-->

يومياتــــــــي بمدينة السمارة


بقلم : مبارك الفهيمي
باب المنزل يطرق من طرف يد خشنة . تعودنا في هذه المدينة على مثل هذه الطرقات المزعجة . الكل نائم , فاليوم هو الأحد نظل على طول الأسبوع ننتظر هذا اليوم لكي ننتقم من الإستفاق المتكرر على الساعة السابعة في الأيام الأخرى . أفتح الباب فإذا ب"الجيلالي" على دراجته النارية الحمراء , الأكيد أن هذا المستوطن يريد إجار المنزل فهو ينسى كل شيء سوى "المال " . قال :
ــ سي مبارك الأمانة الله يجازيك
لا أعرف دلالة كلمة "سي " , أو بلهجتنا "موجبها " . كنا قد اقترضنا بعض المال من أخي الذي لم تلده أمي . قدمت ذلك المال لجيلالي الذي انسحب وعلامات السرور بادية على وجهه , فهذا النوع من البشر لا ترى أسنانه سوى حينما يأخذ الأوراق النقدية ويضعها في جيبه . يتوفر هذا البيت على ثلاث غرف ومطبخ وحمام . الحائط مطلي بأفخم صباغة . "الزليج " يتوقف في نصف الحائط إنها البورجوازية الوهمية المتعفنة , حياتنا مزيج بين المظهر الفرنسي بأناقته والجيب الصومالي الفارغ . "الجيلالي " الذي جاء قبل سنوات للسمارة بهدف الإستطان , يكتري لنا منزل "بورجوازي " ولكنه يقطن بمخيم الكايز الذي لا يتوفر حتى على الإنارة . هذا المخيم الذي يستوطن فيه الآلاف من المغاربة القادمين من مراكش وما جاورها .
عدت لفراشي ولم أستطع النوم بعد دقات "الجيلالي " على الباب , فذهني يدور فيه شبح "النوبه " أمامي طبخ , تنظيف ... , وما يثير سخطي أنه يوم إجازتي الوحيد في الأسبوع."وجه الجيلالي نحس " . على نغمات الشاب "عدجال " يستفيق القوم النائم , وصوت الماء في المطبخ يضايق النائمين . نومهم ذكرني بنوم الأمة العربية , على الأقل رفاقي يستفقون في نصف النهار , ولكن هذه الأمة لم تستفق حتى الان ولازالت تحلم . يضع كأس شاي "أتاي " قرب الكرسي الذي يجلس عليه ويتناول سيجارته في تلذذ وتأمل , بعدها يدخل لكي يتناول فطوره وعيناه منتفختان كعيناي تماما , إنه أحد الرفاق الذي يزورنا . يقال أن أبناء العيون مدللين كما هو شائع في هذه المدينة .
أسير في حي السلام وقدمي تختلط بالتربة والغبار يطغى على المكان , حينما تنظر لقدمي تظن أني "خباز " أشتغل في مخبزة وأخلط الطحين بقدماي . أمر بجانب "محماد " صاحب متجر للمواد الغذائية بجوارنا , نتبادل السلام . "محماد " الرجل الأمازيغي صاحب الدراجة النارية العصرية واللباس الكلاسيكي , الكثير من حركاته وتفاصيل وجهه تؤكد لي أنه يكرهنا ولكنه يحبنا في اليوم الأول من الشهر . تستمر خطواتي في حي السلام وأتأمل المارين فإذا بصوت يسب الملك ويضع نظارات , سرواله ممزق و فوقه عاري , فمظهره يؤكد أنه مجنون ولكن كلامه معقول كما يسمونه في هذا الحي "الله ينصر المعقول " . "الله ينصر المعقول " هو رجل لا نعرف من أين ولكن من خلال عبارته فهو مغربي , عمره ما بين الثلاثين إلى الأربعين كلامه نصفه أو أكثر ساقط , ولكنه "معقول " فلا يتحدث سوى عن السياسة , وبصوت عالي جدا يسب الملك علانية , يسب الظلاميين إن وجدهم أمام المسجد , يسب كل شيء حتى الشعب المغربي ويطالبه بالثورة . أتأمل فيما يقول وأستنتج دائما أنه قال ولازال ما عجز الكثيرون عن قوله .أحاول دائما الإقتراب منه لأبادر بالحديث معه لعلي أعرف قصته , ولكن أخشى أن يفقد صوابه ويتحول لعنيف ويحولني لمعاق في رمشة عين . فهو يعشق السجائر ويتلذذ في التهامها .
استمريت في السير وتركت خلفي "الله ينصر المعقول " يسب النظام والمارة من الناس لا يأبهون لأمره , فقد تعودوا على أصواته في هذا المكان , بل أصبح مصدر تهريج لدى الكثير من أصحاب المتاجر , حتى أني في يوم رأيت إمام المسجد يسخر منه بعدما قال "الله ينصر المعقول " للإمام " يا إمام الكلب أنت لعبة في يد الملك ..... " وهذه حقيقة لا يمكن للإمام إنكارها .
وصلت لبداية الشارع الرئيسي قرب "نافورة " وجوار مؤسسة تعليمية سميت على أحد أفراد العائلة المالكة في المغرب . "النافورة " مرة تشتغل وأكثر نجدها لا تشتغل "ممنكة ", يراقبها حارس طوال اليوم , سيجت بمجموعة حواجز حديدية . الأكيد أن السبب هو منع الكثير من الشباب والأطفال من السباحة فيها , فحرارة المدينة ترتفع في بعض الأيام بشكل لا يطاق , تذكرني تلك الحرارة العالية بمن ينادون بالعودة لحمل السلاح وهم لم يتحملوا حتى أشعة الشمس وحرارة الجو . ترتفع عيني لتسقط على مسجد المدينة يقال هنا أنه أكبر المساجد في الصحراء , وصرفت عليه ميزانية كبيرة سرق نصفها أو أكثر . أتأمل البناية الشاهقة وأسأل عقلي : هل نحن في حاجة لمساجد أم لجامعة ؟
تمر سيارة شرطة ويلتفت جميع من فيها صوب ....
يتبع ..

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *