-->

حـــــــــــرية التعبير وعبودية الصمم


قديما قال الشاعر العربي أبو طيب المتنبي:
أنا الذي نظر الاعمى الى أدبي
وأسمعت كلماتي الى من به صمم.
استحضرت هذا البيت الشعري ونحن نعيش اجواء اليوم العالمي لحرية التعبير المصادف للثالث من ماي من كل سنة لأ تحدث عن واقع الرأي و الرأي الأخر عندنا من خلال تجربتنا الوطنية كحركة شعبية تنزع الى تحرير الوطن السليب من جهة ودولة في طريق البناء المؤسساتي من جهة أخرى ولو بأفكار زئبقية تترنح في ثنايا جدلية الحركة والدولة،فلا الحركة تركت لسبيلها من أجل تحقيق اهدافها، ولا الدولة بنيت بناءا سليما يكون كفيلا بتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية المنشودة،وأكثر مايقلقني في ظل لعبة الشد والمد بين السياسة المقهورة والإدارة المسيطرة أن تنطبق علينا قصة الغراب الذي فشل في تقليد الحدأة في طريقة سيرها ونسي طريقة سيره الأصلية،وتلك هي الطامة الكبرى.
وبصراحة أنا من أشد المعجبين بالمستوى الذي وصلت اليه حرية التعبير لدينا في ظل بناء مؤسساتي بطئ جدا بسبب النظرة السلطوية للبناء وآلياته القائمة على تمجيد الكم على حساب الكيف،ويمكن القول بأننا قطعنا خطوات هامة في هذا الإتجاه،خطوات لم تصل إليها دول قائمة منذ أمد طويل،ولو أن هذا المكسب لم يأتي كهدية من سماء (الحركة-الدولة) بل جاء كنتيجة حتمية للتطورات التي عرفها العالم بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط المعسكر الإشتراكي مما انعكس على جبهتنا الداخلية،فكانت احداث 88 نقطة التحول في الانفتاح الديمقراطي لدينا،انفتاح شكلت فيه حرية التعبير أهم سمات الانتقال السياسي من حكم القبضة الحديدية الى نظام ديمقراطي في الشعارات وإماراتي في الممارسة،فأصبحت حرية التعبير أسيرة لعبودية صمم ولات الامور الذين حولوا مشروع الدولة الى إمارات صحراوية متحدة،فبالرغم من كل الدعوات الى اعادة النظر في مشروع السلام الاممي الذي جثم على قلوبنا وعقولنا لاكثر من خمس وعشرين سنة،ورغم كل الاصوات المنادية بحتمية التغيير في سياساتنا التي أنجبت حزب الرخاء الغير معلن والذي حول مشروع الدولة الى مجرد بقرة حلوب ترملت بقتل الثور والثورة الطويلة الامد والتي أستبدلت بالمينوريسو الذي عمر اكثر من ربع قرن الى درجة أن أصبح وجوده يعني النصر وفقدانه يعني الهزيمة، ولا نستغرب إن كرر على مسامعنا أحد زعماء حزب الرخاء ذات يوما هذا الشعار(المينورسو...المينورسو...الا ايبوسني والا انبوسو))،فلا تزال عبودية الصمم تسيطر على حربة التعبير وتجعل منها مجرد ديكورا إعلاميا للاستهلاك في الداخل والخارج لا اكثر ولا أقل.
إن حرية التعبير التي مكنت الشاعر أبو طيب المتنبي من إسماع صوته الى الصم من حكام عصره كانت نتيجة حتمية لرغبة الحكام في تحقيق رغبات رعيتهم وخوفهم من غضب الرعية جعلهم في انصياع دائم لكل الاراء التي من شأنها خلق فعالية وديناميكية في أجهزة الدولة ومؤسساتها مما يدفعها الى التقدم والرقي،في حين تواجه حرية التعببر عندنا بعبودية الصمم،فلا صوت يعلو فوق أصوات بطانة السوء لولاة امورنا،بطانة لاهم لها إلا ملأ بطونها التي ستجوع حتما حين تصبح لحرية التعبير آذانا صاغية لا صمم بها ولا عوج، و حين تكسر الرعية حاجز الخوف الذي سكنها أيام حكم القبضة الحديدة.
بقلم الاستاذ:التاقي مولاي ابراهيم.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *