-->

المنطلقات المؤسسة لإلغاء اتفاقية المنتوجات الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي


بالرغم من الوضع المتقدم الممنوح للمغرب من قبل الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يساهم في تمكينه من إرساء دعائم حقيقية للتعاون البناء وخلق تكامل حقيقي في الميادين الاقتصادية والسياسي والأمنية بين الجانبين، ويبرز ذلك من خلال الخلافات التي تظهر بين الطرف المغربي ونظرائه الأوروبيين، مثل اسبانيا (الخلاف على الوضعية السياسية لمدينتي سبتة ومليلية)، فرنسا (الخلافات في المجال القضائي من خلال رفض المغرب متابعة مسؤول الأمن الداخلي جراء دعاوى تعذيب مرفوعة ضده في المحاكم الفرنسية، نجمت عنها أزمة صامتة بين البلدين انتهت بتعديل لاتفاقية الامنية، بكيفية لم تسمح بتضمين المقترحات المغربية بها)، بلجيكا (الخلافات حول وضعية المتقاعدين المغاربة وعدم تسوية وضعيتهم الإدارية والمالية، التي انتهت بتوقيع اتفاقية الضمان الاجتماعي لا تشمل إقليم الصحراء الغربية ). وإن كان الجانب الأكبر من الخلافات تحظى به قضية الصحراء الغربية من خلال القضايا التي تثيرها كل من بريطانيا وإيطاليا والسويد...إلخ، والتي تهم مجالي حقوق الإنسان والثروات الطبيعية.
وارتباطا بالمجال المتعلق بالثروات، الذي كان موضع اتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال شهر مارس سنة 2012، حيث همت من بين الأقاليم المشمولة بهذا الاتفاق إقليم الصحراء الغربية، وهو ما أثار جدلا قانونيا وسياسيا كبيرا، عبرت عنه جبهة البوليساريو مدعومة من قبل نواب أوروبيين ومنظمات غير حكومية معنية بحماية الثروات في المناطق موضع التنازع، حيث قدمت جبهة البوليساريو طعن في هذا الشأن خلال نونبر 2012 تطالب بإلغاء الاتفاق باعتباره يشمل مجالا جغرافيا يعرف وضعية نزاع دولي لم تجد بعد طريقها للحل. وهو ما يمثل مسار موازيا يدعم الاستشارة القانونية في مجال ثروات الصحراء الغربية التي أعدها المستشار القانوني السابق للأمين العام للأمم المتحدة السيد "هانس كوريل" سنة 2002 بطلب من مجلس الأمن الدولي، أكد من خلالها على عدم شرعية استغلال الموارد الطبيعية للصحراء الغربية دون استشارة الساكنة واستفادتها من عائدتها.
لقد ارتكزت الدعوى المرفوعة من قبل جبهة البوليساريو قصد إلغاء اتفاقية المنتوجات الفلاحية والبحرية، على احترام الشرعية الدولية، بتأكيدها على عدم إدراج المنتوجات القادمة من الصحراء الغربية ضمن المجال الجغرافي الذي يشمل الاتفاقية، وهو ما تم الاستجابة له من خلال الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الأوروبية يوم 10 دجنبر 2015، بتنصيصه على رفض هذا الاتفاق باعتباره لم يستحضر البعد القانوني والسياسي لإقليم الصحراء الغربية. وترتبط المنطلقات المؤسسة لإلغاء الاتفاقية الزراعية والبحرية بين المغرب والاتحاد الأوروبي على مايلي:
أولا: استحضار وضعية النزاع حول إقليم الصحراء الغربية: تشكل قضية الصحراء الغربية بؤرة توتر بالمنطقة المغاربية التي رُهن بفعل نزاعها مستقبل أجيال بالمنطقة، أحد العوامل الأساسية التي استند عليها القاضي الأوروبي حكمه، نظرا لوضعها السياسي والقانوني الذي لازال يعرف نزاعا بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، ومن شأن عدم التعجيل في إيجاد حل لهذه القضية يتماشى وفق مقررات الاتحاد الأفريقي وقرارات الأمم المتحدة القاضية "باعتماد حل يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية" أن يؤثر في بلوغ الرهان التنموي حسب الزمن السياسي المطلوب، خاصة أمام تباعد أطروحتي أطراف النزاع "المملكة المغربية/جبهة البوليساريو، حيث تتشبث الأولى بمقترح الحكم الذاتي للإقليم تحت السيادة المغربية (المقدم للأمم المتحدة سنة 2007)، في حين يتمسك الطرف الثاني بمقترح تقرير مصير عن طريق آلية الاستفتاء (المقدم للأمم المتحدة سنة 2007). 
أمام هذا الوضع الذي يعرفه إقليم الصحراء الغربية والذي يتميز باستمرار النزاع حولها، فرض على القاضي الأوروبي عدم تمرير الاتفاقية ووقف سريانها إلى حين توفر حيثيات قانونية تسمح باعتماد اتفاق يحترم القانون الدولي.
ثانيا: التأكيد على ضرورة حضور جبهة البوليساريو كطرف في الاتفاقية: يستنتج من هذا الحكم القضائي أن قضاة المحكمة الأوروبية أشاروا بشكل ضمني إلى أن المنتجات الفلاحية والبحرية والمعدنية القادمة من الصحراء الغربية لا يتمتع المغرب فيها بصلاحية التقرير بمفرده دون موافقة جبهة البوليساريو على تضمينها في الاتفاقية، وهذا يعد من الأسس التي اعتمدت عليها جبهة البوليساريو في الطعن الذي تقدمت به خلال نونبر 2012، من خلال مطالبتها بالوقف الفوري لاستنزاف هذه الثروات بكافة أنواعها البرية والبحرية والجوية (الطاقة الريحية/ الطاقة الشمسية)، كون المملكة المغربية لا تتمع بالقوة القانونية والسياسية لإدراج إقليم متنازع عليه ضمن الاتفاقيات الدولية المرتبطة بمنتجات تستخرج من هذه المنطقة. 
هذه الإشارة من قبل القضاة الأوروبيين إلى ضرورة استشارة جبهة البوليساريو وحضورها كطرف في الاتفاقية، تمثل تقوية لحجج جبهة البوليساريو بمطالبتها وقف الاستمرار الفوري لكافة الشركات العاملة في استغلال الموارد التي تزخر بها هذه المنطقة، قبل التوصل إلى اتفاق يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، بما يتوافق مع الشرعية الدولية ينهي معاناة اللاجئين الصحراويين بمخيمات تندوف، ويجمع شملهم بذويهم في الصحراء الغربية وبما يحفظ الاستدامة للموارد والثروات التي تزخر بها المنطقة.
ثالثا: استحضار البعد المرتبط باستفادة ساكنة الصحراء الغربية من عائدات ثروات المنطقة: استند قضاة محكمة العدل الاروبية في حكمها الابتدائي على ضرورة استفادة ساكنة المنطقة من العائدات المترتبة عن استغلالها بعد استشارة الساكنة وموافقة ممثلها، يأتي ذلك بعد استناد الحكم القضائي على الاستشارة القانونية للمستشار القانوني هانس كوريل للأمين العام للأمم المتحدة سنة 2002.

وقد كشفت العديد من التقارير الدولية الصادرة عن بعض المنظمات الحكومية المهتمة بمجال الثروات، بكون ساكنة إقليم الصحراء الغربية لا تستفيد من عائدات ثروات المنطقة، ومن بينها تقرير المرصد الدولي لحماية ثروات الصحراء الغربية لسنة 2014 (يتخذ من بلجيكا مقرا له)، الذي أكد على:" أن الساكنة الصحراوية لا تستفيد من عائدات الثروات المستغلة بالمنطقة البحرية منها والمعدنية، ولا يتم استثمار عائداتها في النفوذ الترابي للصحراء الغربية، كما لا تتمتع الساكنة بشروط الرفاه الاجتماعي..."، وهو ما دفع بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية عبر وزارة خارجيتها خلال سنة 2014 وسنة 2015 بالمطالبة بضرورة مراقبة صرف المساعدات المالية الممنوحة للمغرب والصحراء الغربية للتأكد من استفادة الساكنة منها.

يبرز هذا الاستثناء المرتبط بعدم استفادة ساكنة الصحراء الغربية، من خلال ضعف استقطاب الإدارات المعنية بثروات المنطقة البحرية (مكتب للصيد البحري) والمعدنية (المكتب الشريف للفوسفاط ) والفلاحية (وزارة الفلاحة والصيد البحري) لحاملي الشهادات (التقنيين/ المجازين/ الماستر). حيث يتضح ذلك بشكل جلي، من خلال إقصاء حاملي الشهادات الجامعية والتقنية من عمليات التشغيل التي تقوم بها الإدارات المشرفة على تدبير ثروات المنطقة، وكان أخرها عملية تشغيل 1270 شخص ضمن المكتب الشريف للفوسفاط التي أعلن عنها مديره العام السيد "مصطفى التراب"، حيث تم اعتماد معايير وتخصصات لا تتوفر بنياتها في المعاهد المحدثة بالإقليم، وهو ما يعني استهدافا مباشر لإقصاء حاملي الشهادات من أبناء المنطقة، وقد انتهت نتيجته بإقصاء مباشر وممنهج للمتبارين الصحراويين، وبالتالي حرمانهم من الحصول على مناصب وظيفية بشركة فوسبوكراع بمدينة العيون (الصحراء الغربية).

عموما، فإن هذا الحكم القضائي الذي ألغى اتفاقية المنتوجات الفلاحية والزراعية يشكل منعطفا هاما في مسار قضية الصحراء الغربية، من شأنه التأثير على بقية الجوانب الأخرى الموازية لفعالية التأثير في هذا النزاع خاصة منها الجوانب السياسية والقانونية والحقوقية، من قبل الدول المعنية بالدفاع عن هذه القضايا. ومن شأن ذلك التأثير أيضا على مسار القضية في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وأصدقاء الصحراء الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية/ روسيا/ فرنسا/ بريطانيا/ الصين/ اسبانيا).



وإن كان المغرب قد قدم طعن ضد الحكم القضائي للمحكمة الأوروبية مدعوما من بعض الدول المستفيدة من هذا الوضع كفرنسا واسبانيا...، فإن نجاحه في إلغاء هذا الحكم الابتدائي يرتبط أساسا بطبيعة الحجج التي سَيُدعم بها ملف الطعن، خصوصا وأن تأسيس الحكم الابتدائي للمحكمة الأوروبية ارتكز على عدم إقحام إقليم الصحراء الغربية في أي اتفاق يخص المغرب وشركائه الأوروبيين، بالإضافة إلى عدم اشتمال الاتفاقات المقبلة بين الجانبين (المغربي والأوروبي) للمنتوجات القادمة من إقليم الصحراء الغربية خاصة منها البحرية والفلاحية والمعدنية (الفوسفاط)، لكونها تخالف الشرعية الدولية والقانون الدولي، وإن كان المرجح هو تكريس الحكم الابتدائي من قبل محكمة الاستئناف الأوروبية، باعتباره مؤسس على حجج يؤطرها القانون الدولي ولا سبيل لتجاوزها قضائيا، وما يؤكد هذا التحليل استنتاجات المدعي العام لمحكمة العدل الأوروبية السيد "ميلكيور واتليت" يوم 13 شتنبر 2016 "أن الاتفاق الفلاحي لا ينطبق على الصحراء الغربية باعتبارها "غير تابعة لتراب المغرب"، وهو الأمر الذي نوهت به جبهة البوليساريو معبرة في بيان لها نشر يوم 14 شتنبر في وكالة أنبائها عن استعدادها للمناقشة "الصريحة والصادقة" مع المجلس والمفوضية الأوروبيين حول مسألة الثروات الصحراوية. ومن شأن هذا الحكم أن ينعكس على القضية المرتبطة باتفاقية الصيد البحري المعروضة أيضا على أنظار المحكمة الأوروبية، بعدما كانت موضع اتفاق آخر بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال سنة 2013 طعنت فيه جبهة البوليساريو خلال نفس السنة.
بقلم: الولي محمد اسماعيل

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *