-->

رجل الحرب والسلم (02) ابن البادية المولد والنشأة


ولد الشهيد محمد عبد العزيز عام 1948 في منطقة "عكلة الخيل" بزادناس على الحدود الموريتانية الصحراوية من أبوين هما: خليلي ولد محمد البشير ومريم منت عبد الله ولد ازريبيع، أين كانت عائلته تتبع الكلأ بصحراء تيرس الفسيحة، وفي تلك المنطقة بدأ ارتباطه بالأرض والوطن من أودية وهضاب منطقة تيرس زمور، حيث مسقط راس الفتى الذي تخبئ له الأيام قيادة حركة ثورية صمدت في وجه الأطماع الاستعمارية المتربصة بوطن يخبئ في باطنه كنوز ثروات أسالت لعاب الجيران وجعلته محل أطماع القوى الاستعمارية الأجنبية.
بعض المصادر الأخرى تشير إلى أن مسقط راس محمد عبد العزيز كان بمدينة السمارة شمال شرق الساقية الحمراء، ورغم الاختلاف في مكان المولد إلا أن كل المصادر تؤكد بانه من مواليد الصحراء الغربية، عاش فيها ذكريات الطفولة ليستأنس بغيره من فتيان المنطقة، ومكث في جنوبها وشمالها ردحا من الزمن.

تلقى تعليمه الأولي على يد والده خليلي ولد محمد البشير اين استقرت عائلته لزمن في منطقة عظم محمد مولود وميجك أين يوجد قبر جده محمد البشير ولد الخليل، فكان له نصيب من العلوم الدينية في الكتاتيب القرآنية التي كانت الوجهة المفضلة لغالبية العائلات الصحراوية في ظل محدودية التعليم في المدرسة الاسبانية.
ترعرع في أحضان عائلة بدوية تمتهن الرعي شأنها شان اغلب العائلات الصحراوية حتى اشتد عوده في حياة الحل والترحال يجوب خارطة الوطن من جنوبه إلى شماله، تحركه الأحوال الاضطرارية كنضوب الآبار أو مواسم الجفاف وقلة المطر التي تؤثر في محدودية المراعي، حيث كان الماء والمطر محور حركة المجتمع الصحراوي في حله وترحاله، فمنه حياة الأرض وانتفاع الخلق. 
وفي خضم البحث الدؤوب عن تامين لقمة العيش والعمل الشاق الذي يميز العنصر الصحراوي في شتى أنحاء الوطن والبحث عن توفير قوت اليوم، يشتغل غالبية الرجال في الحرف اليدوية ورعي الماشية، وهي ميزة ثابتة في واقع شعب يعتمد على تربية ورعي الماشية في حياة البداوة حيث يشكل حليب الإبل والغنم غذاء رئيسيا، وتعتمد بعض الحرف على وبر الماشية في نسج الخيم والمفروشات والألبسة.
وتحت أشعة الشمس الذهبية وليالي القمر في سحر الطبيعة الأخاذ في بادية تيرس زمور رسم الفتى محمد عبد العزيز أول ذكريات الطفولة، وعلى جنبات غدران المياه، مارس مهنة اشرف خلق الله، سعيا وراء الرزق بالجهد والعرق في ظروف قاسية منحته جسدا قويا وقدرة على الصبر والتحمل، حيث امتهن الرعي مع عمه محمد سالم محمد الخليل لضمان لقمة العيش لعائلته أين دفعه شح الطبيعة إلى تتبع مواطن الماء والكلأ في مناطق واسعة من تيرس زمور مرورا بتندوف وحتى شمالا الى تبلبالة و جنوب المغرب.
كان لوفاة والدته مريم منت عبد الله ولد ازريبيع بالغ الأثر في حياته وهو لم يتجاوز التسع سنوات، لكن ذلك الفراغ ملأته ام اخوته اكبناها منت ازويدة، فكانت خير أم حفته بعطفها وحنانها حتى بلغ أشده.
انخرط والده خليلي في صفوف جيش التحرير، تلبية لنداء الجهاد ضد المستعمر الأجنبي، ضمن الطلائع الصحراوية التي شاركت في مواجهة الاستعمار والتصدي لمخططاته.
ضاق السكان الصحراويون بسياسات الاستعمار الاسباني، نظرا للظروف الاجتماعية المزرية التي كان يعيشها الشعب الصحراوي آنذاك، فاضطرت العديد من العائلات إلى الهجرة صوب المدن الصحراوية بجنوب المغرب والتي كانت ضمن الخارطة الصحراوية قبل اتفاقية اكفيون 1958 التي نصت على ضم الطرفاية للمغرب مقابل حل جيش التحرير الذي انخرط فيه الكثير من الصحراويين للجهاد ضد المستعمر الأجنبي، فكانت الاتفاقية بمثابة همزة الوصل بين فرنسا وإسبانيا والنظام الملكي في المغرب الذي انتقم من الرافضين لتسليم السلاح بالسجن والقضاء نهائيا عن جيش التحرير وتحويله إلى الجيش الملكي.
وبعد تفكيك جيش التحرير والتحاق العديد من الصحراويين بالجيش المغربي استقرت عائلته بمنطقة السمارة والزاك وأخيرا بمدينة الطنطان أين التحق متأخرا بمقاعد الدراسة وبسبب اهتمامه بتحصيل العلم، والمثابرة في الدراسة استطاع في سنوات وجيزة الالتحاق بأقرانه بالصفوف الموافقة لسنه، لينتقل إلى مدينة الرباط لدراسة المرحلة الثانوية، حيث كان أثناء دراسته في اتصال دائم مع الشهيد الولي مصطفى السيد الذي كان رفيقا قويا لشقيقه الأكبر لحبيب خليلي وهما اللذان كانا يكبرانه بثلاث سنوات دراسية.
لكن جمعتهما جامعة الرباط في السنة الدراسية الأخيرة للشهيد الولي رحمه الله في حلقات فكرية كان محورها قضية تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، وظل يتابع اطوار الدراسة حتى وصل المستوى الجامعي تخصص طب.
بعد الغزو المغربي سنة 1975 تم سجن شقيقه لحبيب وعمه لمدة 16 سنة بقلعة مكونة.
زواجه وعائلته الصغيرة
للشهيد مديت عبد العزيز من الأخوة والأخوات 13 منهم شقيقتين يقطنان بمخيمات العزة والكرامة والبقية في المناطق المحتلة.
كان أول زواج له من السيدة الناهة محمد فاظل شهر اغسطس 1977 وهبه اهن منها بنت واحدة هي مارتا محمد عبد العزيز وقد سميت بهذا الاسم الأجنبي تكريما لمندوبة كوبا لدى الأمم المتحدة مارتا خيمينيث التي كانت ضمن بعثة تقصي الحقائق إلى الصحراء الغربية، وقدمت شهادة حية وصادقة عن واقع الشعب الصحراوي، واعترفت بتمثيل جبهة البوليساريو لكل الصحراويين باعتبارها حركة تحرير والقوة المسيطرة في الإقليم التي تحظى بدعم السكان، فكان لمارتا الدور الكبير في التقرير الذي أعدته البعثة حول الوضع في الصحراء الغربية، فنالت هذا التكريم الرمزي.
عقد القران على زوجته الثانية السيدة خديجة حمدي سنة 1980، وله منها أربعة أبناء وبنتين هم بالترتيب حسب العمر: خيرة، الولي، الخليل، لحبيب، سعاد، عبد المنعم.
ظل يحظى باحترام كبير داخل المجتمع لما عرف به ـ رحمه الله ـ من دماثة الخلق وحسن المعاملة وتقديره واحترامه لجميع الصحراويين، والتواضع معهم والعيش في وسطهم، والتماس الأعذار لهم، والسخاء بالوقت والجهد في سبيل خدمتهم وتقريب ساعة النصر.
إن دراسة سير القادة والزعماء الذين رحلوا وتوثيق حياتهم هو عربون وفاء لتخليد مآثرهم، ومناقبهم للأجيال، للاقتداء بهم وتقفي أثرهم فحياتهم حافلة بالعبر، لكن غياب التدوين والاعتماد على السرد الشفهي لإحداث التاريخ ووقائع العصر تحجب الكثير من التفاصيل المهمة في حياة العظماء... يتبع
بقلم: حمة المهدي
الحلقة القادمة ـ بإذن الله ـ الانخراط في الجبهة وبداية العمل النضالي 1972 إلى 1976

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *