-->

بانكيمــون يكشف النوايا الحقيقية للمغرب


لا يزال السجال قائما بين المملكة المغربية و الامم المتحدة، ممثلة في أمينها العامم بانكيمون، حول تصريحه الذي ادلى به لدى زيارته الى المنطقة في الفاتح من مارس الماضي والذي وصف فيه وجود المغرب في الصحراء الغربية بالاحتلال . على اثر ذلك، قام المغرب بطرد 84 موظفا من المكون المدني لبعثة للمينورسو والتي تكمن مهمتها في تنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية. وعلى الرغم من ان مجلس الأمن اصدر بيان صحفي عبر فيه عن انشغاله العميق لما آلت إليه التطورات الأخيرة في الصحراء الغربية، إلا انه لم يتخذ موقفا قويا بشان عودة الموظفين المطرودين.
جاء البيان الصحفي الصادر عن مجلس الأمن يوم 24 مارس بشان التطورات الأخيرة في ملف الصحراء الغربية على اثر إقدام المغرب على طرد 84 موظفا من المكون المدني، خفيف اللهجة، ولا يرد على سلوك المغرب السافر في تحديه لقرار مجلس الامن بحيث ان بعثة المينورسو جاءت إلى الصحراء الغربية بقرار من مجلس الأمن.
ولم تدخر فرنسا، الحليف الرئيسي للمغرب، وما جندت معها من دول، جهدا في التصدي لأي محاولة ترمي إلى استصدار قرار يلزم الرباط صراحة بعودة الموظفين المطرودين، بل حتى ان بعض اصدقاء المغرب، اساسا مصر والسنغال، بلغ بهم الامر الى حد توجيه الاتهام الى الامين العام بانه المتسبب في نشوب الأزمة الراهنة، وطالبوه بتقديم اعتذار عن تلفظه بكلمة احتلال. و مع ان الامين العام للامم المتحدة ترك الكرة في مرمى مجلس الامن للتعاطي مع التطورات الناجمة عن خرق المغرب للقرارات الصادرة عن مجلس الامن، الا ان المجلس انتهج في بيانه الصحفي ما اصبح يعرف " بالغموض البناء" بحيث يقوم كل طرف بتأويل ما ورد فيه لصالحه.
ففي الفقرة الثانية من الببان الصحفي، قام المجلس بالتذكير، دون ذكر اسم المغرب، بما هو معروف دوليا، وهو ان نشر قوات حفظ السلام من صلاحية مجلس الامن" واذ يذكر من جديد اعضاء مجلس الامن ان قوات حفظ السلام و بعثات اخرى نشرها المجلس للقيام بالمهمات الحرجة عبر العالم من اجل حفظ السلم والامن الدوليين". البيان يقول للمغرب بلغة ودية، ان القوات التي قام بطردها، مأموريتها تابعة لمجلس الامن، وليست تابعة للامين العام للامم المتحدة.
و في الفقرة الاخيرة يتجسد فعلا ما يسمى الغموض البناء بحيث جاء في الفقرة " شدد مجلس الامن على اهمية معالجة الظروف التي ادت الى الوضعية الحالية بطريقة بناءة وشاملة وتعاونية لكي تستانف المينورسو صلاحياتها التامة للقيام بماموريتها المنصوص عليها في العديد من قرارات مجلس الامن" وهنا نتساءل عن ما هية الظروف التي ادت الى الوضعية التي يقصدها مجلس الامن؟ هل هي رفض ملك المغرب استقبال بانكيمون، ام رد الامين العام على سؤال صحفي بالقول ان الصحراء الغربية محتلة، ام جاء نتيجة اسباب اخرى؟
ثم ان مجلس الامن لم يحدد الاطراف التي يناط بها معالجة الظروف التي أدت الى الوضعية الحالية، هل هو مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة، او مجلس الامن والمغرب، او مجلس الامن والمغرب والامين العام معا، ام المغرب والامين العام؟
خطورة غموض البيان تكمن في انه قد يوحي بربط عودة الموظفين المطرودين بمعالجة الظروف التي لم يحدد مجلس الامن طبيعتها.
في خضم هذا الغموض البناء، إذا كان ينظر الى بانكيمون على ان تلفظه بكلمة احتلال هي المسبب في الوضعية الحالية، فقد اعرب على لسان الناطق الرسمي باسمه ستيفان دوجاريتش عن تاسفه لسوء فهم استخدام كلمة احتلال وان ما صدر منه كان راي شخصي.في الواقع، بانكيمون كان يدرك ان المغرب اتخذ من كلمة احتلال "ذريعة" لطرد الموظفين الاممين، واراد، من خلال بيانه هذا، ان يجد له مخرج من ورطته، يمكنه من اعادة الموظفين الدوليين. كما قام بعد ذلك، في نفس السياق، ببعث رسالة شخصية الى ملك المغرب لم يُكشف عن مضمونها، الا انها على الارجح، تهدف الى عقد لقاء على أعلى مستوى من اجل حل الازمة. الرباط انتقدت الاعلان عن الرسالة واعتبرته تسريبا لا يحق للامين العام للامم المتحدة ان يقوم به، وهو ما يظهر ان المغرب ليس له اي نية في التعاطي مع الامم المتحدة والاسهام في انفراج للازمة.
كلمة احتلال... والنوايا الحقيقية للمغرب
قبل الخوض في نشوب الازمة بين المغرب والامم المتحدة، لا بد من العودة قليلا الى الوراء لمعرفة الاسباب الحقيقية التي ادت بالرباط استغلال كلمة احتلال لتقدم على طرد 74 موظفا من المكون المدني للمينورسو.
جدير بالذكر ان المغرب سحب الثقة من كرستفر روس المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة في مارس 2012، ثم تراجع عن قراره بعد إصرار بانكيمون على بقائه في منصبه. كما ان المغرب اوقف مسلسل المفاوضات منذ ذلك الحين، عندما ايقن انه ليس باستطاعته فرض ما يسمى بالحكم الذاتي كقاعدة للحل.وتجنب ملك المغرب استقبال كرستفر روس في كل الجولات التي قام بها الى المنطقة والتي كانت تهدف الى بعث مسار المفاوضات. بل اكثر من ذلك، لم يبدي محمد السادس اي استعداد لاستقبال الامين العام للامم المتحدة.
ملك المغرب كان يخشى من محتوى التقرير الذي سيقدمه بانكيمون نهاية شهر ابريل قبل انتهاء ولاية بعثة المينورسو، ومن شكوكه انه قد يتقدم بمقترحات لا تصب في مصلحته. لذلك كان لابد من تفادي لقاء مع الامين العام حتى لا ياخذ منه اي التزام باستئناف المفاوضات او بالانطباع انه يقبل مقترحات جديدة قد يتقدم بها.
لكن السؤال الذي يطرح لماذا المغرب كان يصر على لقاء باكيمون في يوليو وليس قبل ابريل؟ وهل بالفعل كان سيتم اللقاء المرتقب؟ الرباط كانت تروج للقاء بين ملك المغرب والامين العام للامم المتحدة بعد شهر ابريل حتى يتسنى لها التأكد ان التقرير لن يتضمن اي مستجدات لا تصب في صالحها. ومن المرجح ان الزيارة التي كان بانكيمون يزمع اجرائها للالتقاء بملك المغرب قد لا تلتام خاصة ان الرباط لا ترغب في إبداء التزام يدفعها باتجاه استئناف المفاوضات تحت ولاية الامين العام الحالي ومبعوثه الشخصي.
المغرب اتخذ من كلمة احتلال ذريعة للكشف عن نواياه الحقيقية المتمثلة في تقويض الاستفتاء في الصحراء الغربية من خلال طرد الموطفين المدنيين الاممين والابقاء على المكون العسكري لتكون مهمته الوحيدة الاشراف على وقف اطلاق النار. ثم تلاها التصريح علنا من قبل بعض المسؤولين المغاربة ان الحكم الذاتي هو الاطار الوحيد لحل قضية الصحراء الغربية.
ويسعى المغرب ان تشتد الازمة وان يكون هاجس اعضاء مجلس الامن الوحيد في شهر ابريل هوٍ عودة موظفي الامم المتحدة، وليس الامعان في سلوكياته الخطيرة والمتمثلة في رفضه اسقبال الامين العام للامم المتحدة وعدم رغبته في الانخراط في المفاوضات التي يطالب بها مجلس الامن. 
الي اين تتجه الامور
لا يمكن التنبؤ بما سيرد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة شهر ابريل، وما ستفضي إليه مداولات مجلس الامن بشان تقريره، ولا بالموقف الذي سيتخذه بخصوص طرد المغرب للمكون المدني للمينورسو، ان كان فعلا سيتبنى موقف في هذا الصدد. ما هو مؤكد انه اذا لم يتخذ مجلس الامن موقف صريح في القضية، فان مصداقيته ستتضرر بشكل كبير، بحيث ان سلوك المغرب المتمثل في انتهاك ميثاق الامم المتحدة سيشكل سابقة خطيرة في سجل الامم المتحدة، ما قد يتفتح المجال امام دول اخرى لسلك نفس النهج.
اذا لم يتخذ مجلس الامن موقف يلزم الرباط باعادة الموظفين المطرودين، فليس هناك ضمانات بان جبهة البوليساريو ستقبل ببقاء المكون العسكري، مما قد يفتح الباب على مصراعيه امام استئناف العمل العسكري.ما يعاب على مداولات مجلس الأمن الماضية هو أنها كانت مخيبة للامال بحيث انه لم يصدر، لا قرار و لا بيان، يطلب فيهما بوضوح من المغرب إعادة موظفي الأمم المتحدة الذين يتواجدون في الصحراء الغربية منذ 1991 بمامؤرية من مجلس الامن.
السوال المطروح هو هل ان مجلس الامن سيجدد الثقة في الامين العام للامم المتحدة و مبعوثه الشخصي ويطلب بالحاح عودة الموظفين الاممين المطرودين، ويحث الاطراف على استئناف المفاوضات المباشرة من اجل ايجاد حل سلمي وعادل ومقبول بين الطرفين يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير؟
ام ان مجلس الامن سيصدر قرارا يجدد من خلاله الثقة في الامين العام ومبعوثه الشخصي، ويأتي بصيغة مبهمة، على غرار بيانه الصحفي، تدعو الى موصلة الجهود لمعالجة ما اسماه " الظروف التي أدت الى الوضعية الحالية"؟ في هذه الحالة، فالمجلس لا يمكنه ان يدعو في تقريره، مثلما درجت عليه العادة، لمفاوضات بين الطرفين في غياب مكون المينورسو المدني.
اذا تحقق السيناريو الاخير يكون مجلس الامن قد ربط عودة الموظفين الامميين باعتذار بانكيمون، كما يطلب المغرب. وفي حالة ما لم يحصل هذا، فان الموظفين لن يعودا إلى غاية انتهاء عهدة بانكيمون، وربما لن يعودوا، لان نوايا الرباط الحقيقية تهدف الى تفكيك المينورسو.
ان السلوك الشاذ الذي ينتهجه المغرب، والذي غالبا ما يفضي إلى أزمات، ما كان ليقوم به لولا ادراكه من تلقي دعم وحماية، بعض الدول، خاصة فرنسا.ولا شك ان الأزمة التي خلقها المغرب مع الحكومة السويدية لثنيها عن تلبية مطلب برلمانها القاضي بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية، وقطع الاتصالات مع الاتحاد الاوروبي بعدما تبنت المحكمة الاوروبية قرار يطالب الجكومات الاوروبية بالغاء جانب اتقاق الزراعة مع المغرب كونه يشمل الصحراء الغربية، والازمة الراهنة مع الامم المتحدة ممثلة في شخص امينها العام، كلها ازمات توضح العزلة التي يعيشها المغرب والإحراج الكبير الذي بات يشكله لأصدقائه.
والسؤال الذي يطرح هو هل ان المغرب سيظل يحظى بدعم اصدقائه، خاصة فرنسا، في كل الأزمات التي يخلقها، وهل ستسمح هذه الدول لنفسها ان تظل دائما عرضة لما يسببه لها المغرب من إحراج على المستوى دولي؟
بقلم: بلة لحبيب ابريكة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *