"الحسم": قراءة مغايرة للمفهوم
تأليف: أحمد صالح محمد
1 في المراحل الفارقة، مراحل الأزمة، تكثر الأسئلة التي تعبر عن القلق الكامن في وعي الناس. بعضهم يطرحها بصمت و بعضهم الآخر يطرحها بصوت مرتفع. هكذا هو حال الصحراويين في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ قضيتنا. الشعب الصحراوي يتساءل مترقبا عن مصير قضيته، عن الإستفتاء، عن القرار، عن المينورسو، عن توسيع الصلاحيات، عن دور فرنسا، عن الحسم...إلى غير ذلك من الأسئلة الحارقة التي تعكس عمق إدراك الأزمة في الوعي الجمعي للصحراويين.
2 لم يكن من قبيل الصدفة و لا من قبيل سوء الفهم أن يتحدث القادة السياسيون للشعب الصحراوي عن ان أبريل سيكون "شهر الحسم". و قد كان أبريل فعلا كذلك. هناك من يجادل بالقول أن القيادة الصحراوية تسرعت في قراءة الوضع و تقييمه، و يقولون أن القادة الصحراويون بنوا حديثهم عن الحسم على قرار الأمين العام للأمم المتحدة الذي أصدره السنه الفارطة و تحدث فيه عن أن أبريل القادم من سنة 2015 سيكون حاسما. إلا أننا نرد على المنتقدين للتصريحات حول الحسم أن شهر أبريل الفارط من هذه السنة كان حاسما بالفعل. لم نشهد في المناطق المحتلة هذا الصمت المريب الذي لمسناه بعد قرار أبريل لهذا العام. إن مساحة الصمت التي لا زالت تتسع مثل بقعة الزيت تعكس حالة الصدمة على مستوى الوعي الصحراوي، لأن الصدمات قد تظهر على شكل صمت مطبق للوعي الذي يكون في حالة مراجعة داخلية لذاته. ينقطع عن الواقع لفترة معتكفا في محرابه الخاص ليراجع شكل علاقته بالواقع. هكذا هم الصحراويون في هذه اللحظة، يعيشون حالة المراجعة لفعلهم قبل قرار ابريل 2015.
3
إن هذا الصمت العاكس لعملية المراجعة تلك هو الدليل المثبت لصحة مقولة أن أبريل سيكون شهر الحسم بالنسبة للشعب الصحراوي. هو حاسم لأنه سيكون مرحلة فارقة في تعامل الصحراويين مع المنتطم الدولي لأنهم سيدركون، إن لم يكونوا قد أدركوا فعلا، أن الدول ليست جمعيات حقوقية و لا منظمات خيرية بل هي كائنات سياسية تتحرك وفقا لأجندات لا علاقة لها بالشرعية الدولية و لا حقوق الإنسان. أبريل سيكون كذلك نقطة فارقة في أشكال و طرق النضال داخل المناطق المحتلة. بعد أبريل 2015 يجب أن تتحول المنطقة المحتلة إلى بؤرة ثورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فمستقبل الشعب الصحراوي أصبح مرهونا بضرورة تغييرالوقائع على الأرض في المنطقة المحتلة. إن ملامح مستقبل القضية الصحراوية تتشكل على أرضية صيغة النضال و شكله و وتيرته في المنطقة المحتلة. إن القيادة الصحراوية مطالبة في هذه المرحلة بتسخير الإمكانيات البشرية، السياسية، الديبلوماسية و الإعلامية من أجل تسخين جبهة المناطق المحتلة و تحويلها لبؤرة ثورية ليس على غرار ما بدأ في 2005 و لكن على شاكلة ما كان في فترة السبعينيات. فإحياء روح حركة التحرر و أساليب نشاطها و عملها لهو الكفيل بتغيير موازين القوى و إرباك العدو، الذي سيواجه أساليب جديدة لم يعهدها منذ 2005 و شكلت في مرحلة سابقة عامل استنزاف كبير جدا له جعلته يلهث وراء توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لإلتقاط أنفاسه، و التي التقطها بالفعل في غضون 24 سنة من حالة الجمود و التي لم تكن في صالحنا بالمرة.
4
رائحة المؤامرة تفوح من إتفاق وقف إطلاق النار الذي كان استراتيجية مدروسة و بعيدة المدى لإنقاذ المحتل المغربي الذي كان على شفا هزيمة عسكرية و التي كانت ستكون، لو لم يوقع إتفاق وقف إطلاق النار، أرضية لهزيمة سياسية مدوية، لو حصلت كانت ستغير مسار القضية بشكل لا رجعة فيه. إن الثمرة التي جناها المغرب من وقف إطلاق النار هي تجميد الدينامية العسكرية و السياسية و الجماهيرية التي صاحبت مرحلة حركة التحرر إلى جانب وقف حالة الإستنزاف العسكري و السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي الذي كان يعيشه المغرب من الداخل. إن ذلك التجميد لحركة التحرر هو الذي دفع بالقيادة الصحراوية مخدوعة بطعم تنظيم إستفتاء تقرير المصير إلى الشروع فورا في عملية بناء مؤسسات الدولة الصحراوية كجزء من خطة الترتيبات لمرحلة ما بعد إستفتاء تقرير المصير، و عليه تم تسخير كافة الإمكانيات، و التي كانت في الأصل مرصودة لحركة التحرر، تم تسخيرها لبناء مؤسسات الدولة الصحراوية، و بالتالي وقع الصحراويون في فخ الجمود المؤسساتي بعد أن كانوا يعيشون دينامية التحرير. و هكذا عوض إتفاق وقف إطلاق النار وضعا بوضع آخر. وضع أول كان يتميز بسيادة روح الإقدام و المبادرة و المغامرة و التضحية، و وضع جديد تشكل بعد 1991 أصبح يتميز بالتردد و الشك و عدم اليقين. و بعد أن كان هامش المناورة و التحرك واسعا جدا ضاق بشكل كبير بعد أن تحولت الدولة إلى مؤسسة باردة و رهينة الإتفاقات و المعاهدات و الإلتزامات مع نظيراتها من دول العالم و خصوصا الحليفة و الصديقة منها.
5
هكذا إذن ساهم وقف إطلاق النار في تعطيل عملية التحرير و ايقاف الوضع عند النقطة التي وصلها عام 1991. فبدأ المغرب معركته الجديدة و بأسلحة جديدة دون أن يخسر فلسا واحدا من ميزانيته و دون أن يتضرر اقتصاده و دون أن يخشى من أي تملل أجتماعي قد يهدد سلمه الإجتماعي و السياسي الذي كان على حافة الإنهيار في بداية التسعينيات و دون أن يصاب النطام السياسي بأي إرهاق نفسي و لا ضغط من أي نوع. فالإتفاق كان في الأصل لرفع الحرج عن النظام الملكي و إنقاذه بالدرجة الأولى و لم يكن بأي حال من الأحوال لصالح الشعب الصحراوي و ليس امتثالا للشرعية الدولية. لأن القوى التي و قفت وراء تنفيذ الإتفاق هي دول و ليست منطمات خيرية و لا جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان. دول رأت في المغرب حليفا إستراتيجيا يجب إنقاذه من الإنهيار ما دام منخرطا حتى النخاع في خدمة أهدافها في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.
6
لقد حقق الصحراويون بالمقابل ما لا حصر له من الإنجازات و لعل إهمها أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب أصبحت محاورا وحيدا لنظام الإحتلال باعتبارها الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الصحراوي. إلا أن الملاحظ بهذا الصدد أننا لم نحرر سنتيمترا واحدا من الأراضي المحتلة من خلال المفاوضات كما حررناها قبل إتفاق وقف إطلاق النار. كما أن المغرب لم يخسر شيئا، بل إنه تفنن في حرب المبادرات السياسية الذكية التي تهدف بالأساس لشق الصف الصحراوي فمبادرة "الحكم الذاتي" مثلا هدفها الأساسي هو خلق صحراويين مع المبادرة و آخرين معها و ضرب مبدأ الإجماع الوطني الصحراوي.
7
يمكن القول من خلال ما سبق أن أبريل كان حاسما بالفعل لأن هناك مرحلة ما قبل أبريل 2015 و ما بعده، و الحسم يتوقف على قدرتنا على صناعته لأن العبرة ليست في قوة الخطاب السياسي و لكن العبرة في آليات تفعليه على الأرض. و يمكن القول أن التفكير في إستراتيجية جديدة لكيفية إدارة جبهة المناطق المحتلة ستكون عنوان الحسم في المرحلة و هي أستراتيجية لا يتسع المقام لعرض أمهات أفكارنا حولها و لا يجب أن يكون الإعلام مسرحا للحديث عنها بل يجب أن تكون ثمرة نقاش صحراوي عام أظن أن المؤتمر القادم للجبهة سيكون سانحة للتفكير في تلك الإستراتيجية.
أحمد صالح محمد
العيون المحتلة: 12 ماي 2015
1 في المراحل الفارقة، مراحل الأزمة، تكثر الأسئلة التي تعبر عن القلق الكامن في وعي الناس. بعضهم يطرحها بصمت و بعضهم الآخر يطرحها بصوت مرتفع. هكذا هو حال الصحراويين في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ قضيتنا. الشعب الصحراوي يتساءل مترقبا عن مصير قضيته، عن الإستفتاء، عن القرار، عن المينورسو، عن توسيع الصلاحيات، عن دور فرنسا، عن الحسم...إلى غير ذلك من الأسئلة الحارقة التي تعكس عمق إدراك الأزمة في الوعي الجمعي للصحراويين.
2 لم يكن من قبيل الصدفة و لا من قبيل سوء الفهم أن يتحدث القادة السياسيون للشعب الصحراوي عن ان أبريل سيكون "شهر الحسم". و قد كان أبريل فعلا كذلك. هناك من يجادل بالقول أن القيادة الصحراوية تسرعت في قراءة الوضع و تقييمه، و يقولون أن القادة الصحراويون بنوا حديثهم عن الحسم على قرار الأمين العام للأمم المتحدة الذي أصدره السنه الفارطة و تحدث فيه عن أن أبريل القادم من سنة 2015 سيكون حاسما. إلا أننا نرد على المنتقدين للتصريحات حول الحسم أن شهر أبريل الفارط من هذه السنة كان حاسما بالفعل. لم نشهد في المناطق المحتلة هذا الصمت المريب الذي لمسناه بعد قرار أبريل لهذا العام. إن مساحة الصمت التي لا زالت تتسع مثل بقعة الزيت تعكس حالة الصدمة على مستوى الوعي الصحراوي، لأن الصدمات قد تظهر على شكل صمت مطبق للوعي الذي يكون في حالة مراجعة داخلية لذاته. ينقطع عن الواقع لفترة معتكفا في محرابه الخاص ليراجع شكل علاقته بالواقع. هكذا هم الصحراويون في هذه اللحظة، يعيشون حالة المراجعة لفعلهم قبل قرار ابريل 2015.
3
إن هذا الصمت العاكس لعملية المراجعة تلك هو الدليل المثبت لصحة مقولة أن أبريل سيكون شهر الحسم بالنسبة للشعب الصحراوي. هو حاسم لأنه سيكون مرحلة فارقة في تعامل الصحراويين مع المنتطم الدولي لأنهم سيدركون، إن لم يكونوا قد أدركوا فعلا، أن الدول ليست جمعيات حقوقية و لا منظمات خيرية بل هي كائنات سياسية تتحرك وفقا لأجندات لا علاقة لها بالشرعية الدولية و لا حقوق الإنسان. أبريل سيكون كذلك نقطة فارقة في أشكال و طرق النضال داخل المناطق المحتلة. بعد أبريل 2015 يجب أن تتحول المنطقة المحتلة إلى بؤرة ثورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فمستقبل الشعب الصحراوي أصبح مرهونا بضرورة تغييرالوقائع على الأرض في المنطقة المحتلة. إن ملامح مستقبل القضية الصحراوية تتشكل على أرضية صيغة النضال و شكله و وتيرته في المنطقة المحتلة. إن القيادة الصحراوية مطالبة في هذه المرحلة بتسخير الإمكانيات البشرية، السياسية، الديبلوماسية و الإعلامية من أجل تسخين جبهة المناطق المحتلة و تحويلها لبؤرة ثورية ليس على غرار ما بدأ في 2005 و لكن على شاكلة ما كان في فترة السبعينيات. فإحياء روح حركة التحرر و أساليب نشاطها و عملها لهو الكفيل بتغيير موازين القوى و إرباك العدو، الذي سيواجه أساليب جديدة لم يعهدها منذ 2005 و شكلت في مرحلة سابقة عامل استنزاف كبير جدا له جعلته يلهث وراء توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لإلتقاط أنفاسه، و التي التقطها بالفعل في غضون 24 سنة من حالة الجمود و التي لم تكن في صالحنا بالمرة.
4
رائحة المؤامرة تفوح من إتفاق وقف إطلاق النار الذي كان استراتيجية مدروسة و بعيدة المدى لإنقاذ المحتل المغربي الذي كان على شفا هزيمة عسكرية و التي كانت ستكون، لو لم يوقع إتفاق وقف إطلاق النار، أرضية لهزيمة سياسية مدوية، لو حصلت كانت ستغير مسار القضية بشكل لا رجعة فيه. إن الثمرة التي جناها المغرب من وقف إطلاق النار هي تجميد الدينامية العسكرية و السياسية و الجماهيرية التي صاحبت مرحلة حركة التحرر إلى جانب وقف حالة الإستنزاف العسكري و السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي الذي كان يعيشه المغرب من الداخل. إن ذلك التجميد لحركة التحرر هو الذي دفع بالقيادة الصحراوية مخدوعة بطعم تنظيم إستفتاء تقرير المصير إلى الشروع فورا في عملية بناء مؤسسات الدولة الصحراوية كجزء من خطة الترتيبات لمرحلة ما بعد إستفتاء تقرير المصير، و عليه تم تسخير كافة الإمكانيات، و التي كانت في الأصل مرصودة لحركة التحرر، تم تسخيرها لبناء مؤسسات الدولة الصحراوية، و بالتالي وقع الصحراويون في فخ الجمود المؤسساتي بعد أن كانوا يعيشون دينامية التحرير. و هكذا عوض إتفاق وقف إطلاق النار وضعا بوضع آخر. وضع أول كان يتميز بسيادة روح الإقدام و المبادرة و المغامرة و التضحية، و وضع جديد تشكل بعد 1991 أصبح يتميز بالتردد و الشك و عدم اليقين. و بعد أن كان هامش المناورة و التحرك واسعا جدا ضاق بشكل كبير بعد أن تحولت الدولة إلى مؤسسة باردة و رهينة الإتفاقات و المعاهدات و الإلتزامات مع نظيراتها من دول العالم و خصوصا الحليفة و الصديقة منها.
5
هكذا إذن ساهم وقف إطلاق النار في تعطيل عملية التحرير و ايقاف الوضع عند النقطة التي وصلها عام 1991. فبدأ المغرب معركته الجديدة و بأسلحة جديدة دون أن يخسر فلسا واحدا من ميزانيته و دون أن يتضرر اقتصاده و دون أن يخشى من أي تملل أجتماعي قد يهدد سلمه الإجتماعي و السياسي الذي كان على حافة الإنهيار في بداية التسعينيات و دون أن يصاب النطام السياسي بأي إرهاق نفسي و لا ضغط من أي نوع. فالإتفاق كان في الأصل لرفع الحرج عن النظام الملكي و إنقاذه بالدرجة الأولى و لم يكن بأي حال من الأحوال لصالح الشعب الصحراوي و ليس امتثالا للشرعية الدولية. لأن القوى التي و قفت وراء تنفيذ الإتفاق هي دول و ليست منطمات خيرية و لا جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان. دول رأت في المغرب حليفا إستراتيجيا يجب إنقاذه من الإنهيار ما دام منخرطا حتى النخاع في خدمة أهدافها في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.
6
لقد حقق الصحراويون بالمقابل ما لا حصر له من الإنجازات و لعل إهمها أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب أصبحت محاورا وحيدا لنظام الإحتلال باعتبارها الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الصحراوي. إلا أن الملاحظ بهذا الصدد أننا لم نحرر سنتيمترا واحدا من الأراضي المحتلة من خلال المفاوضات كما حررناها قبل إتفاق وقف إطلاق النار. كما أن المغرب لم يخسر شيئا، بل إنه تفنن في حرب المبادرات السياسية الذكية التي تهدف بالأساس لشق الصف الصحراوي فمبادرة "الحكم الذاتي" مثلا هدفها الأساسي هو خلق صحراويين مع المبادرة و آخرين معها و ضرب مبدأ الإجماع الوطني الصحراوي.
7
يمكن القول من خلال ما سبق أن أبريل كان حاسما بالفعل لأن هناك مرحلة ما قبل أبريل 2015 و ما بعده، و الحسم يتوقف على قدرتنا على صناعته لأن العبرة ليست في قوة الخطاب السياسي و لكن العبرة في آليات تفعليه على الأرض. و يمكن القول أن التفكير في إستراتيجية جديدة لكيفية إدارة جبهة المناطق المحتلة ستكون عنوان الحسم في المرحلة و هي أستراتيجية لا يتسع المقام لعرض أمهات أفكارنا حولها و لا يجب أن يكون الإعلام مسرحا للحديث عنها بل يجب أن تكون ثمرة نقاش صحراوي عام أظن أن المؤتمر القادم للجبهة سيكون سانحة للتفكير في تلك الإستراتيجية.
أحمد صالح محمد
العيون المحتلة: 12 ماي 2015