-->

تفاقم ألازمة بين الرباط ونواقشوط بعد فشل اللقاء بين ملك المغرب والرئيس الموريتاني في الهند

الصحراء الغربية 12 نوفمبر 2015 (وكالة المغرب العربي للأنباء المستقلة)- تتفاقم
الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين المغرب وموريتانيا، خاصة بعد فشل اللقاء بين ملك المغرب محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد بن عبد العزيز في قمة الهند-إفريقيا مقابل تطور العلاقة بين قيادة موريتانيا وجبهة البوليساريو هذه الأيام.
وتمتنع موريتانيا للسنة الرابعة على تعيين سفير لها في العاصمة الرباط.
ورغم الحديث ومنذ السنة الماضية عن احتمال تحسن في العلاقات لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار الى نواكشوط خلال أكتوبر 2014 ، لم يحصل أي تقدم. بل قام الرئيس الموريتاني باستقبال وزير الخارجية الصحراوي محمد سالم ولد السالك في الشهر الموالي، في إشارة جلية الى سياسة الحياد الايجابي التي تتبناها نواقشوط حيال طرفي النزاع في الصحراء الغربية.
ومن ضمن العناصر التي تبرز استمرار تردي العلاقات، فعلاوة على انقطاع تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، لم يحصل اللقاء المرتقب بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز خلال قمة الهند-إفريقيا التي احتضنتها نيودلهي منذ أسبوعين تقريبا. وكان الرهان على حدوث هذا اللقاء لتطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين. لكن مسؤولي البلدين فشلا في التوصل الى صيغة للقاء.
ومن جانب آخر، وبمناسبة زيارة ملك المغرب الى عاصمة الصحراء الغربية المحتلة بمناسبة الذكرى الاربعين للغزو المغربي للمنطقة، أجرى الرئيس الموريتاني مكالمة هاتفية مع الرئيس الصحراوي الامين العام لجبهة البوليساريو محمد عبد العزيز حول قضايا متعددة منها نزاع الصحراء الغربية، الرئيس الصحراوي شكر للرئيس محمد ولد عبد العزيز موقفه الإنساني من الأزمة التي يمر بها الشعب الصحراوي، حيث كان ثاني رئيس عربي بعد عبد العزيز بوتفليقه يوجه قافلة لنجدة المخيمات الصحراوية، وإن الكمية التي أرسل للمخيمات كشفت عمق الأخوة والصداقة بين الشعبين الصحراوي والموريتاني.
وتنهج موريتانيا ومنذ أكثر من سنة سياسة مراجعة علاقاتها مع المغرب ومنها التقليل من إرسال الطلبة الموريتانيين الى المغرب وتجميد تكوين الضباط الموريتانيين في المغرب وتقليل التبادل التجاري. وفي المقابل، عملت نواكشوط على تطوير علاقات البرلمان والأحزاب الموريتاتية مع جبهة البوليساريو خلال السنة الأخيرة ومنها قيام البرلمان خلال يونيو الماضي بتشكيل لجنة برلمانية مكونة من الحزب الحاكم والمعارضة للتضامن مع الشعب الصحراوي.
وفي مقابل ذلك تشهد العلاقات الموريتانية الصحراوية تطورا مهما في ظل التنسيق المستمر بين البلدين في العديد من القضايا خاصة الأمنية على الحدود بين البلدين، يأتي ذلك بعد عدة اشهر من الإعلان عن تأسيس "فريق برلماني للصداقة الموريتانية الصحراوية" بمشاركة الحزب الحاكم ومختلف الأحزاب، الموالاة والمعارضة، ونصت اللجنة الجديدة على تعزيز العلاقات الثنائية بين الموريتانيين والصحراويين.ولا يعتبر تأسيس لجنة الصداقة بين الصحراويين والموريتانيين أمرا مثيرا بحكم اعتراف موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية.
لكن الدلالات السياسية لهذا التأسيس في الوقت الراهن تحمل العديد من الاشارات، أبرزها تزامن هذا التأسيس في وقت تمر منه العلاقات بين الرباط ونواكشوط بمرحلة من البرودة نتيجة إحجام موريتانيا عن تعيين سفير لها في المغرب منذ أربع سنوات.
في الوقت ذاته لا يمكن مشاركة أحزاب الموالاة ومنها الحزب الذي يدعم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بدون الحصول على ترخيص من الرئيس نفسه وهو ما يعصف برهان المغرب على الحياد المائل لصفه.
وفي ظل التقارب الموريتاني الصحراوي بدأ المغرب يشعر بخيبة أمل من السياسة الخارجية للرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز فيما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء الغربية، فنواكشوط، التي كانت حليفا للمغرب عام 1975 وشاركته اجتياح المستعمرة الاسبانية السابقة "الصحراء الغربية" عسكريا حتى 1979، نزعت تحت قيادة ولد هيدالة نحو دعم جبهة البوليساريو والاعتراف بالجمهورية الصحراوية حتى 1984، حيث ذهبت موريتانيا تحت قيادة معاوية ولد الطايع، نحو الحياد المائل لصالح جبهة البوليساريو الذي انتهى بالحياد المائل لصالح لمغرب.
وكانت الرباط تأمل من ولد عبد العزيز مواصلة هذا الحياد المائل، على الأقل، وهو ما لم تلمسه في ظل استفحال ألازمة الدبلوماسية بين موريتانيا والمغرب بسبب الكثير من المواقف الموريتانية الدبلوماسية المتتابعة، والتي تمثلت في تأجيل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لزيارته إلى المملكة المغربية ثلاث مرات متتالية، اثنتين منها كانت باعتذار الملك المغربي "بالطرق الدبلوماسية عن استقباله"، أما الثالثة فتأجلت باعتذار من الرئيس الموريتاني.
كما ان رفض الرئيس الموريتانى استقبال السفير المغربي في فرنسا أثناء رحلة العلاج دليل هو الآخر لى توتر العلاقات في مابين البلدين.
بالاضافة الى تلك المتعلقة وروابط نواكشوط مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
وقد تجلت الأزمة الدبلوماسية بين موريتانيا والمغرب في مظاهر كثيرة من ضمنها رفض المغرب تسجيل الطلاب الموريتانيين الوافدين للتسجيل في الجامعات المغربية والذين وصل عددهم إلى 800 طالب "من بينهم 80 من الحصة الرسمية التي يدخل تسجيلها في إطار التزامات التعاون بين البلدين".
وبرزت الأزمة الدبلوماسية كذلك في تعامل السلطات الأمنية مع الأسر الموريتانية التي سافرت إلى المغرب أثناء العطل الصيفية، حيث ضايقتهم السلطات الأمنية في الحصول على أوراق الإقامة وفي إجراءات الدخول والخروج ، وظهر في تعاطي السفارات المغربية في أوربا مع المواطنين الموريتانيين الراغبين في الحصول على تآشر لاجتياز المغرب برا باتجاه موريتانيا عبر المغرب والمناطق المحتلة من الصحراء الغربية.مع صدور احتجاجات عن السائقين الموريتانيين العاملين قرب مركز نواذيبُو الحدودِي مع الصحراء الغربية، لما اعتبروها عراقيل كثيرة تعترضهم عند طلب التأشيرة المغربية، فيما لا يلقَى السائقُون المغاربة تعاملا مماثلا.
وفي مارس 2014 سحبت موريتانيا محمد ولد مكحل، القائم بأعمال سفارتها بالرباط، احتجاجا على تصريحات منسوبة للعاهل المغربي الملك محمد السادس إبّان زيارته الأخيرة إلى العاصمة المالية باماكو، دون الكشْف عن مضمون هذه التصريحات والتأكّد من صحّتها.
وجود ضباب على العلاقات بين الرباط ونواكشوط غيَّم بُعيْد تولّي الرئيس محمد عبد العزيز الرئاسة الموريتانية (أغسطس 2008 قائدا لانقلاب، ثم رئيسا منتخبا في 2009)، وذهبت إلى أن سلسلة من سوء التَّفاهم أدّت إلى حدوث فتور ملموس بين الرئيس عبد العزيز والعاهل المغربي الملك محمد السادس، وأن آلية تدبير العلاقات بين البلدين، اتَّكأت - حسبما يبدو - على هذا الفتور للمزيد من البعاد بين البلدين على الصعيد الرسمي.
في ديسمبر 2011، أقدمت السلطات الموريتانية على طرد حفيظ البقالِي، مدير وكالة الانباء المغربية في نواكشوط، وأمهلته 24 ساعة لمغادرة أراضيها، وهو القرار الذي اعتبرته الرباط، "غير ملائم". وبعد ذلك، رفض الرئيس الموريتانِي استقبال عبد الله بها، وزير الدولة المغربي (نائب رئيس الحكومة)، الذي كان في زيارة إلى نواكشوط، وتم الإقتصار في استقباله الذي اتسم بالبرودة على بعض المنتخبين.
وفي صيف 2012، رفضت نواكشوط اعتماد القنصل المغربي الجديد ورفضت الإجابة على أسئلة المغرب بشأن المبرِّرات التي اعتمدت عليها في قرارها المفاجِئ.
وفي يوليو 2013، منعت سلطات النقل الجوي الموريتانية طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية من مواصلة رحلتها من مطار الدار البيضاء باتجاه مطار نواكشوط، باعتبارها تقع خارج الإتفاق المنظم للرحلات الجوية بين البلدين. وفيما حمّلت الخطوط الجوية الموريتانية نظيرتها المغربية مسؤولية الإرتباك الذي شهدته حركة الطيران المدني والرحلات بين الدار البيضاء ونواكشوط، إلا أن الخطوط المغربية أنحت باللائمة على سلطات الطيران المدني الموريتانية.
وبحسب محللين فأن ما يُريده الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز يتلخص في تعامل الرباط مع نواكشوط بندية وعلى أساس أنها ليست قابلة للإستقطاب، وتذكر هذه الأوساط بتأخر المغرب (من 1964 إلى 1969) في الإعتراف باستقلال موريتانيا، وظهور تخوفات من طموحات مغربية بها مثلما حصل لاحقا مع الصحراء الغربية.
ويمثل موقف موريتانيا من قضية الصحراء الغربية نقطة قوة في مسار العلاقات بين نواكشوط والرباط، وهو ما يعيه المغرب، حيث بادر بدعوة موريتانيا إلى فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة المحتلة، وهو ما رفضته نواكشوط، التي تعترف بالجمهورية الصحراوية ولا تعترف للمغرب بالسيادة عليها، واعتُبر نقطة بارزة في مسار التوتر بين البلدين.
إن الموقف الموريتاني من الصحراء الغربية لا يمثل فقط تحديًا سياسيًّا بالنسبة للمغرب، لكنه يمثل أيضًا تحديًا أمنيًّا، حيث لا يمكن التفريق بين الموريتاني والصحراوي، خصوصًا إذا حمل هذا الأخير جواز السفر الموريتاني الذي يمكنه من التنقل في العالم، وفي المناطق المحتلة من الصحراء الغربية وحتى مدن المغرب.
كما يراهن المغرب على المستوى الاقتصادي إذ تمثل إفريقيا الغربية سوقًا مهمًّا للمنتوجات الزراعية المغربية التي يصدرها عبر الصحراء الغربية، ويستنزف خيرات المنطقة؛ ولذلك تبقى موريتانيا هي الشريان الوحيد لتدفق هذه المنتوجات المهمة لسوق الفلاحة .
وإلى جانب ذلك، فإن السوق الموريتانية تعتبر هي الأخرى فرصة أساسية للاقتصاد المغربي، حيث تملك شركة الاتصالات المغربية 61% من أهم شركة اتصالات موريتانية، وهي شركة موريتل.
وتعتمد أجزاء واسعة من موريتانيا على التبادل التجاري مع المغرب، حيث تنشط حركة تجارة السيارات والبضائع المختلفة، كما أن المنطقة الاقتصادية الحرة لموريتانيا قد تتأثر سلبيًّا إذا ساءت العلاقات مع المغرب، لكن موريتانيا في المقابل تجد في الحضن الجزائري بديلًا مهمًّا ومستعدًّا للتقارب والتفاهم، ويمثل طريق تندوف- ازويرات معبرًا مهمًّا للتبادل الموريتاني الجزائري؛ حيث سيربط مدن الشمال الموريتاني بالسوق الجزائرية بشكل مباشر، لكنه أيضًا سيوفر للجزائر معبرًا إلى المحيط الأطلسي، ويسهّل التبادل التجاري بينها وبين عدد كبير من دول العالم، وهو ما يعني في المقابل إضعاف محور طريق الداخلة المحتلة- نواذيبو الذي يربط موريتانيا بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية.
وفي ملف الصيد البحري ظل المغرب لسنوات عديدة يطالب موريتانيا بتعزيز مستوى التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، والرفع من مستوى الشروط والصرامة قبل توقيع الاتفاقيات؛ حيث كان الأوروبيون يجدون في موريتانيا بديلًا عن المغرب الذي يورطهم في اتفاقيات غير قانونية بادراج المياه الاقليمية للصحراء الغربية المحتلة في اتفاقيات الصيد وتسويق الأسماك وهو ما سبب متاعب للاتحاد الاوروبي.
وفي استقراء لحالة العلاقات الموريتانية المغربية فانه لا توجد مؤشرات ملموسة على تحسن العلاقة بين الرباط ونواكشوط وقيام الأخيرة بتعيين سفير لها في المغرب، كما انه في ظل اعلان البرلمان الموريتاني عن تأسيس لجنة الصداقة الموريتانية-الصحراوية بمشاركة الحزب الحاكم مؤشر ايجابي نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين الموريتانيين والصحراويين.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *