مُشكلة الشرعية في رئاسة البرلمان عندنا
تختلف البلدان التي ترتكز سياسيا على مبدأ "الشعب هو مصدر
السلطة" عن الانظمة ديكتاتورية
التي يكون الملك او السلطان فيها هو المصدر.
كأغلبية بلدان العالم، عندنا نحن مالك
السيادة هو مصدر كل السلطة. و بالتالي الشعب هو السيد و هو صانع جميع السلطات.
إنسجاما مع هذه المبادئ و القيم، ينص الدستور الصحراوي على ما يلي:
المادة
(08 ): السيادة
الوطنية ملك للشعب وهو مصدر كل سلطة
المادة
(09) : السلطة التأسيسية
ملك للشعب.
المادة
(10 ) : يمارس الشعب سيادته من خلال ممثليه ...
و من جهة أخرى، القانون الأساسي لجبهة البوليساريو يقول ما يلي:
المادة (33): الهيئات الخاضعة لمبدأ الانتخاب هي: الأمين
العام للجبهة، الأمانة الوطنية، المجلس الوطني.....
بمعني ان الشعب أثناء
ممارسته للسيادة يقوم بإنتخاب هيئة اسمها المجلس الوطني. والمادة 33 تُذكر ان هذه
الهيئة خاضعة لمبدأ الانتخاب وليس مبدأ التعيين.
وفي ما يتعلق بالمجلس الوطني، ينص الدستور الصحراوي على ما يلي:
المادة (79): ينتخب أعضاء المجلس الوطني عن طريق
الاقتراع السري والمباشر مرة واحدة بين مؤتمرين.
و معنى هذا هو ان الشعب
ينتخب بطريقة سرية و مُباشرة أعضاء المجلس ال53. كلمة "المباشر" هنا
تعني أن الشعب ينتخب هذه الهيئة مُباشرة، دون وسيط، اي دون أية هيئة أخرى وسيطة
سواء كانت مُنتخبة او مُعينة. بمعنى ان جميع أعضاء المجلس يجب ان يتم انتخابهم
مباشرة في الدوائر الانتخابية.
من جهة أخرى، المادة
84 تقول:
المادة (84): عضو المجلس
الوطني يمثل الشعب ويبقى وفيا لثقته ومعبرا باستمرار عن تطلعاته.
ما يؤكد ان عضو
المجلس الوطني يُمثل الشعب ولا يمثل أي هيئة أخرى. مادام مُجبرا على ان يبقى وفيا
لثقة الشعب، و بهذا لا يمكنه ان يكون ممثلا لغير الشعب. و هو ما يُثبت انه حتما،
لابد أن يكون مُنتخبا من الدوائر الانتخابية الشعبية وليس من هيئات أخرى.
و لكن، و هنا بيت
القصيد، الحال ليس كما يبدوا في دولتنا الفتية.
عندنا، الشعب لم
ينتخب الأعضاء ال 53 للمجلس بطريقة سرية و مُباشرة كما ينص الدستور على ذلك. وانما
يتم انتخاب فقط 52 عضو من المجلس.
كيف نُفسر إذن أن
رئاسة البرلمان تُستثنى من المبادئ و القيم النبيلة المُعلن عنها في القانون
الأساسي للجبهة و في دستور الدولة الصحراوية؟
عملية الاستثناء هذه
او بعبارة أدق اختلاس رئاسة البرلمان من بين يدي الهيئة السيادية و هي الشعب، تتم
هذه العملية بفضل فضيحة أخرى من العيار الثقيل، تتجلى في تخلي البوليساريو عن
المبادئ و القيم التي تتبناها كل من الجارتين الجزائر و موريتانيا، مُقابل
الاصطفاف الى جانب المغرب حتى و ان كان بحسن نية في بناء سلطات و هياكل الدولة.
لقد تم هذا الاستنتاج
حسب الآتي:
الدستور الصحراوي
{امادة 10}: يمارس الشعب سيادته من خلال ممثله
الدستور المغربي
{المادة 2}: بواسطة ممثليه
الدستور الجزائري
{المادة 7}: وبواسطة ممثليه المنتخبين
الدستور الموريتاني
{المادة 2}: يُمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين
وكما نلاحظ في
الجزائر وفي موريتانيا، الشعب يُمارس السيادة عن طريق ممثله المنتخبين، بمعنى ان
الشعب ينتخب ممثله الذين سيُمارسون السيادة بإسمه.
ان التشابه مع المغرب
في مبادئ سياسية من هذا الوزن هو الذي يسمح لساسة البوليساريو بتعيين رئاسة
البرلمان فضلا من انتخابه من طرف القاعدة الشعبية.
وبدلا من تدارك
الأخطاء و الرجوع الى المبادئ والقيم النبيلة المُشير إليها أعلاه، تم إدراج مواد
قانونية سيئة الإخراج تسمح بالتحكم في كل مفاصل الدولة، ضاربا ضد الحائط مبادئ
قانونية سامية مثل الانتخاب المباشر من طرف الشعب. و في هذا السياق تم ادرج كوارث
قانونية من قبيل:
المادة (82): تعقد الجلسة التأسيسية للمجلس الوطني تحت رئاسة رئيس
الدولة
ـ تخصص هذه الجلسة لانتخاب رئيس المجلس الوطني من بين أعضاء الأمانة
الوطنية.
بمعنى
ان الأمانة الوطنية هي التي تقترح على الهيئة التشريعية، ثلاثة من أعضائها،
لإنتخاب من بينهم رئيسا للبرلمان.
هنا يحق لنا ان
نتساءل: هل رئيس البرلمان مُنتخب او مُعين؟
ببساطة الصيغة
المُتبعة هي صيغة التعيين وليس الانتخاب. لأن الشعب ينتخب المؤتمرين، وهؤلاء
ينتخبون أعضاء الأمانة الوطنية. ما يحدث بعد ذلك هو أنه يتم تعيين ثلاثة من أعضاء
الأمانة الوطنية، ليُنتخب من بينهم رئيس المجلس الوطني، ما يُجسد مبدأ تعيين وليس
انتخاب السلطات التي تمارس السيادة باسم الشعب، بدلا عن المبدأ الشريف الآخر
المُتبع في الجزائر وموريتانيا، اين البرلمان ينتخب رئيسه من بين أعضائه، تجسيدا لمبدأ
ممارسة الشعب للسيادة عن طريق ممثله المنتخبين.
إن الصراع مع العدو
المغربي يتعدى الميدان العسكري الى ميادين أخرى من بينها ميدان المبادئ والقيم
السياسية التي تبني هياكل الدولة. و ما دمنا في صراع مستمر مع العدو يجب أن نظهر
للعالم أجمع، اننا نملك قيم و مبادئ أفضل و أسمى من تلك التي يبني عليها المغرب
سياسته.
ان التحدي الكبير الذي ينتظر أعضاء البرلمان الصحراوي الذين سيتم انتخابهم
في غضون أسابيع هو قدرتهم على فرض المادة 79 من الدستور الصحراوي و امتناعهم عن
التصويت على أي كان لم يتم انتخابه عن طريق الاقتراع السري و المباشر.
حدامين مولود سعيد.