-->

زيارة جون كيري للبحرين بين ترحيب المعارضة وتخوف السلطة


شهدت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلي البحرين والتقاءه بعدد من رموز المعارضة في العاصمة المنامة تخوفا لدي السلطات البحرية من دعم الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد احد أهم حلفاء البحرين بل الشريك الاستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه,فوزير الخارجية الأمريكي عندما زار البحرين كان وجه ربما لوما أو انتقادا للمعارضة ومختلف أطيافها وتشكيلاتها السياسية فالمعارضة البحرينية لم تشارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة,وهذا يعكس الانسداد السياسي الحاصل في هذا البلد والرغبة الأمريكية في لعب دور الوسيط بين السلطة والمعارضة لإيجاد حل وسط ,فاللقاء الأمريكي مع وفد المعارضة والذي دام حوالي 45دقيقة ردت فيه المعارضة البحرينية علي الاستفسار الأمريكي بعدم مشاركتها في العملية الانتخابية البرلمانية بأنها تريد توفير أجواء حقيقية والإفراج عن الزعماء والقادة السياسيين ووقف حملة السلطات الملكية البحرينية لإسقاط الجنسيات علي كل من يعارض النهج السلطوي التعسفي والمغالاة في استعمال القوة ,وبررت موقفها لجون كيري بأنها مستاءة جدا من وصف السلطات لها بأنها معارضة إرهابية تنفذ أجندات خارجية إقليمية دون تقديم أدلة أو تبريرات كافية وقانونية دون أن تتطرق إلي خطر داعش الإرهابي نهائيا,وجون كيري في المقابل ابدي تفهما لمخاوف وهواجس المعارضة البحرية وتوعد رموزها بأنه سيقوم بحث الحكومة البحرينية علي تبريد الأجواء السياسية المشحونة سياسيا والإفراج عن القيادات الحزبية والنضالية المسجونة وأبرزها الشيخ علي سلمان وإبراهيم شريف لكنه لم يقدم أي تأكيدات علي أن السلطات ستستجيب لذلك.
فوزير الخارجية الأمريكي خلال اللقاء لم ينفي ادعاءات المعارضة بان هناك انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في البحرين ولكنه فضل عدم الصدام المباشر مع سلطات المنامة وأكد علي ضرورة الالتفاف حول الحل السياسي كما يحدث في سوريا واليمن وليبيا ,ويعتبر ملف حقوق الإنسان من النقاط السوداء في الممارسات القمعية لنظام الملكي,فتقارير المنظمات الدولية الغير حكومية والتي تصنف المملكة بأنها من أكثر دول الشرق الأوسط انتهاكا لحقوق الإنسان ,ومنظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر مؤخرا عن الانتهاكات الإنسانية لحقوق الفرد الأساسية في بلدان الخليج العربي وعلي لسان السيد جيمس نائب مدير الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية إذ أكد علي أن المعارضة البحرية تتعرض لانتهاكات جسيمة ,علي يد قوات الأمن والشرطة البحرينية فهي قد حكمت علي المعارض إبراهيم الشريف لمجرد انه دعي إلي الإصلاح في خطاب وهو يعد هجوما شائنا علي حرية التعبير فلا يحق لأي شخص أن يعبر عن رأيه بصراحة فالسلطات البحرينية قد سعت لقمع حرية التعبير والترويع والاعتقال التعسفي لمدة غير محدودة وقد قامت الحكومة بحسب تقرير منظمة العفو الدولية بإلغاء جنسياتهم ونفيهم إلي خارج البلاد مما جعلهم يعيشون بدون جنسية فخلف طرق السيارات السريعة وحلبات النصر تتواري حكومة تقيد أي مصلح معارض لنظام الحكم فيها وقد قامت في الأشهر الماضية بتصعيد الاعتقالات والتضييق علي رموز المعارضة.
فتاريخ السلطات البحرينية الغير مشرف في مجال التضييق علي حقوق الإنسان جعل الكثير من المعارضين السياسيين فيها أمثال السيد علي الأسود القيادي في جمعية الوفاق البحرينية المقيم في بريطانيا يفضلون اللجوء السياسي في دول الغرب علي البقاء في البحريين التي أصبحت دولة دكتاتورية رغم الانتخابات البلدية والبرلمانية التي تشهدها ووجود دستور للبلاد كل هذه الإجراءات ومظاهر الديمقراطية الخادعة كما يري الأستاذ رضا الموسوي أمين عام جمعية وعد البحرينية ليست إلا محاولة من طرف ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي أل خليفة لإيهام المجتمع الدولي بان هناك ديمقراطية في بلاده وانه يسمح لشعبه باختيار نوابه في البرلمان ومن ينوب عنه في إصدار الأحكام والتشريعات التي تنعكس سلبا أو إيجابا علي واقعه ولكن من يدقق في خبايا الأمور ودهاليزها يري بان البحرين تفتقد إلي ادني مقومات الدولة الديمقراطية لان كل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ليست إلا أدوات ووسائل تستعمل بطريقة برغماتية لإملاء ما تراه السلطة مناسبا ليس بما يخدم المصلحة العامة لدولة وإنما بما يضمن بقاء ونفوذ العائلة الحاكمة متمثلة في سلطة الملك.
فالمعارضة البحرينية التي لطالما ظلت تطالب بان تنتقل سلطات الحكم إلي رئيس الوزراء وان يكون للملك سلطة تقديرية أو شرفية كما يحدث في الديمقراطيات الغربية علي غرار بريطانيا ,وهذا ما لا ترضاه السلطات الحاكمة لأنه لا يخدم مصالحتها في السيطرة علي البلاد ونهب ثرواتها ولو حدث وأصبحت البحرين مملكة دستورية فان القضاء سيصبح مستقلا وبالتالي سيبدأ في فتح ملفات الفساد ألكبري وأهمها صفقات السلاح التي تذهب عمولاتها إلي حسابات سرية لملك وحاشيته في بنوك سويسرا وأوروبا وهذا ما تقوله المعارضة البحرينية ,ولا يقتصر الفساد علي ذلك بل حتى مجلس النواب المنتخب حسب السلطات شهد فضيحة فساد مدوية وهذا ما كشف عنه النائب البحريني المعارض جاسم ألسعيدي لصحيفة بحرينية محلية نشرت بتاريخ 18من شهر ماي سنة2014والتي تورط فيها 9نواب في البرلمان البحريني قاموا باستملاك قطع أراضي في منقطة البساتين وتصنيفها علي أنها سكنية من اجل زيادة سعرها بحوالي 3اضعاف,وتصنيف المنطقة علي أنها تجارية رغم طبيعتها الزراعية في مجلها,فالسلطات البحرينية التي أحرجتها هذه الحادثة كثيرا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي لازالت تتستر علي الفساد في هذا المجلس إذ رغم هذه الفضيحة وتبعاتها فان التقرير المالي لمجلس النواب البحريني سنة 2014-2015اكد علي عدم وجود أي ثغرة أو أي فساد مالي لأي من أعضاءه,وهذا بحد ذاته جريمة قانونية كان من المفروض أن يعاد التحقيق فيها ويقدم المسئولون عنها للمحاكمة,فالسلطات البحرينية عوض الاهتمام بمحاربة الفساد المالي والإداري وبناء مجتمع حر وإقامة نظام ديمقراطي تشاركي يضمن لكل أطياف المجتمع وطوائفه حقوقا متساوية باعتبار أن البحرين فيها نسبة كبيرة من المواطنين الشيعة وكذلك أقليات مسيحية ,ونسبة كبيرة من المجنسين من مختلف الأقطار فهذا البلد الذي يعتبر احد دعائم المنظومة الخليجية والذي لا زال يسر في الركب السعودي وتوجهاته والذي يتخذ مواقف مطابقة إلي حد بعيد ومتماهية مع السياسة الخليجية العامة اتجاه مختلف القضايا الإقليمية والعربية والدولية ويتخذ من حزب الله وإيران أعداء لها يجب إنهاء وجودهم أو إضعاف إيران إلي الحدود الدنيا وتقيم علاقات سرية مع إسرائيل في إطار التحالفات العربية السرية لعدد من الدول من الكيان الصهيوني.
والإدارة الأمريكية التي تعتبر في أواخر أشهرها والتي وقعت اتفاقا نوويا مع إيران دون مراعاة المصلحة الخليجية والبحرية التي تعتبر طهران تهديدا استراتيجيا لوجودها وأمنها فالأنظمة الخليجية التي تعادي هذه الدولة وتعتبرها مصدر خطر لها باعتبار لونها الطائفي الشيعي ومبادئ ثورتها الإسلامية التي تعارض أسس الحكم الخليجي العائلي الملكي الدكتاتوري,فالشيعة المتواجدون في البحرين وبقية هذه الدول والذين يؤمنون بولاية الفقيه والذين يرون في إيران نموذجا ناجحا لمزاوجة بين الدين والقيم والعلم ,وهو ما لا يتواجد في دولهم التي أنفقت المليارات علي شراء أسلحة بقيت في مخازنها ليأكلها الصدأ فيما يرزح الكثير من مواطنيها والبحرين إحداها في الفقر والبطالة والأمية ,فالتقرير الاستراتيجي للبحرين سنة2015والذي ناقش فيه الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد إذ رغم عدد سكان البحرين الذي يقدر بحوالي 1.314.089نسمة حسب احصاءيات 2014ورغم ذلك فان نسبة البطالة حسب نفس التقرير بلغت 7.4بالمئة منها 27.5بالمئة في صفوف الشباب وهو ثاني أسوء أداء لها في منظومة التعاون الخليجي بعد سلطنة عمان,وبالإضافة إلي البطالة والآفات الاجتماعية التي تعرفها البحرين في عجز الموازنة العامة لحكومة والذي بلغ العام الماضي 42بالمئة من حجم المصروفات أي ما يقدر بازيد من 1.5مليار دولار مع اعتماد 60دولار في بناء الموازنة كسعر مرجعي,وبالتالي فان الدين العام سيرتفع إلي 8مليار دينار,وهذا ما جاء في جريدة الوسط البحرينية المستقلة وفي ظل الانخفاض الحاد في أسعار البترول فمن المرجح أن تستمر الأوضاع الاقتصادية في التدهور وستضطر السلطة في البلاد إلي مضاعفة الاستدانة الخارجية وربما طرد العمال الأجانب وعلي رأسهم الباكستانيين والفلبينيين والأردنيين والمصريين وغيرهم,فعلي البحرين وفي ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد يجب عليها العمل علي تحصين الجبهة الداخلية الوطنية والتحاور مع المعارضة البحرينية .
فالمظاهرات وأعمال الشعب والعنف التي شهدتها البحرين سابقا كانت الشرارة التي كان يجب علي السلطات أن تنتبه إليها من اجل عدم الانجرار إلي ما لا يحمد عقباه فالزيارة الأمريكية ليست بريئة في مضمونها فأمريكا التي تريد خلط أوراق الكل في المنطقة فحتى التواجد الأمريكي العسكري في البحرين ودول الخليج الذي تقول المنامة انه لحماية أراضيها بينما الهدف المباشر منه هو حماية المنشات والشركات النفطية والمصالح الحيوية الأمريكية فيها, التصريحات النارية لرئيس الأمريكي باراك حسين لاوباما في الصحافة الأمريكية والتي وجه فيها نقدا لاذعا إلي قادة الدول الخليجية سرعان ما تغيرت لهجة خطابه السياسي وذلك عندما حل ضيفا علي قمة التعاون الخليجي التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض وبدا واضحا الفتور الذي قوبل به من طرف القادة والزعماء في المنطقة فالقمة التي عقدت بعد زيارة جون كيري إلي البحرين والتي كان الهدف الرئيسي منها أمريكيا ليس تحسين العلاقات مع قادة هذه الدول وإنما جس النبض لان صناع الإستراتيجية الأمريكية باتوا قلقين من السياسات الغير منضبطة لسعودية ومن يسير في ركابها وتهديدها المباشر لشركات النفطية وإن استمرت الأوضاع في التوتر والاحتقان فان ثورات يمكن أن تحدث في هذه الدول علي غرار دول عربية غيرها ,فالبحرين التي تعتبر أمريكيا دولة غازية ونفطية مهمة وتشهد بين الحين والأخر اضطرابات سياسية تغذيها مصالح إقليمية ودولية تعتبر نموذجا يمكن أن يصبح القاطرة لهذه الثورات التي تري أمريكا أنها أن حدثت فان الصراع بينها وبين إيران علي النفوذ في المنطقة سيزداد ,لذلك فرغم انتقادها لبحرين ونظامها السياسي واستعمال المعارضة البحرية كورقة رابحة في أي استحقاقات سياسية مستقبلية ,فان القراءة الواقعية لعلاقة أمريكا مع قطبي الرحى في البحرين أي السلطة والمعارضة تؤكد بان واشنطن تريد الحفاظ علي علاقات متوازنة وان تبقي علي مسافة واحدة من كليهما,وعدم تقديم كل دعمها لطرف علي حساب الطرف الأخر لأنها تضع كل الاحتمالات في أجنداتها وحساباتها السياسية فهي كقوة عظمي تحاول ضمان مصالحها الإستراتيجية يجب عليها عدم التهور وقراءة الخارطة السياسية الداخلية في البحرين بعمق قبل الإقدام علي أي خطوة ستكون سيئة العواقب إن كانت لا تراعي التوازنات علي الساحة فيها. 
-عميرة أيسر-كاتب جزائري

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *