-->

لبنان بين تعقيدات السياسة والضغوطات الغربية ,إلي أين تتجه بوصلته


يعيش لبنان حاليا حالة معقدة سياسيا بسبب تزايد التجاذبات السياسية بين مختلف ألاعبين المشكلين للطبقة السياسية اللبنانية,فبعد أن فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيسا لجمهورية منذ حوالي 3سنوات وهذا ما أدي إلي حدوث خلل كبير في عمل مؤسسات الدولة التي أصابها الشلل وما زاد الطين بله هو أن الحكومة التي لا زال يقودها تمام سلام انسحب منها تيار سياسي مذهبي كبير وله حضور قوي في الشارع المحلي اللبناني المسيحي الماروني وهو حزب الكتائب والذي يقوده الشيخ سامي جميل خلفا لأبيه ,وذلك احتجاجا علي فشل الحكومة الذريع في حل المشاكل المستعصية التي يتخبط فيها البلد وازدياد تباعد الرؤى والخصومات السياسية بين أصدقاء الأمس ,وهذا ما نجم عنه شرخ في الحزب وادي إلي إقالة الوزير سجعان قزي الذي يعتبر من وزراءه المهمين في الحكومة الحالية والقرار اتخذ بعد اجتماعات مستمرة دامت 4ساعات واتخذ هذا القرار بعد صدرت منه مواقف اعتبرها الحزب ممارسات مستفزة وعدم الالتزام بقرارات الحزب ومواثيقه التي انضم للكتائب علي أساسها ,فقرار الحزب كان يجب احترامه والانسحاب من الحكومة ودون نقاش ,هذا الحزب المحسوب على تيار 14اذار عمل على تقريب وجهات النظر بين حزب القوات اللبنانية وزعيمه سمير جعجع وحزب التيار الوطني الحرب بزعامة الجنرال ميشال عون وإنهاء الخلاف الذي كان تاريخيا بينهما والذي تمخض عنه قبول سمير جعجع بان بترشيح ميشال عون لرئاسة البلاد وهذا ما اغضب حليفة السني سعد الحريري الذي كما يقول الأستاذ مصطفى علوش عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل قضي 5سنوات وهو يحاول أن يجمع شمل اللبنانيين ويحل مشاكلهم بهدف زرع الأمن والمحافظة على الاستقرار والوحدة الوطنية وهذا ما دفع ثمنه غاليا بعد ذلك إذ يعاني هذا الحزب من أزمات مالية خانقة أدت إلى حدوث إضرابات واضطرابات في مؤسسات وشركات سعد الحريري وما زاد من حجم الحرج والضغوطات السياسية والمالية هو طلب محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي من الزعيم السني بان يدفع مستحقاته المالية لعماله الذين يعملون في شركاته في السعودية,فعلى عكس السنوات الماضية فان الحزب منذ سنة2009وهو يمر بفترة عصيبة ماليا وانقطع المال السياسي السعودي عنه أو لم يعد كما كان في السابق لان الرياض وبعد فشل سعد الحريري وتيار المستقبل في فرض شروطه علي الساحة الداخلية وازدياد حجم ونفوذ حزب الله وحلفاءه وإعادة بناء ترسانته العسكرية لتصبح اقوي حتى من الجيش اللبناني تحول الحريري عندها إلي حليف سياسي ضعيف لا يعتمد عليه بخلاف والده الراحل رفيق الحريري وهذا ما دعي السعودية إلي الانفتاح على كافة الأطياف السياسية الداعمة لسياستها بهدف بناء حلف سياسي طائفي يضم مختلف الطوائف في مواجهة قوى 8اذار فالمشكل في بلد الأرز يتعدي الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية بل يتجاوزه إلي رغبة دول كالسعودية وإيران وسوريا إلي لعب دور محوري وفعال في تغيير خارطة البلد الاجتماعية والسياسية ,فسياسة التعايش السلمي التي يعرفها البلد منذ طرد الاحتلال الإسرائيلي سنة 2000والتي بدأت تطبيقاتها تظهر جليا بعد توقيع اتفاق الطائف سنة1990والذي كان برعاية إقليمية وكان يجب على كل الطوائف والمذاهب اللبنانية أن تقبل به مرغمة لأنها طوال 15سنة لم تستطع أن تقصي خصومها وأعداءها السياسيين بعد أن جربت طرق الاغتيالات والحرب الميدانية واصطدامها بجدار الجيش السوري الذي دخل البلاد سنة 1975ولم يخرج منها إلا في سنة 2005بعد ضغوط كبيرة جدا بعد حادثة اغتيال الشهيد رفيق الحريري رحمه الله ,فاللبنانيون لا يريدون العودة إلى تلك المرحلة القاتمة والسوداء من تاريخهم السياسي لذا يجب عليهم البدء في إصلاحات عميقة في بنية الدولة ككل والانتقال كما يقول الأستاذ رفيق غانم الأمين العام لحزب الكتائب اللبناني من نظام سياسي يقوم على أساس المحاصة السياسية في تقاسم السلطة إلى نظام يقوم على التوافق السياسي وبالتالي فان نظام السياسي الحالي يعتبر نظاما عقيما وقد اثبت فشله وعقمه مرارا والتعطيل الحاصل داخليا وخارجيا لانتخاب رئيس الجمهورية أساسه هذا النظام الذي يريد العديد من النخب السياسية أن يتغير ويتحول إلى نظام انتخابي عصري يؤدي إلي انتخاب برلمان غير طائفي يؤدي بدوره إلى انتخاب دستور جديد يعيد بناء الدولة على أسس متينة وبالتالي تجاوز مرحلة الأحجام السياسية المذهبية وتأثيرها على توازنات القوي في لبنان فيجب إعادة بناء ميزان قوي سياسي يضمن لكل الأحزاب اللبنانية فرصا متساوية عند خوض المعترك الانتخابي فتقوية الجبهة الداخلية والاتفاق على دور كل مكون سياسي هو الأساس أو المنطق الرئيسي نحو خلق بلد يكون فيه الكل سواسية أمام القانون الذي يعتبر الدرع الحصين الذي يبني الدول الحديثة المتطورة , فلبنان عاني ولا يزال من الضغوطات الغربية والإقليمية والتدخل المستمر في شؤونه المحلية وأخرها كان الحديث عن العقوبات الاقتصادية والمالية التي اقرها الكونغرس الأمريكي ضد حسابات حزب الله المالية ومطالبة البنك المركزي اللبناني بغلقها وإقفالها وهو ما أدى إلي أزمة مالية وتوترات سياسية بين حاكم مصرف لبنان السيد رياض سلامة والحزب إذ كشف عن إغلاق حوالي 100حساب مالي ومصرفي تابع للحزب و فحزب الله قد اجري مفاوضات معه ومع مدراء بنوك لبنانية عمومية وخاصة من اجل إيجاد تفاهم حول هذا الموضوع ولا ننسي بان لبنان تعتبر بنوكه جزءا لا يتجزأ من النظام المالي المصري العالمي الذي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية مركزه وبالتالي فان مخالفة هذا القرار الأمريكي سيتمخض عنه انهيار لمنظومته المالية البنكية اللبنانية كما يقول الدكتور جورج قرم وزير المالية اللبناني الأسبق واحد الخبراء الماليين العارفين بخبايا الاقتصاد العالمي وسيؤدي ذلك إن حدث لان يتحول لبنان إلى دولة فاشلة وانهيار سعر العملة الوطنية وازدياد التضخم ووصوله إلى مستويات قياسية غير مسبوقة فلا ننسي إن الاقتصاد اللبناني يتأثر سلبا أو إيجابا بتطورات ومجريات الأحداث السياسية الدولية واللبنانية ,فالدولار الذي يعتبر موازيا ومعادلا لليرة اللبنانية في التعاملات الاقتصادية واليومية بين اللبنانيين إن أصاب المنظومة المصرفية أي خلل فانه سيرتفع إلى مستويات صرف عالية ومخاطر ذلك على الاقتصاد لا تخفى على كل المراقبين الماليين,والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على فصيل مقاوم سياسي لبنانى مهم في معادلة الصراع مع العدو الإسرائيلي ليست الوحيدة التي يحاول من خلالها الأمريكان لعب دور في لبنان بل إن لقاء وزير الخارجية اللبناني ورئيس تيار الوطني الحر وصهر الجنرال ميشال عون جبران باسيل بالقائم بإعمال السفارة الأمريكية في لبنان ريتشارد جونز والذي تحدث معه في مواضيع سياسية مختلفة تهم اللبنانيين وحدهم من بينها سير الانتخابات البلدية والطلب الأمريكي منه بضرورة أن ينتخب هؤلاء رئيسا للبلاد قريبا تصب في نفس الاتجاه وهذا ما عده الإعلام اللبناني تدخلا سافرا في شؤون لبنان الداخلية ,فالتدخلات الأمريكية ومن قبلها الفرنسية عند زيارة فرانسوا هولا ند إلى لبنان والطلب من بعض زعماءه الضغط على الشارع والطبقة السياسية لكي ينسحب حزب الله من سوريا وهذا ما يؤدي حتما إلي إضعاف نظام بشار الأسد تمهيدا لسقوطه ,فإذا كان الغرب والسعودية وتركيا متفقون على تجنيب لبنان مصير العراق وسوريا والحفاظ عليه بلدا مستقرا إلي حد معقول لان هذا يخدم مصالحهم الإقليمية ولكن هذا لا يعني أبدا في مفهموهم السياسي أن يصبح لبنان بلدا له تأثير على التوازنات الإقليمية بما يؤدي إلي تغييرها ,فالوفود التي تتقاطر عليه بين الفينة والأخرى ليست إلا إنذارا مبكرا ربما مفاده على أن الدول الغربية القوية تراقب ما يحدث فيه وهى مستعدة لتدخل إن اقتضي الأمر ذلك و في أي وقت ,ولكن يبدو أن الأمر في لبنان وتعقيداته الكثيرة ستأخذ إبعادا أخرى بعد أن بدا الوضع يأخذ منحى وسياقا مختلفا فتفجيرات فردان والتي استهدفت واحدا من أهم البنوك اللبنانية ومحاولة بعض الجهات إلصاق التهمة واتهام حزب الله بأنه يقف وراء هذا الحادث من اجل تصفية حساباتها القديمة معه وهناك دول إقليمية تغذي هده المواقف وتدعمها والتي اعتبرها ساسة لبنانيون كنائب مجلس النواب السابق الأستاذ أيلي فرزلي بأنها تصب في اتجاه خدمة الأهداف الإسرائيلية والتي ما انفكت منذ عدوان حزيران 2006 تألب الرأي العالمي والمحلى من اجل وضع حزب الله وكل حلفاءه في دوائر الاستهداف المباشر وتصفية قياداته الميدانيين في سوريا اكبر دليل على ذلك ,كل هذا يحدث ولازالت مشكلة النفايات تطرح بقوة في النقاشات السياسية والإعلامية في ظل عجز الحكومة عن إيجاد حلول لها ترضي المواطن اللبناني فهناك تقارير طبية دولية ولبنانية تأكد بان النفايات المتراكمة في شوارع لبنان ,أصبحت تشكل خطرا بيئيا وصحيا على حياة الناس فعجز القائمين على أمر تسيير البلاد عن إيجاد حل دائم ومستمر لهذه المشاكل المتراكمة منذ عقود دفع بالوزير السابق ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب إلى القول بان الفساد الذي ينخر جسد الدولة اللبنانية هو السبب الرئيسي أمام كل الكوارث التي يعيشها لبنان وأعطي مثالا بانخفاض جباية شركة الهاتف في الموازنة العامة بحوالي مليار دولار وتعهد بكشف كل ملفات الفساد التي يحوزها وهذا الموقف والذي له مواقف مشابهة من شخصيات لبنانية ضاقت ذرعا بكل ممارسات الطبقة الحاكمة وهذا الفساد والتسيب والبيروقراطية التي تزيد يوما بعد يوم كان من إفرازاتها تراجع الناتج الخام الداخلي وكذلك هدر المليارات من أموال الدولة مما زاد من الهوة الاجتماعية السحيقة بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني ,فالبلد يستعد لاستحقاقات انتخاب نواب البرلمان بعد أن انتهت عملية فرز نتائج الانتخابات البلدية والتي شكلت نتائجها صدمة وضربة قوية لأحزاب لبنانية عريقة وكانت تحظي بشعبية كبيرة ,ومنها حزب المستقبل وحزب القوات اللبنانية فيما صمد الثنائي الشيعي متمثلا في حركة أمل وحزب الله ,هذه النتائج التي يتخوف قادة وزعماء هذه الأحزاب من أن تنعكس سلبا على الانتخابات النيابية بعد أن رفضت الحكومة التمديد للمجلس النيابي الحالي مرة ثالثة وهو ما بات يطرح عدة نقاط وعلامات استفهام حول الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا المجلس وتوازنات القوى والمصالح السياسية فيه أن تم تعديل قانون الانتخاب على أساس نسبي وهذا ما يتخوف منه بعض الذين يرون في هذا القانون تهديدا لمقاعدهم البرلمانية أو يضعف من فرصهم في الفوز فلبنان سياسيا واقتصاديا وامنيا وحتى اجتماعيا يشهد تغييرات مهمة فان نجحت هذه الانتخابات النيابية ستكون البداية لانتخابات رئيس جمهورية وطبعا سيتم هذا الأمر بعقد صفقات سياسية مع أطراف دولية وإقليمية لان لبنان لا يمكن أن يترك بدون تدخلات خارجية ما دام قادته وزعماءه مرتبطون عضويا بهذه الدول.
عميرة أيسر-كاتب جزائري

Contact Form

Name

Email *

Message *