-->

74 دقيقة في الصحراء الغربية في فلسفة المخرج أكرم منصر: الوساطة السينمائية بين سيف الحق وغِمْدِ الشرّعية

تونس (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) واعدت مؤسسة “آرت ووركس
برودكسيون” جمهورها على فيلم وثائقي طويل بقاعة الريو بالعاصمة تونس في الخامسة من خميس السابع من مارس 2014، وانكشف للجمهور لمدة 74 دقيقة، الوجع العاري للصحراء الغربية ولشعبها المكافح.
وفهم الحضور النوعي المتميز، أن فيلم الطيور المهاجرة ليس فقط مجرد عنوان للسبق أو التسويق إنما اقتباس من مأساة إنسانية تجاورنا في التضاريس والأحاسيس، محورها الاحتلال العسكري الخاضعة له دولة الصحراء الغربية من قبل الجيش المغربي، مُحَاصِرًا شعبا ودولة بجدار عازل وقنابل عنقودية وألغام وأحزمة دفاعية قسمت الأرض وقصمت العرض حتى يبس الطلح وانقطع العبور..
فيلم الطيور المهاجرة طوّع المشّكَلِيَة الصحراوية الغامضة والشائكة، بأسلوب سينمائي بسيط-عميق، ومكّن الصورة والمنظر والمقطع والشخوص، حريتهم، في الثبات والتحرك والتسارع والتمهل والانقطاع، والقرب والبعد، مدثرا الخاص بالعام لبسط الفكرة وتدقيق فهم المعنى، لذهنية اكتسحتها عهود التعتيم وقَوْلَبَتْهَا في مربع التدجين والتصحّر..
ساهمت الشهادات الشفوية أو المجسدة بصور أرشيفية (على غرار الحرب بين جبهة البوليساريو والجيش المغربي، والخرائط النَشِطَة لجغرافيا الجمهورية الصحراوية)، في طرد شياطين التعاطف مع الظالمين والحياد مع محتكري تقرير المصير لشهواتهم المتوحشة ومصالحهم الانتهازية الضيّقة.
الشريط الوثائقي الطويل للمخرج أكرم منصر بحث بعمق في الإرث الحضاري الصحراوي المتفرد عبر جداريات تاريخية شاهدة إلى اليوم عن الاصول التي زُرعت هناك أو مرّت من هناك، كإثبات على التاريخية والجذور الممتدة للشعب الصحراوي وأشقائنا في الشقاء والدماء..
عدّد الفيلم ضحايا الآلة الاغتصابية العسكرية ونثر من خلاله مخرجه فوازير جسدت براعة الملوك في التدثر بقميص الحداد على نفوس هم قَاتِلُوهَا!!، في اختزال –فرضته معايير التقنية السينمائية-للحقبة المأساوية للحرب بين الجيش الصحراوي والجيش الملكي المغربي( ومن بعدها مسكنات المسيرة الخضراء)، وما حصدته من قتلى وجرحى وآسرى تمنوا الموت ولم ينالوه من وحشية التعذيب والتنكيل بهم في السجون المغربية في زمن مازال مسترسلا إلى اليوم على ما يبدو..
تُعَذًبُ الطيور الصحراوية جزاء حقها في تقرير المصير!! يُقْتَلُ ويهان الفرد الصحراوي جزاء تمنيه زيارة عائلته وإخوانه المنفيين وراء جدار العار…!! تساءلات مُرّة زرعها صانع الفيلم في عمله وتابعها بأغنية “يا طيور” لاسمهان، كأنه يتذوق حلاوة الأمل فينا؟ أو هو يذيق جمهوره مرارة الانتظار في وطنٍ قائم، ممزّق!!
خريطة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ظهرت في الفيلم أكثر وضوحا ولم تطلها بعد أيادي “المجمّلين” وفرشاة التزييف المخابرتية الالكترونية، وضوحُ نوه به الجمهور الحاضر الذي صار يميز أكثر من ذي قبل بين مدعي الحق لأجل الباطل وبين وأصحاب الحق لأجل الحق.
الحق لا سواه، تمثل في أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية تتوفر فيها أركان الدولة ومرتكزات السيادة بعواملها السياسية(لها وزارت ومؤسسة عسكرية ومعترف بها في أكثر من 80 دولة في العالم)، ومرتكزات اقتصادية واجتماعية(ثروات باطنية هامة كمًّا وكيفًّا، موئسات ومجتمع مدني وموروثات ثقافية واجتماعية وطاقة هائلة من المثقفين والمتعلمين…)دولة قائمة وشعبٌ فاعل رغم عطشه وشح المياه في أرضه.
الحق لا سواه، أباحته الشرعية الدولية والقوانين الوضعية المعمول بها، الحق لا سواه، أقرته محكمة العدل الدولية بحق الصحراء الغربية في تقرير المصير ودعت من خلاله الملوك إلى رفع عباءتهم عن أصحاب الدولة وأهالي الوطن. الحق لا سواه أوجده رجال الصحراء ونسائها بالكفاح والسلاح.
عرّى فيلم الطيور المهاجرة للمخرج التونسي الشاب أكرم منصر، حقيقة إنسانية وقانونية ذات وجهين: بدؤها، أملٌ في الحياة الحرّة والكريمة التي تضمنها العناية الالهية والقرارات الدولية، وثانيها، ألمٌ دموي حار، كفنوه بجدار.
والفيلم كما القضيّة، يشتركان في الكفاح والرهان، من ناحية الفن والسينما والاشتغال على معرقلات التقدم الإنساني وكشف بؤر “العمالة الداخلية” ومستنقعات الظلام والمحبكات الشيطانية، ومن ناحية أخرى تتمثل في قيمة النضال الإنساني وتأصيل الوطن الصحراوي لأجل تقرير المصير. ويبدو الفيلم لصانعه كما القضيّة لأهلها، على عاتقهما أمانة حَمْلُهَا ثقيل وثوابها كبير، مضمونها تبديد الخوف ورسم السلام والوساطة بين سيف الحق وغمد الشرعية، للمصالحة وكفّ الشرّ عن البشر.
عليسة نيوز - ناجي الشطي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *