلك نجد المستشارون أنواع وأشكال في العالم العربي، فيهم الحكيم الذي يقول رأيه بصراحة، وهذا النوع لا يعمر طويلا، ليس فقط لأن الحاكم يتضايق منه، ولكن لأن آلة الوشاية من زملائه المتملقين تنصب له ألف فخ حتى يغضب منه ولي الأمر، فيطرده إن لم يقتله. ووسط المستشارين هناك المتملق الفاسد الذي يقضي كل عمره وهو يُسمع الحاكم ما يريد سماعه، وكل همه أن يظل إلى جانب الحاكم، لأن القرب هنا يدر على صاحبه منافع عديدة ويقيه مصاعب كثيرة. ووسط المستشارين هناك العاقل الذي تخونه الشجاعة ويدفعه الجبن إلى إغلاق فمه فلا يتحدث إلا في العموميات، ولا يشير برأي يُغضب منه الحاكم وحاشيته. ووسط المستشارين من ينفذ الأوامر كالخدم، ومنهم من يلعب دور المؤنس كالبهلوان.
كما أن بطانة الحاكم فى مصر لابد أن تؤسس لعدة سيناريوهات لبعض الصفات التى لابد أن يظهرها الحاكم على أنها فطرية وطبيعية لديه وأنها غير مكتسبة مثل العدل والعقل الخارق والشجاعة المطلقة و السخاء و العطاء المفرط و طبعاً الوقار فلا بد أن يتم وضع الحاكم فى قالب جامد ولا تتحرك مشاعرة تجاه أى موقف إنسانى فلابد أن يكون قادر على كبت مشاعرة الفطرية الإنسانية لأن منصب الحاكم عندهم مرهون عندهم بفرض تغيرات على صاحب الحكم فيتم غرز متغيرات قد يجد الحاكم مضطرا لها, مثل إخفاء الطبائع البشرية كالحسد والحقد وعدم اظهارهم. و كذلك الغيرة فلا بد أن يكون كذلك فكيف لايكون كذلك وهو يحمل فى طيات نفسة من الاساطير الذى قرأها عن الحاكم أنه ظل الله على الارض وحامي الفضائل عليها كل ذلك من صنع البطانة الذى دائما ماتكون حول الحاكم ونعود باللوم على شعوبنا لأنهم خلقوا فرعون أخر, بل سيكون دوما لدينا فرعونا إذا استمرت البطانة بهذا الشكل فالوجوه تتغير فقط والنتيجة واحدة صناعة فرعون العظيم, لك الله يا مصر.
بقلم : حمدي مرزوق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *