المـــــؤتمر 14: رسالة إلى الشباب الصحراوي
في معرض أقامه الفرع الطلابي الصحراوي بمدينة مستغانم الجزائرية سنة 1987
تخليدا لذكرى إعلان الدولة الصحراوية كنت مهتما بالشرح لزائر إعتبرته مهما حينها لأنه من فلسطين، كان مهتما ومعجبا بالتجربة الوطنية وفي نهاية لقائي به إلتفت إلي وعلى وجهه مسحة حزن ممزوجة بغموض وقال:
تخليدا لذكرى إعلان الدولة الصحراوية كنت مهتما بالشرح لزائر إعتبرته مهما حينها لأنه من فلسطين، كان مهتما ومعجبا بالتجربة الوطنية وفي نهاية لقائي به إلتفت إلي وعلى وجهه مسحة حزن ممزوجة بغموض وقال:
على الشباب الصحراوي أن لا ينتظر شيئا من أحد.
حضرني هذا القول هذه الايام بعد 28 عاما من ذاك الموقف البسيط العميق الذي صادفني، ودفعني التذكر إلى أن أخاطب الاجيال الشابة من باب الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية لاغير. فقد مرت علي وعلى الكثيرين من جيلي والجيل الذي تلانا والجيل الذي تلا ذلك كل هذه السنوات ونحن نراوح نفس المكان وهو مكان بائس حاولنا قدر المستطاع الكذب على أنفسنا وإبتلاع العذاب المحيط بنا ووصلنا حد التفكير في أنه وطن ولكن إلى حين، أجلنا الكثير من المشاريع المشروعة في حياتنا أملا أن يغير الزمن شيئا ولكن فوجئنا بجيلين كاملين يزاحموننا في الحلم والامل وهو أمر أكثر من مشروع ولكن المخيف أن كل هذا حدث لنا جميعا في نفس المكان البائس التعيس حدث لنا في المنفى، والأدهى والأمر أن الزمن الذي لا يرحم ولا يتوقف بدأ يطحن ويسحق ذريتنا، ويلتهم أعمارهم النضرة ونحن رابضين في نفس المأوى المتعب.
كنا نكبر ويضيع منا العمر ونحن في تمام الوعي والصحة العقلية والسبب أننا كنا نؤمن برسالة الثورة وتشربنا من حب الهدف الوطني إلى درجة العمى، وكنا كأبائنا وأمهاتنا الذين ماتوا رحمة الله عليهم ينتظرون وينظرون إلى الافق، كان العزاء لدينا أمر واحد أننا نحترق لكي نضئ الطريق لابنائنا، نموت ليحيوا حياة كريمة لائقة بعيدة عن المنفى، أما وأن يصل بنا الحال أن يفلت منا الزمن وهم في أرض التيه فالأمر في نظري يستوجب التوقف وإعادة التفكير ولما لا تغيير المسار.
كنا مثل غيرنا من شباب اي ثورة في الوجود نعيش ونستلهم من رموزنا، كانوا كالملائكة يستبيحوننا في كل شئ حتى الاعراض ونقول صاغرين " كله يهون في سبيل الوطن والكرامة ونسمة حرية" وكنا أيضا كغيرنا من أجيال اي أمة ننتظر دورنا في حمل المشعل وأن تثقل أعناقنا بمسؤولية التكليف والمساهمة في شرف إعادة الآباء والأمهات إلى الأرض المسلوبة وتحصين الأبناء من العيش على كف عفريت، ويبدو أن الزمن قصير وشفاف فأغلب الملائكة كانوا يختفون في جلود ذئاب، لم يكونوا على قدر ما أمنتهم عليه الأمة، والمثير للشفقة في حالنا أن "الرموز" لاتبلى ولا يفعل فيها الزمن والأشخاص "الرموز الوطنية" لم يموتوا في الحرب مثل الرمز الحقيقي بل أذاع الراديو الوطني أسمائهم عندما كان عمري ستة سنوات ويتغنى الأطفال الآن بأناشيد وطنية تحتوي الأسماء نفسها بعد أزيد من 40 عاما. فهل الصحراويات عقيمات إلى هذا الحد؟
لقد مررنا بمراحل لا حصر لها لأن قدرنا ساقنا لأن نكون في عين العاصفة، عايشنا المرحلة التي كان شعارها أرضنا لنا لا إقتسام فيها، ثم مررنا بمرحلة حرب التحرير تضمنها الجماهير، ثم كل الوطن أو الشهادة، وفي هذه المراحل كان الإنسان الصحراوي هو الذي يؤثر فيها بفعل العمل الكفاحي المتواصل، إلى أن وصلنا هذه الأيام لمرحلة تؤثر وتتحكم فينا ترغمنا على أن ننتظر حل سلمي متفق عليه يفضي إلى .....
قيل أننا جئنا إلى أرض المنفى حفاة عراة أو هكذا وصفتنا وسائل الإعلام حينها، رفضنا الإذلال والقمع والمهانة وركضنا خارج أرض الوطن بحثا عن متنفس حر يضمن لنا النزر الأقل من الحياة الكريمة ريثما يفرج الله كربتنا، وكنا إلى أجل قريب محتفظين ببقايا كرامة مجروحة ولكن بسبب تداعيات الزمن والهواجس الأمنية أو هكذا يراد لنا أن نفهم أصبحنا نتجرع كل يوم رشفة إذلال ونبتلع لقمة إهانة ونحن صاغرين، وتضيق المسافة حول أعناقنا ونحن صاغرين، وربما سنرغم قريبا على التخلي عن أبسط حقوق آدميتنا لمن يتولون حمايتنا ونحن نيام وكأنه لا وجود لنا ونحن صاغرين. وهنا يحضر القول: إذا كان لابد من الموت فمن العار أن تموت "مهانا" (تصرف).
مرور الزمن لأكثر من 40 عاما والأفق يضيق ولا يتسع، المكان هو نفسه تزداد تعاسته وبؤسه مع ضيق المساحة المفروض، الرموز بهتت وحادت عن السبيل بل شربت إكسير الخلود، تراكمات الصراع وتغير سمات مراحله وتبدد الجوهر شيئا فشيئا كل هذا وآهات كثيرة غيرها لا حصر لها أرغمتني على أن اهمس للشباب أن تتحركوا من اجل غد أفضل لكم ولأبنائكم، لا تعتقدوا أن من رماكم في هذا الواقع يملك الإرادة لتغييره، ولكم في جرحى الحرب وقدامى المحاربين ونضالات النساء مثال حي، ولكم في بعضكم أمثلة أخرى فعندما نطق (بعضكم) بكلمة حق أو كتب عنها مورست عليه سياسات مشينة كالطرد التعسفي من العمل، وبغيضة بلغت حد قطع الأرزاق تماما كما يفعل العدو. فهل هذه هي الدولة التي تحلمون بها؟ إذن فما فائدة هكذا حياة؟ وأين الكرامة فيها؟ تأكدوا أن لن يغير الواقع إلا الفعل الشاب الحي النابض بالحياة الذي لا يقبل بإستمرار الواقع المر.... الإستكانة تولد الإذلال، والخمود يولد الإهانة، والقبول يرسخ الأمر الواقع، ومادامت القوة الحية تنتظر فستخلد في واقع لا ترغب فيه وأكرر وأهمس بل اصرخ في أذانكم ماقاله لي ذلك الفلسطيني ذات شتاء قارس: لاتنتظروا شيئا من أحد؟
حمادي البشير