-->

ما الذي يمنع القيادة الصحراوية من تجسيد أهم قرارات مؤتمرات الجبهة على أرض الواقع؟

ـ بقلم: محمد هلاب

لاشك أن إعلان الدولة الصحراوية في الـ 27 من فبراير 1976، لم يأتِ هكذا اعتباطا، بل إنه جاء انطلاقا من حنكة سياسية وتفكير استراتيجي لدى الشهيد الولي مصطفى السيد، ومن خلفه التنظيم السياسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، خاصة أنه أتى في ظرف حساس جدا، عقب انسحاب العديد من القوى الاستعمارية من مستعمراتها في المنطقة.
كما أن إعلان الجمهورية الصحراوية، جاء كذلك ـ وهو السبب الرئيس ـ لسد الفراغ القانوني الذي خلفه الانسحاب الفوضوي للمستعمر الإسباني (القوة المديرة للإقليم آنذاك) وتملصه من التزاماته القانونية والأخلاقية تجاه الشـعب الصحراوي. 
لكن، بالرغم من ذلك، وبالرغم من كون الجمهورية الصحراوية حقيقة قائمة، تعترف بها معظم دول العالم، إلا أن القيادة الصحراوية الحالية لم تعمل إلى حد الآن على استكمال تجسيدها على أرض الواقع، وهو العامل الأساس ـ ربما ـ في ترددِ بعض الدول إلى الآن في الاعتراف، واكتفائها بالانتظار تحت ذريعة "الدراسة".
نعم، لا يُمكن لأحد أن يُنكر أن الدولة الصحراوية قائمة بمؤسساتها، لكن ـ وللأسف ـ في المنفى فقط، وهو الأمر الذي يبعث على التساؤل، "ما المانع من تجسيد الدولة على أرضها؟"، أم أنه ليس في حوزتنا من الأرض حُرا ما يمكنه استيعاب شعبنا أو اللاجئين منه على الأقل؟.
وما الفائدة إلى حد الآن من استحداث وزارة للبناء وإعمار الأراضي المحررة؟ أم أنها هي الأخرى استحدثتْ فقط لتنضاف إلى مؤسسات الدولة في اللجوء؟
بل أين ذهب تنظيمنا السياسي عن دوره في الجزء المحتل من الصحراء الغربية؟ خاصة أننا أحوج ما يكون إليه في هذا الظرف بالذات، أمام الإلحاح على تجسيد دولتنا فوق أرضنا؛ وللإشارة فقط، فهذا السؤال الأخير يطرح نفسه باقتراب المؤتمر الرابع عشر، ويأتي كذلك تذكيرا بسؤال طرحته رسالة في المؤتمر الثالث عشر موجهة من مجموعة من مناضلي الأرض المحتلة، عندما تساءلوا عن الكيفية التي تم بها اختيار مندوبين عنهم في ذاتِ المؤتمر وعلى أي أساس؟ وهو سؤال مشروع، خاصة عند العلم أنه طرح على الشكل التالي: "إذا كان الصحراويون قد خرجوا عن بكرة أبيهم وعلى مدار شهر كامل وأمام الملأ، متحديين الخوف والقمع، لتشييد مخيم أكديم إيزيك، فما الذي يمنعهم من عقد ندوات سياسية تحضيرية داخل المنازل في كافة المدن المحتلة، حتى يتسنى اختيار مندوبين على غرار كافة أماكن تواجد الجسم الصحراوي؟".
ومن هنا نطرح السؤال "ما الذي يمنع القيادة الصحراوية من تجسيد أهم قرارات مؤتمرات الجبهة على أرض الواقع؟".
اليوم نحن مقبلين على محطات مهمة في تاريخ كفاحنا المرير، أهمها المؤتمر الرابع عشر، والصعوبات التي يعيشها شعبنا في المخيمات بسبب الأضرار التي خلفتها الأمطار، ناهيك عن عقم المفاوضات إلى حد الساعة وعدم جدية الأمم المتحدة في التعاطي مع القضية، مضافٌ إليه تعنتُ دولة الاحتلال وإعلان ملكها عن زيارته إلى العيون... وغيرها من العوامل.
لكن أيضا، هي محطاتٌ مهمة في تاريخ شعبنا من حيث بروز القضية على الصعيد الدولي والقاري، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحراك الذي تشهده مملكة السويد ومن ورائها الدول الاسكندنافية، وأهم من ذلك مواقف الاتحاد الأفريقي المتقدمة جدا، والجريئة، الداعية إلى تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، وعلى رأسها القرار التاريخي الذي اعتمده مجلس السلم والأمن مؤخرا.
إذن فما الذي يمنعنا اليوم، من تجسيد دولتنا كحقيقة تاريخية لا رجعة فيها على أرضنا وبسط سيادتها ـ على الأقل ـ في مناطقنا المحررة، في انتظار استكمالها لتعم كافة أرجاء الساقية الحمراء ووادي الذهب؟.
لماذا لا نُحسسْ مقاتلينا المرابطين في الجبهات الأمامية بقيمتهم وقيمة الأرض التي يُدافعون عنها، عن طريق إعمارها ودَبّ الحياة فيها؟.
لماذا لا نكرر على مسامعنا ونرسخ في أذهاننا، ونكتب ونقرأ ونشاهد في
مختلف وسائل إعلامنا الجمهورية الصحراوية، بدلا عن الصحراء الغربية،
والاستقلال بدلا عن تقرير المصير؟.
لماذا لا نُـفعل أختامنا وطوابعنا البريدية ودور شرطة حدودنا، في تعاملاتها كسلطات دولة، عن طريق ـ وهو مثال فقط ـ ختم جوازات سفر زائرينا، وتفعيل سفاراتنا في الخارج لمنح تأشيرات لمن أراد زيارتنا؟.
ولماذا لا نذهب أبعد من ذلك، ونحاول عن طريق وزارة البناء وإعمار الأراضي
المحررة، بناء مطار، حتى وإن كان رمزيا، ونعمل على ربط أراضينا المحررة
بطرق معبدة؟.
لماذا لا نفعل عملتنا، بغض النظر عن حجم تعاملنا بها وسعرها مقابل العملات الأخرى؟
لماذا لا نُحسس مواطنينا بأن لهم دولة، شأنهم في ذلك شأن كافة شعوب الدول التي يزورونها، ليُحسوا بالفخر وليس الإهانة، خاصة عندما يعلمون أن ما يُطبق عليهم في المطارات ودول إقاماتهم وعبورهم هو نفسه ما يُطبق من قبل سلطات دولتنا؟.
لماذا لا نُطعّمْ سلكنا الدبلوماسي بسفراء وممثلين من داخل الأرض المحتلة؟.
لماذا هذا الاتكال اللامحدود على المساعدات الإنسانية، ونحن نمتلك من
المقدرات والمقومات والسواعد ما يُغنينا عن كل مساعدات العالم؟.
لماذا؟ لماذا؟... ولماذا؟؟؟

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *