إذا هَبَّتْ رياحُكَ فاغتنمْها
تشهد الساحة الدولية اليوم عدة متغيرات جيوسياسية واستراتيجية قضيتنا الوطنية ليست
بمعزل عنها بل هي في لبها تتأثر بها وتؤثر فيها، وقد تحققت في الاونة الأخيرة عدة انتصارات ومكاسب سياسية واعلامية من استرجاع لاعترافات دولية كما هوالحال مع دولتي بنما وموريشيوس والتأكيد على ثبات مواقف الحلفاء بشكل اكثر جرأة وعملية مثل مواقف الشقيقة الجزائر والاتحاد الافريقي وجنوب افريقيا وكسب لاعترافات جديدة سواء من قبل حكومات او برلمانات وكذا فعاليات المجتمع المدني كما حدث في السويد وبعض الدول الاسكندنافية وحتى في اسبانيا وفرنسا وهي انجازات حق لنا ان نفرح بها ونعمل على تثبيتها وتطويرها وجعلها سلماً نرتقي به نحو النصر والاستقلال.
الاكيد ان هذه الانجازات لم تكن لتتحقق لولا فضل الله ثم تضحية شعبنا وتحويل الصعاب والمحن الى انتصارات ومكاسب من خلال ابراز التشبث بخيار تقرير المصير والاستقلال وكذا العمل الخالص لابناء شعبنا في السر والعلن اعلامياً و دبلوماسياً لإيصال رسالة قضيتنا العادلة للعالم وفضح سياسات المستعمر وانتهاكاته المستمرة لحق شعبنا في الحرية والاستقلال منذ اربعين سنة.
ولكن في المقابل ننوه الى كون اغلب هذه الانجازات تحققت بفعل مبادرات فردية او كرد فعل على احداث و متغيرات ساقها الزمن لتكون في مصلحتنا ولم تكن ناجمة عن تخطيط استراتيجي بعيد المدى او تنسيق جماعي لخلق الفرص وتوجيه الافعال لخدمة المصلحة الوطنية، وفي خضم كل هذا ضاعت فرص كان من الممكن استغلالها بقدر اكبر من الحكمة والتخطيط الصحيح ومنها الاستفادة من صفتنا كعضو مؤسسس ودائم في الاتحاد الافريقي بالمشاركة في كل الاحداث والتظاهرات التي ينظمها هذا الاتحاد خاصة بالترشح لكل الاحداث الرياضية والتي كان سيكون لها الاثر الاعلامي والسياسي الكبير وستسبب الاحراج للمحتل المغربي وكذا بدعم المبادرات والاصوات الافريقية المساندة للقضية كتلك المنادية بطرد السفراء المغاربة من دول الاتحاد.
بعض المحن والصعاب التي واجهها ويواجهها شعبنا الابي والتي لا نتمنا ان تتكرر خلقت واقعا جديدا و لكن رغم مرارتها يجب دائما الاستفادة منها و تحويلها الى مكاسب، كالفيضانات الاخيرة في المخيمات والتي بفضل الاعلام وصلت تفاصيلها سريعا الى مختلف بقاع العالم وهو ما حقق استجابة سريعة لنداء الإغاثة و سلط الضوء على المعاناة طويلة الأمد لشعبنا مع اللجوء، هناك عامل اخر وباعتراف العدو كان له الاثر في نشر القضية و تنوير اطياف وفعاليات المجتمع المدني في اوربا و الذي زعزع وفعفع الدبلوماسية المغربية وهو عامل الحراك النضالي لشعبنا في اوربا فبفعل الازمة الاقتصادية في اسبانيا والتي دفعت باالكثير من المهاجرين الصحرايين خاصة الشباب لينزحو شمالا نحو فرنسا والدول الاسكندنافية ليشكلو دعما وتمثيلا للدبلوماسية الشعبية هناك وهو عامل مهم يجب الحرص على تعزيزه وهيكلته ومده بالوسائل المادية والمعنوية ليصبح اكثر فاعلية وتنظيم ويحقق زخم اعلامي ودبلوماسي اكبر.
وهنا يجب التشديد على ضرورة إحياء وتفعيل دور البعد الدولي كرافعة أساسية في الكفاح الوطني التحرري للشعب الصحراوي، في ظل تصاعد الحالة الشعبية الانتفاضية في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين في المناطق المحتلة، وأهمية تبني إستراتيجية وطنية قادرة على اثبات مكانة القضية الصحراوية على المستوى الدولي كقضية تصفية استعمار وتحرر وطني.
والتاكيد ايضا واجب على أن أي إستراتيجية صحراوية للمرحلة القادمة يجب أن تنطلق من السعي لإحداث تغيير تراكمي في ميزان القوى عبر سياسات تفعيل التكامل بين الكفاح الوطني التحرري في مواجهة النظام المخزني الاستعماري وتفعيل البعد الدولي في هذا الكفاح، عبر سياسة شاملة للتحرك في منظومة وكالات الأمم المتحدة، واحتكام دول العالم إلى قواعد القانون الدولي في تعاملها مع المغرب والمناطق المحتلة سواء في التعامل السياسي والاقتصادي و كذا موضوع نهب الثروات، وتوسيع حركة المقاومة وحملات التضامن الدولي مع كفاح الشعب الصحراوي.
المؤتمر الشعبي العام على الابواب وهو فرصة تاريخية لتقييم مسار القضية بنظرة نقدية تعترف بالأخطاء وتسعى لتصحيحها وتعمل لتحقيق التغيير المطلوب لتحقيق التكامل الوحدوي للاستجابة لتطلعات الشعب في الحرية والاستقلال وذلك بإشراك مختلف شرائح المجتمع في التقييم والتخطيط وصنع القرار وكذا بوضع المسؤولين و القائمين على حقوق الشعب وكذا السلك الدبلوماسي في غربال الكفاءة والمهنية وخدمة الشعب ليسقط كل من يقف عائق في وجه تحقيق ارادة الشعب ويستبدل بالشخص المناسب في المكان المناسب.
لقد حان الوقت لتقيييم مسار المفاوضات وتحديد اطار زمني لها ولمسلسل السلام وحتى اعادة النظر في تواجد البعثة الاممية التي لم تنظم الاستفتاء ولم تراقب حتى حقوق الانسان في المناطق المحتلة والاستعداد الحقيقي للبدائل برفع الجاهزية العسكرية والتقنية للجيش الوطني ودعم الانتفاضة في المناطق المحتلة لتطوير الفعل النضالي ورفع الحصار الاعلامي عن الانتهاكات المغربية في حق شعبنا.
لا بد للقيادة ان تنسجم فى تطلعاتها المستقبلية مع تطلعات شعبنا وتهيئة المناخ المناسب والجدي لتعزيز صموده ومقاومته ..والابتعاد عن الخصخصة والشخصانية والالتفات الى الجماهير التى هى الدم الذى يجرى فى عروق اي مقاومة او اي فعل على الارض ولا بد من اليقظة الدائمة لمخططات العدو والعمل على اقتناص الفرص واستغلال هذه المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة لانها فرص قد لا تتكرر في كل زمان، وليس ادل على ذلك من قول الامام الشافعي رحمه الله:
إِذا هَبَّتْ رياحُكَ فاغتنمْها فعُقْبى كلِّ خافقةٍ سكونُ
ولا تغفلْ عن الإحسانِ فيها فما تدري السكونُ متى يكونُ.
ولا تغفلْ عن الإحسانِ فيها فما تدري السكونُ متى يكونُ.
بقلم: زيني اعلي طالب