بين عام العودة وشهر الحسم الشعب الصحراوي يدفع فاتورة السلام
منذ أن وضعت الامم المتحدة قدميها على الصحراء الغربية من خلال بعثتها لتنظيـم
الاستفتـاء في الصحــراء الغربية ( Minurso ) بموجب قرار وقف اطلاق النار الموقع بين طرفي النزاع الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ( Polisario F.) والمملكة المغربيــــة بموجب القرار 690 /1991 منذ ذلك التاريخ والشعب الصحراوي يحذوه الأمل في إنتظار ولادة عسيرة للامم المتحدة علها تتمخض عن مولود اسمه السلام ؛ يبدو أنه لم ير النور بعد رغم جهود مضنية للامم المتحدة مستعينة بشخصيات ذات كفاءة في ايجاد الحلول لمثل هذا النوع من الحالات. منذ ذلك التاريخ والامم المتحدة على الارض والشعب الصحراوي يتعرض لابشع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ويعيش حالة الشتات بكل ما تحمله الكملة من معنى ، ويعاني قساوة الظروف والطبيعة والحرمان من ابسط مقومات الحياة الكريمة وهو مكبل بقيود سلام ترعاه هيئة عاجزة عن فرض شروط تطبيقه على أرض الواقع ، ولا يوجد في الافق المنظور ما يدل على رغبة صادقة من المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته الدولية واخراج القضية من ثلاجة الانتظار .
سابقا طرحت عدة مقترحات من قبل الامم المتحدة تحاول من خلالها التوفيق بين مطالب الطرفين بشكل يحفظ ماء وجه الشرعية الدولية ؛ من قبيل المساعي الحميدة لمنظمتي الامم المتحدة والوحدة الافريقية سنة 1986 التي توجت بخطة التسوية الاممية الافريقية سنة 1990 ، ثم توالت المقترحات مرورا بخطة الاتفاق الاطاري او ما اصطلح على تسمية الحل الثالث ماي 2001 وخطة التقسيم سنة 2002 انتهاء بمارتون المفاوضات الذي لم تعرف نهاية مدماره حتى الان ، لم يلق اي من هذه المقترحات تطابق وجهتي نظر الطرفين ولم تتمكن حتى الساعة جهود المنتظم الدولي من ايجاد صيغة تحت بند التوافق ، مما حدا بالامم المتحدة منذ تولي السفير روس مهمة المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة الى الصحراء الغربية الى انتهاج سبل مبتكرة من اجل اذابة الجليد بين طرفي النزاع والتركيز على الجوانب الانسانية والحقوقية ومدى استفادة السكان " الاصليين " من ثروات الاقليم ، وكأن القضية محصورة في تلك الجوانب ، في حين أن قضية الصحراء الغربية متعلقة اساسا بمسألة لا تقبل القسمة على أثنين وهي السيادة على الأرض.
لا يساورني ادنى شك أن العالم مقتنع بان االصحراء الغربية ليست ملكا للمغرب ، وان الشعب الصحراوي موجود ولديه من الحجج القانونية ما يكفي ليجعل من الصعوبة بمكان على الامم المتحدة تصور حل لقضية الصحراء الغربية خارج اطار الشرعية الدولية ، ولكن وعلى الرغم من عدالة قضيتنا الوطنية لم نكن بارعين بما فيه الكفاية لاثبات حقنا والدفاع عن مطالبنا المشروعة وحشد رأي دولي فاعل مؤيد لمواقفنا ، وغير محترفين في لعبة السياسة الدولية وصناعة الاحداث واوراق الضغط ، على عكس المحتل الذي يدافع عن باطل وخبير في قلب الحقائق وصناعة الرأي المضلل وركوب الاحداث ، باختصار يمكن القول بأن القضية واضحة وعادلة ولكن هيئة الدفاع لاتزال تحت التمرين.
في اعتقادي الشخصي وعلى الرغم مما ورد في تقرير الامين العام للامم المتحدة رقم S/2014/258 المقدم الى مجلس الامن بتاريخ 01/01/2014 ، فقرة ( 94 ) " ....وإذا لم يحدث ، مع ذلك ، اي تقدم قبل نهاية نيسان / ابريل 2015 ، فسيكون الوقت قد حان لاشراك اعضاء المجلس في عملية استعراض شاملة للاطار الذي قدمه لعملية التفاوض في نيسان / ابريل 2007 ". وما ورد بقرار مجلس الامن الدولي ابريل 2014 من أن تكريس الوضع القائم لم يعد مقبولا ، وبالنظر الى الظروف الدولية المحيطة وما يموج به العالم من صراعات مدمرة وبروز حركات عابرة للحدود تتحدى جهود الامن والاستقرار الدوليين وتفرض على المجتمع الدولي الانشغال بمحاربتها عبر خريطة تتمدد انشطاريا ، ناهيك عن انتشار الجريمة المنظمة على نطاق واسع وارتباطها الوثيق بالارهاب كمصدر تمويلي اساسي ، بالاضافة الى عدم سخونة القضية الصحراوية بشكل يجعلها في دائرة انشغالات المنتظم الدولي وفي صلب اهتماماته ، فان ثمرة السلام في الصحراء الغربية لم تنضج بعد ما دامت الجهود الدولية لا تبحث سوى عن حل سياسي متفاوض بشأنه يقبله طرفان متمسكان بموقفيهما وغير مستعدين للتنازل قيد انملة ، فالبوليساريو تتمسك بضرورة احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وفق آلية الاستفتاء كأضعف ايمان ، بينما المغرب متمسك بالسيادة وغير مستعد بتاتا لمناقشة اي حل خارج اطارها ، مستفيدا من مظلة الفيتو الفرنسي واوراق الضغط التي يملكها والليونة من بعض القوى الفاعلة في القرار الدولي تجاه مواقفه المتصلبة كلما لاحت في الافق بوادر حل للقضية الصحراوية خلافا لاطروحاته.
ليس من باب الحكمة ربط العقول والأذهان وعجلة الزمن وايقاعات الفعل الوطني لدى الجماهير بمواعيد لا تعدو كونها مسكنات لليأس والقنوط والملل لدى الجماهير الصحراوية التي لم تعد تتحمل اكثر تعلن عنها الامم المتحدة في كل مرة على انها حاسمة بالنسبة لقضية الصحراء الغربية ونتعاطى معها للاسف ، وكأننا لا نستفيد من تجارب الماضي ؛ فعام 1991 ليس ببعيد والكل يتذكر حينما اعتقدنا أن استفتاء تقرير المصير ستنظمه الامم المتحدة في العام الموالي واغلبنا صدق الخبر وجمع امتعته في صناديق استعدادا لعودة لم تتحقق رغم مرور اربعة وعشرين سنة على تلك الاحلام لندخل في دوامة لا نعرف متى ستنتهي.
لقد كانت الثورة حكيمة وصريحة في نفس الوقت مع مناضليها عندما قالت انها ثورة تحريرية طويلة الامد ، او كما قال الدكتور جورج حبش: " لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه ، فطريق النضال تطول او تقصر فتلك مسألة نسبية ، فمن شاء فليواصل معنا ومن شاء فليرحل ..." .
انطلاقا من ذلك علينا مراجعة الذات ؛ ما الذي جنيناه من التعاطي اللا مشروط مع جهود السلام والثقة العمياء في الامم المتحدة لاسترجاع حقوق فرطنا فيها عندما اصبحنا نفاوض هل هي ملك لاصحابها الحقيقيين ام ملك لمن اغتصبها ذات يوم في وضح النهار؟ ، ما الذي تغير على أرض الواقع المحتل لا زال جاثما على الارض يمارس يوميا سياساته الاستدمارية في حق الارض والانسان بدون تحفظ ويزداد تصلبا في مواقفه يوما بعد يوم و لا احد يحرك ساكنا ، اللهم استنجادات نسمعها من حين لاخر لا يعيرها المجتمع الدولي الاهتمام اللائق.
اعتقد أن ما تحقق خلال تلك الفترة هو خيبة الامل في جهود السلام وربما تحول تدريجي في عقيدة الصحراويين كشعب طيب ومسالم ينبذ العنف والطرف ويتوق للسلام ، لاسيما واسباب ودواعي ذلك التحول موجودة ؛ فالكثير من الناس اصابه اليأس والقنوط ومل الانتظار ، وشباب فترة " السلام " يعاني البطالة والفقر والتهميش ويسير على خيط رفيع تحيط به منزلقات خطيرة من كل جانب في ظل غياب استراتيجية من شأنها تأطيره واحتوائه والاستفادة من قدراته ، والتنسيق مع الهيئات والمنظمات الدولية والحلفاء والاصدقاء واشراكهم في تحمل مسؤولياتهم القانونية والانسانية المترتبة عن تقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته تجاه الشعب الصحراوي.
بقلم: عمار بوبكر
.jpg)