-->

للتاريخ من يحكيه: جلسة مع الشاعر والأديب الكبير والأب المحترم: بيبوه الحاج

المحبس ـ مخيم السمارة (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)


لَجَـلْسَة مـعْ أديبٍ في مُذاكـــــــرَةٍ *** نَنْفي بِها الهَــمَّ أو نستجلب الطّــرَبا
أشهى إليَّ من الدنيا بما جَمَعَــــتْ *** ومثلــها فضَّـــةً أو مثلـــها ذهَـــــبا
جلسة مع الشاعر والأديب والأب المحترم: بيبوه الحاج
 يوم الجمعة استدعاني أحد المقاتلين الأبطال، الذي طالما أزوره وأستأنس بحديثه المسلي عن مراحل حرب التحرير، وبطولات الأمجاد، صانعين التاريخ. وكان هذا المقاتل قد أقسم علي إذا دخلت ولاية السمار بمخيمات العزة والكرامة إلا زرته، وكان بمناسبة استداعي بعد الصلاة الجمعة، لبيت دعوته وعندما قدمت عليه رد علي السلام والترحيب المعهود عند الصحراويين، أدخلني على مجلسه الذي يضم وجوه نيرة من المقاتلين. وقد تفاجأت وأنا أسلم عليهم أعانقهم وأصافحهم بشيخ وقور وسط المجلس، إذا به الشاعر الكبير والأب المحترم بيبوه الحاج ولأول مرة نلتقيه شخصيا مع صيته الشائع. فجلست جنبه وهو يسأل ويجيب بكل براءة وسلاقة وإطلالة وإشراقة. ويشوق حديثه بالنكت الهادفة النافعة ثم طلب منه أحد الحضور أن يسمعنا قصيدة الوداع فبكل تواضع وبساطة قال قبل حكايتها القصيدة عنوانها الموعظة وليس كما تسميها الناس الوداع ثم بدأ يحكيها عن ظهر قلب قضا نديا بصوت حنون وقلب حنين . ثم بعد ذلك جاء دوري فسألته عن قبس منوط بنا معرفته وتسطيره لأجبالنا ألا وهو التاريخ ولاسيما حقبة القرن التاسع عشر . وسألته أيضا عن بعض التراث الصحراوي ومعالم أرض الصحراء الغربية الحبيبة. ثم أخذني الفضول حتى أني سألت الرجل عن الشعر العربي لكونه شاعر بارع لا يشق له غبار في الشعر الحساني شهد له القاصي والداني . سألته هل تقول الشعر العربي فسكت عني هنيهة ثم قال دع اللغة العربية لألها وأتبع قائلا الشعر العربي له بحوره وتفعيلاته كالطويل والمتقارب والمجتث ......وكلها سهلة لمن درس وتدرب عليها...فعلمت أن الرجل الوقور متواضع ...ثم قال سوف أحكي عليك ماضيا قال زارنا قديما أحد مشايخ اللغة العربية الذي لا تفرق بين شعره وشعر المعلقات، ونظم الشعر عنده وقوله كمن يحدثك بالأخبار بل يقوله وهو نائم وهو الشيخ: محمد المين ولد خطاري. ثم قال بيبوه صنعت له الشاي كالعادة وكان زائري ينام بين الفينة والفينة وذلك راجع لكثرة عبادته ليلا، وفي قفوات الشيخ الزائر كان يقول بيتا من الشعر ويكرره وهو نائم فأيقظته على كأس الشاي وقلت له يا شيخنا إنك تكرر بيتا من الشعر وأنت نائم قال لي وماذا قلت قال قلت :
• إلاهيَ إنني للقضاءِ مسلّمٌ *** وما دفع المولى أجلُّ وأعظمُ
ثم قلت له وإني أر أن صدر البيت الأول أطول من العجز الأخير فقام الشيخ الزائر يكرر البيت عروضيا ثم قال أين الخلل فيه قلت له رأيي فيه ليستقيم أن تحذف همزة للقضاء ونقول للقضا ليستقيم البيت قال له صحيح .
فعلمت أنها تزكية للشاعر الموقر بيبوه الحاج ولم أطل عليه الأسئلة احتراما وتقدير لشخصيتة ثم قمت لوداعه فأخذ بمنكبي وهزهما هزة لطيفة يضاحكني ويلاعبني وقال لي متواضعا ليس معي مما تبحث عنه إلا قليلا وودعني بالدعاء الصالح فبحق هذا الرجل لا يعرفه إلا من جالسه واستأنس بؤنسته وحديثه وحكمته ووقاره وتواضعه ليس من رأى كمن سمع ولا أملك أن أقول في حق الرجل إلا أنه شعلة مضيئة على المجتمع لا أطفأ الله نورها ولا قبسها ولا بركتها ولا سمعتها.
بِفَيض فَضلِكَ يَحيى العلمُ وَالأَدَبُ = وَبِاسمكَ اليَوم أَضحتَ تَفخرُ الكُتُبُ
فَمِن سني فَكرِكَ التَهذيبُ مُنتَشِرٌ = وَمِن ضَيا فَهمِكَ الإِرشادُ مُنسَكِبُ
يا أَيُّها الكَوكَبُ العالي الَّذي رَقَصت = لَهُ المَعالي وَخَرَّت دونَهُ الشُهُبُ
ما زالَ يَكسبُ مِنَ الشَرق رَونَقَهُ = حَتّى انجَلى وَاِنجَلَت عَن وَجهِهِ السُحُبُ
لَو لَم يَكُن رَشف الأَفراح مِنكَ لَما = أَهدى الصَباح ضَحوكاً وَهُوَ يَلتَهِبُ
بقلم / سيدي سالم حمدة ـ استاذ بالمعهد البيداغوجي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *