-->

المغرب ليس منارة في المنطقة

الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)
أثناء إنعقاد قمة القادة الافارقة والولايات المتحدة الامريكية مؤخرا، رفعت بعض التحاليل مكانة المملكة المغربية إلى مكانة "النموذج" ولكن بالأساس المثال الافضل في الشرق الاوسط، هذه التحاليل تدعم وتخدم سياسة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والتي صممت حاليا لدعم وصيانة ـ بدلا من تغيير ـ النظام السياسي في المملكة. وبنظرة نقدية لملف المغرب فإن سجله يكشف تقاعس صورة الاصلاح فيه وخسارة وضعه كنموذج يقتدى به في المنطقة.
لقد إتسمت إستجابة الملكية المغربية للمظاهرات الشعبية أواخر 2010 ومطلع 2011 بكونها ذات شقين اساسيين، الأول: إستخدام العنف لتفكيك مخيمات الإحتجاج في الصحراء الغربية واستعملت القوة المفرطة ضد نشطاء حركة 20 فبرائر. وثانيا: قامت بتنظيم إستفتاء حول الدستور الوطني الجديد (في ظل شروط مثيرة للجدل، اقولها لأنني كنت حاضرا إبان عملية التصويت).
قدم القصر بنجاح تبني الدستور الجديد في يوليو 2011 كدليل على إلتزامه بالإصلاح بل حتى بالدمقرطة الجزئية للبلاد، وفي الواقع فإن الإصلاحات كانت محدودة على مستوى النص الحرفي وأكثر من ذلك من الناحية العملية. في الحقيقة بقي النظام ملكيا قمعيا تسلطيا ـ يواجه إتهامات خطيرة تتعلق بخروقات لحقوق الإنسان ـ ويتربع على نظام إقتصادي وإجتماعي غير متكافئ.
وحتى وفقا للمعايير المعتمدة في المنطقة فإن القوة السياسية في المغرب لطالما كانت وبشكل غير إعتيادي محصورة في المستوى الأعلى. وفي الوقت الذي يقر الدستور بعض التعديلات في السلطة التشريعية لا زالت أجهزة الإستخبارات والجيش تحت القبضة المحكمة للملك محمد السادس والذي يرأس ايضا مجلس الدولة الذي يتولى المصادقة على كل التشريعات قبل إحالتها الى البرلمان والأدهى أنه يمكنه حل البرلمان والدعوة الى الانتخابات ورفض وزراء الحكومة.
ويسير الملك ايضا المجلس الملكي للمستشارين والذي يتكون من مستشاريه المقربين ويبدو أنه الهيئة الحقيقية المخول لها صياغة السياسة وصناعة القرار في البلاد، ومن ابرز أعضاءه المستشار الملكي فاضل بن عايش، المستشار فؤاد على الهمة ورئيس قسم المخابرات الخارجية (DGED) ياسين المنصوري وثلاثتهم كانوا زملاء للملك اثناء الدراسة.
في الوقت الذي صممت فيه السياسة الإقتصادية أساسا من طرف (ومن أجل مصالح) فئة متحكمة محدودة يشار اليها بكلمة المخزن ، ظلت الإصلاحات الإقتصادية الأخيرة لخفض المعونات العامة مدعومة ـ ربما ـ من قبل وكالات التصنيف و(صندوق النقد الدولي الذي أعلن مؤخرا عن قرض إحترازي محدود بقيمة خمسة مليار دولار) ولكن كل ذلك لن يقدم الكثير لتخفيف حدة الفقر الذي لا يزال ينتشر على نطاق واسع في المناطق الريفية رغم بعض التحسن في المدن. وتكتنف تفاصيل العائدات والفوائد الناتجة عن الإستثمارات الملكية سرية مطبقة ولكنها بالتأكيد تؤتي أرباحا طائلة، فثروة الملك ضخمة والعائلة الملكية تملك أغلب الأسهم في الشركة الوطنية للإستثمار (SNI) والتي وصفت دائما بالفساد.
لقد حكم الحسن الثاني، والد الملك محمد السادس، بنظام أمني متورط بشكل علني في قضايا الإعتقال التعسفي، قمع المعارضة وإغتيال مواطنيه، وبالرغم من الفروقات في الأسلوب فالنظام اليوم من ناحية جوهره يعمل بطريقة مشابهة تماما. فالدولة الآن تستخدم غطاءا من خلال القوانين والخطاب المضاد للإرهاب ولكن المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وثقت إستمرارها ـ الدولة ـ في إعتقال ومحاكمة الصحفيين، إختفاء الخصوم السياسيين وقمع ومهاجمة الإحتجاجات السلمية، ضف إلى ذلك أن إنتقاد الملك يعتبر مخالف للقوانين. كما أن النظام يقيم سجونا سرية ومتورط في التعذيب الممنهج للمعارضين السياسيين خاصة من السكان الصحراويين، وقد نشرت منظمتي هيومن رايتس ووتش، أمنيستي انترناشيونال ووزارة الخارجية الأمريكية تفاصيل عن إنتزاع الإعترافات من خلال التعذيب.
ومن أبرز ما يميز المغرب أنه لا يزال يتمسك بإحتلال عسكري للصحراء الغربية، وهي إقليم أكبر من المملكة المتحدة، فقد قام النظام المغربي بغزو وضم الصحراء الغربية سنة 1975، دافعا بعشرات الالاف من سكانها الى مخيمات اللجوء في الجزائر، ويسيطر على الارض في خرق واضح للقانون الدولي، وفي إقليم الصحراء الغربية يتبنى نظاما أمنيا صارما لقمع السكان الصحراويين بينما تتمتع المستوطنات المغربية فيها بتحسين الإعانات المادية.
في هذا الإطار قد يتساءل المرء لماذا يحظى المغرب بالسمعة التي يتمتع بها. الإجابة تكمن ـ في جزء منها ـ في إدارة آلة العلاقات العامة الفعالة بما فيها بعثته في واشنطن لصناعة الراي وتوجيه الضغط والتي تستخدم ملايين الدولارات. فبالنسبة للولايات المتحدة يعتبر المغرب حليفا إستراتيجيا قيما ضمن " شراكة تاريخية مفخرة" وفقا لتعبير السيناتور كاتب الدولة للخارجية جون كيري في 29 يوليو الماضي، فالمملكة تنوي تأدية كل المهام المضادة للإرهاب التي تؤكل إليها، وتواظب على شراء الاسلحة الامريكية خاصة في تبادلات تمت مؤخرا ومن ضمنها 24 طائرة F 16، صيانة وتجديد 200 دبابة من نوع أبرامز M1A1 بقيمة مليار دولار، أنظمة رادار وصواريخ أمريكية. وبالنسبة لأوروبا الغربية فالمغرب شريك تجاري أساسي. هذه العلاقات مؤمنة للمغرب ومبررة جزئيا بصورته كنظام يتمتع بالاستقرار، الإعتدال والإصلاح في المنطقة.
إنه لجدير بالغرب إعادة تقييم هذه الفرضيات الكاذبة المتعلقة بالنظام المغربي، وبالنتيجة إعادة تقييم العلاقات الاستراتيجية والدبلوماسية مع المملكة. وهذا مهم بشكل خاص للولايات المتحدة وفرنسا الأقوى علاقة والأكبر تأثير مع/على المملكة.
إن المغرب ليس منارة في المنطقة، فمؤشر النمو البشري لديه هو الأسوأ في شمال إفريقيا، ويتقدم الترتيب في كل من عدم المساواة في الدخل والأمية، سجله في الإصلاح السياسي والدمقرطة وحقوق الإنسان ليس باهرا وبالقطع لا يقارن بالحال في تونس. ويمكن إيجاد المقارنة الأكثر مناسبة له في ممالك مجلس التعاون لدول الخليج (GCC) والتي نادرا ما تقدم بنفس الإيجابية.
إن تقديم المملكة كمثال للمنطقة توجيه مغلوط وقد يكون مدمرا للقوى الشعبية الديمقراطية في مجتمعات شمال افريقيا المضللة أصلا، إن هذه الحركات قد تفقد التشجيع اللازم بسبب القبول الدولي لسلوك إستبدادي، والأستياء العام الأكبر والذي دام طويلا يتعلق بسياسة الولايات المتحدة التي ينظر اليها على أنها تشجع ضمنيا خرق مبادئ تتعلق بحقوق الإنسان والحكامة الرشيدة.
بدلا من ذلك، حري بالولايات المتحدة أن تستغل هذه الفرصة المتاحة في قمة القادة الافارقة والولايات المتحدة لكي تقيم بالنقد النظام الحاكم في المغرب وتضغط عليه ليبدأ بإصلاحات حقيقية خاصة في مجال حقوق الإنسان وممارساته في الصحراء الغربية. إن نتائج تجاهل هذه الحتمية قد تؤدي الى زيادة الإستياء العام تجاه الولايات المتحدة (في أفضل الحالات) ويعزز التطرف (في أسؤاها) في ساحات مشوبة بالعراقيل في ما يتعلق بالخطاب والمشاركة السياسيين.
v طوم ستيفنسون صحفي مستقل يقيم في القاهرة. يراسل بإنتظام للفاينانشال تايمز وفرانس 24.
من الموقع الالكتروني : أتلانتيك كاونسل (Atlantic Council) بتاريخ 05 غشت 2014
بقلم : توم ستيفنسن (Tom Stevenson )
ترجمة: حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *