-->

المغـــــــرب وممالك الخليج: استنجاد الغريق بالغريق


د. غالي الزبير
ــــــــــــ
تشهد المنطقة العربية هذه الايام الموجة الثانية من تسونامي التحولات العميقة التي شكل ما يسمى"الربيع العربي " فصولها الأولى، وتظهر معالم هذه الموجة المدمرة في ضياع بوصلة الإستراتيجيات العربية وضبابية الرؤى الآنية والمستقبلية على حد سواء لدى صناع القرار العربي في ظل استقطاب حاد لم تعرفه المنطقة العربية منذ استقلال دولها عن الاستعمار.

الادوار التي لعبتها دول الخليج العربي بدرجات متفاوتة في إذكاء الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا والنفخ في دخان التناقضات الاجتماعية والمذهبية في العراق واليمن، انتجت فضلا عن سقوط الاف الضحايا والمعاقين والمشردين وتدمير البنى التحتية وشلل المؤسسات، دمارا مروعا للنسيج المجتمعي والانساق الهوياتية لشعوب المتطقة، دون ان تنتج نموذجا يستحق اقل القليل من هذا الثمن الباهظ، وهذا ما سماه وزير الخارجية القطري الأسبق "فساد الطبخة" التي باشرتها بعض البلدان الخليحية الملكية في تشظي وتفتيت أشقائها العرب.
فشل الانقلابات التي قادها الخليجيون في المنطقة وتواصل حالة الغرق في وحل المستنقع السوري واشتداد انشوطة الشراك اليمني 
دفع الحلفاء التقليديين لدول الخليج إلى محاولة النأي بأنفسهم عن هذه الممالك بعد عقود من الصداقة مدفوعة الثمن التي لم تعد ذات اهمية بالنسبة للبلدان الغربية فسمحت بأساليب مختلفة لظهور ما كانت تخشاه ممالك الخليج من قبيل الانفتاح على المارد الإيراني وإثارة الادوار المزعومة لبعض الشخصيات الوازنة في هذه البلدان في دعم الارهاب وحتى استصدار قوانين تفرض طلب التعويضات كما حصل في حادثة لوكربي مع ليبيا قبل سنوات وتتسع هذه المؤشرات الدالة على نهاية عقود من الحميمية بين الغرب وخاصة الولايات المتحدة وبلدان الخليج، لتطال المواطنين الخليجين في هذه البلدان وما حوادث ولاية أوهايو إلا أمثلة لما يمكن ان يحدث لو رفعت الحكومات الغربية يدها من يد الخليج المفتقد لبوصلة التوجه في محيط عالمي متغير بوتيرة غير معهودة.
فقدان الرؤية الإستراتيجية يظهر بجلاء في التعامل مع الحالة المصرية والانخراط الجماعي في حرب مفتوحة دون غطاء أممي أو عربي ضد اليمن والغوص عميقا في الدوامة السورية التي تحرك خيوطها أطرافا أقوى وأقدر على صنع التحولات من البلدان الخليجية التي أثبتت لها الايام أن المال وحده عاجز عن صنع القرار في العلاقات الدولية خاصة في منطقة تتناقض فيها المصالح وتتضارب فيها الأهداف والإستراتيجيات.
بلدان الخليج -بقيادة السعودية- الغارقة حتى الآذان في مشاكلها الداخلية الناجمة عن الهبوط المتواصل لأسعار البترول والمتورطة في حروب سرية وأخرى علنية وتعيش حالة طلاق محزن مع حلفائها الغربيين وتتوجس خيفة من المارد الإيراني الذي يتمدد بعنجهية غير مسبوقة في النسيج السياسي والمجتمعي والعقائدي في الدول السنية مزهوا بانتصاره التاريخي على الحصار والعقوبات الغربية فضلت أن توسع االخرق باستعدائها الجزائر من خلال رسائل مباشرة وصلت حد التهديد، وهو ما لايمكن ان تقبل به الجزائر التي بعثت برسائل جوابية واضحة من قبيل إستقبال الرئيس الجزائري لوزير الخارجية السوري بعد أن رفض استقبال وزير الخارجية السعودي وإرسالها لوزير الشؤون المغاربية والعربية الجزائري إلى دمشق ورئيس الحكومة إلى موسكو في تعبير صريح عن رفض الجزائر للسياسات السعودية التي تريد فرضها على المنطقة العربية.

الخطوة السعودية التي دفعت دول الخليج إلى تبني موقف الداعم للاحتلال المغربي للصحراء الغربية في سابقة هي الأولى من نوعها في خرق سافر لالتزامات هذه البلدان تجاه القانون الدولي ونقض فاضح لقرارات وميثاق الأمم المتحدة التي تنص كلها على أن الصحراء الغربية إقليم لم تتم فيه تصفية الاستعمار وينبغي منح سكانه حقهم غير المشروط في تقرير مصيرهم بحرية، تزامنت مع حالة الحصار والعزلة التي تعيشها الرباط في الملف الصحراوي والتي باتت ظاهرة عالمية بدءًا بالاتحاد الافريقي ومروراً بالاتحاد الأوروبي والأمانة العامة للامم المتحدة،وصولاً إلى الولايات المتحدة وبريطانيا و هو مايفسر الخطاب العدواني لملك المغرب تجاه الولايات المتحدة وحالة التمترس والانبطاح في الورطة الخليجية مهما كلفت من أرواح الجنود المغاربة ومن ارتهان القرار السياسي لبلد ظل إلى زمن قريب دركي نشط توكل إليه إقامة المعتقلات السرية ومخابيء التحقيق خارج القانون التي تخجل الولايات المتحدة من إقامتها على أراضيها.
السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا يمكن أن تقدم دول الخليج للمغرب في الملف الصحراوي وهو على طاولة مجلس الامن؟ وماذا يمكن أن يقدم المغرب لدول الخليج في حالة التمدد الإيراني أو الورطة اليمنية التي باتت كابوسا لم تحسن السعودية تقدير صعوباته؟
الجواب يمكن تلمسه من خلال الاحجام الأردني عن مسايرة مغامرة العبث في سوريا واليمن أو من خلال تراجع دول كبرى عن توفير الدعم للمغرب بعد صراعه المفتوح مع الأمم المتحدة، ليبقى الغريق متمسكا بتلابيب الغريق.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *