-->

الموت القادم من البحر,في ظل أزمات مصر المتلاحقة


تشهد مصر منذ انقلاب جويلية 2013.الذي قاده وزير الدفاع المصري في عهد الرئيس الأسبق المحكوم عليه بالإعدام محمد مرسي العياط,عبد الفتاح السيسي الذي أصبح فيما بعد مشيرا ثم رئيسا لجمهورية في انتخابات صورية على الطريقة الهزلية العربية المعروفة,وتدخل مصر بعدها في دوامة متلاحقة من الأزمات الاقتصادية والهزات الاجتماعية الارتدادية,وسط ارتفاع نسب البطالة التي أصبحت مستشرية في أوساط الشباب الذي يشكل الغالبية الكبرى من الشعب المصري الشقيق,وأدى الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري إذ بلغ حوالي 13جنيها مصريا بعدما كان حتى وقت قريب في حدود 7جنيهات لا غير,والأمر مرشح لتصعيد,وكذلك لجوء الحكومة المصرية إلى القيام بإصلاحات اقتصادية صعبة ومكلفة وسيكون لها تداعيات وتبعات اجتماعية قد تؤدي إلى حدوث حرب أهلية أو عملية عصيان مدني جماعي وسط رفع لأسعار الكهرباء والغاز,والرفع الحكومي التدريجي لما يسمي الدعم على المواد الاستهلاكية الأساسية,وفرض البرلمان المصري في كل مرة لضرائب جديدة أصبحت تثقل كاهل المواطن البسيط المسحوق,كل هذه الإجراءات والتي كانت احد الشروط الأساسية التي فرضها صندوق النقد الدولي ورئيسته كريستين لاغارد على عبد الفتاح السيسي من اجل إعطاءه قرضا بقيمة12مليار دولار .
النظام المصري الذي لجا إلى المجتمع الدولي من اجل اخذ الشرعية المفقودة فشل أمام عدة اختبارات صعبة تم وضعه فيها,كان أبرزها ربما عدم تحقيقه لنتائج اقتصادية تحفر الاستثمار الأجنبي واليات عمله في مصر,إذ أن هناك مجلات اقتصادية عريقة ومرموقة في المجال الاقتصادي كفورين بوليسي والاكونومست البريطانية قد حذرت في عدة تقارير لها المستثمرين الأجانب والدوليين والشركات المتعددة الجنسيات من الاستثمار في الاقتصاد المصري,في ظل الأوضاع الحالية والراهنة,وهذا ما وجه صفعة قوية إلى منظومة الحكم في القاهرة,ومن يدعمها ويمولها من دول وحكومات وأجهزة,وبالإضافة إلى المأزق الاقتصادي الغير مسبوق في المحروسة منذ هزيمة 1967امام الصهاينة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ,يعاني النظام السياسي والأمني المصري من انتقادات بالجملة وجهتها له المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية,كمنظمة العفو الدولية وغيرها وأخرها هو التقرير الصادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان,والتي مقرها في العاصمة البريطانية لندن,والتي اتهمت هذا النظام في أخر تقرير لها والصادر قبل أيام بأنه قد قام بسجن وتعذيب مالا يقل عن 65الف معتقل ومعظمهم من سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين وأكد ذات التقرير في احد فصوله وملاحقه حدوث حالات إخفاء قصري عما يزيد عن 37 معتقلا كانوا في سجون المعتقلات منذ مذبحة ميدان رابعة العدوية الذي كان مجزرة إنسانية مروعة في تاريخ الإنسانية جمعاء,والتي حدثت في سنة2013,أي بعد نجاح الانقلاب العسكري بفترة زمنية معقولة,عندما كان هؤلاء المفقودين محبوسين في احد المعتقلات التابعة لمخابرات العسكرية المصرية,وكذلك فقد وجهت انتقادات لاذعة إلى الأحكام الجزافية بالإعدام والصادرة عن محاكم القضاء العسكري في حق مدنيين لا سوابق عدلية لهم وغير مسبوقين قضائيا,وذلك في تهم ملفقة بالإرهاب كخلية أبناء الشاطئ والعمرانية وربما ابرز هذه القضايا التي تم فيها الحكم بالإعدام على شباب مصريين من خريجي ارقي الجامعات في القاهرة,يجمع بينهم أمر واحد وهو معارضتهم للحكم العسكري,والانقلاب على أحكام الدستور وإجهاض أول تجربة ديمقراطية حقيقة فيها منذ 1952,وهذه القضية التي تعرف إعلاميا بالخلايا الإرهابية الخاصة,والتي صادق فيها وزير الدفاع المصري الفريق صدقي صبحي بالإعدام على 8متهمين مدنيين بما فيهم الدكتور الجامعي الذي استقال احتجاجا على الفساد المستشري في الجامعات المصرية الأستاذ احمد عبد الباسط,وذلك قبل عامين وذهب للعيش في احد البلدان الأوروبية ليجد نفسه فجأة متهما بقيادة هذه المجموعة الإرهابية الوهمية,والقضية تقع تحت رقم 174-2015,ومصر ربما هي الدولة الوحيدة عالميا التي مسموح للقضاء العسكري تعسفا أن يحاكم المدنيين. دون الرجوع إلى المحاكم العادية.
وما زاد الطين بله هو الحادثة التي وقعت يوم الأربعاء الماضي,عندما غرقت احد السفن المخصصة لتهريب البشر وعلى متنها حوالي 600شخص حسب أقوال وكالة رويتر للأنباء,ولم تستطع فرق الإنقاذ التي وصلت متأخرة جدا ولم تستطع بالتالي أن تنقذ الجميع,حيث غرقت السفينة الساعة 5صباحا ,ولم تتحرك قوات خفر السواحل والجيش والحماية المدنية ,إلا حوالي الساعة 8صباحا حسب أقوال السيد مصطفى عبد الحميد وهو محامى وناشط حقوقي على مستوى محافظة كفر الشيخ المصرية أين غرقت السفينة التي كان على متنها إلى جانب الرعايا المصريين لاجئون من الصومال والسودان وسوريا ,وحسب التصريحات الرسمية فانه لم ينجو من تلك المأساة سوى 154ناجيا من بينهم 96مصابا,إضافة إلى انتشال جثة 44شخصا منهم نساء وأطفال كانوا ضمن الركاب,أما جثث البقية فلم يتم العثور عليها لحد الساعة,يحدث كل هذا في ظل إعلان الجيش المصري عن توقف عمليات البحث والإنقاذ لصعوبة الموقف ولتضاءل فرص النجاة لمن هم في عرض البحر بان يظلوا على قيد الحياة من ركابها.
يحدث كل هذا وسط تكتم إعلامي شديد وإجراءات أمنية مشددة في المستشفيات الواقعة في محافظات كفر الشيخ والبحيرة من طرف الأجهزة الأمنية والتي تمنع تسريب أي معلومة عن حقيقة عدد الوفيات أو المصابين للعلن ولأجهزة الإعلام,في ظل انعدام شبه كلى للرعاية الصحية الأزمة ,وعدم وجود مرافق مجهزة لاستقبال المصابين,وجدير بالذكر بان المستشفيات الواقعة في مدن الرشيدية وكفر الدوار والمحمودية,وأبو حمص والتي اضطر وكيل وزارة الصحة إلى الاستعانة بها نظرا للعدد الكبير من المصابين والوفيات المسجلة ,إذ أن اقرب هذه المستشفيات كما يقول الأستاذ الصحفي في محافظة البحيرة محمود منصور يبعد بحوالي 40كلم عن محل الحادث.
وهذه المستشفيات أصلا عدد الأسرة في غرف الإنعاش غير كافي إذ لا يزيد عدد الأسرة في أفضل الأحوال عن 10في كل مشفى,أما الناجون فقد تم اعتقالهم واحتجازهم في أقسام الاحتجاز في الرشيدية وغيرها,وفيهم نساء وأطفال وسط معاملة اقل ما يمكن أن توصف به بأنها مذلة وغير أدمية,ومنع إدخال الحاجيات الضرورية لهم من مأكل ومشرب وملبس ,والغريب في الأمر بان البيان الذي أصدره المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية الفريق محمود حجازي ,والتي حاول من خلالها تبرير ما حدث بأنه إفشال لمحاولة هجرة غير شرعية نحو السواحل الايطالية,أدت إلى وقوع ضحايا مدنيين,ولكنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى اعتقال أي ممن تورطوا في هذه الجرائم الغير إنسانية والتي تخالف المواثيق الدولية ,ويقع صاحبها ضمن طائلة المتابعات القضائية والجنائية بتهم العمل في التهريب والمتاجرة بالبشر,وهذا ما يطرح عدة تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة,حول ما بات يطرحه العديد من الساسة ورجال الإعلام والمختصين في هذا الشأن داخل مصر وخارجها,عن وجود عصابات ومافيات منظمة متخصصة في التهريب والهجرة الغير الشرعية تنشط على مستوى خط المدن الساحلية كالإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ وبورسعيد وبان هناك فسادا مستشري داخل البناء الهيكلي التراتبي في خفر السواحل وحرس الحدود المصرية,وهذا ما يسهل عمل هؤلاء المهربين ويوفر لهم غطاءا امنيا للعمل مقابل مبالغ مالية طائلة يدفعونها كرشاوى لهؤلاء الضباط والعساكر العاملين في هذه الأجهزة الأمنية السيادية إلى حد بعيد.
فالأوضاع إذن باتت خطيرة ومقلقة في مصر في ظل تضارب واختلاف بين التصريحات الرسمية الحكومية المصرية والتي كان أخرها الخطاب الذي ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من داخل مبني الأمم بنيويورك ,وأكد فيه على دور مصر المحوري إقليميا والريادي في محاربة الهجرة الغير الشرعية والاتجار بالبشر وبان بلاده تستضيف ما بربو عن 5 ملايين لاجئ بين مسجلين رسميا في الدوائر الحكومية والغير مسجلين ,وتؤويهم وتوفر لهم كل سبل العيش الكريم,وهذا ما تكذبه التقارير المصرية منها تقرير مفوضية ألاجئين في مصر,إذ قالت بان عددهم لا يتجاوز في أحسن الأحوال 185الف لاجئ وهذا الكلام نقلته وسائل إعلام مصرية منها اليوم السابع والوطن.
إذن بالنظر إلى ما تم ذكره آنفا فان هناك واقعا سياسيا واقتصاديا وامنيا كارثيا بات يدق ناقوس الخطر بالفعل,ويهدد امن واستقرار الدولة التي تشهد عمليات إرهابية شبه يومية في منطقة سيناء ,أدت إلى سقوط العديد من أفراد القوات المسلحة وجهاز الشرطة بين قتيل وجريح,على يد جماعات إرهابية مسلحة أبرزها تنظيم بيت المقدس وداعش ,فالقيادة المصرية مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى الإسراع في إيجاد حلول غير تقليدية وجذرية وعملية لانتشال مصر مما هي فيه,قبل حلول الطوفان السياسي الذي سيطيح برؤوسها لا محالة في نهاية المطاف.
عميرة أيسر-كاتب جزائري

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *