-->

معادلة حركة حماس ؟


بقلم : مبــارك الفهيمي
قد يرفع أي تجمع سياسي شعارات براقة مزينة بأجمل الكلمات التي تلامس مشاعر الشعوب الهادفة للحرية و الإنعتاق , ولكن كل هذه الجمل و الخطابات يكون هدفها الأول و الأخير كسب قواعد شعبية تكون ملتفة حول حزب أو تيار سياسي معين , فلا يهم ماهي نوعية الخطاب حتى لو كانت متناقضة أو تستغل دافع روحي معين لأغراض سياسية , خصوصا إن كان الجمهور الموجه له الخطاب جاهل أو يعيش في حالة تقهقر ثقافي .
كما أن الأحزاب و التيارات السياسية لا تسلم دائما من التناقض الداخلي أو بمعنى أدق الصراع الداخلي , ولكن مشكل أغلب هذه التيارات إن عاشت تناقضا ما فإنه يبقى في أمور يمكن السيطرة عليها أو تبقى على العموم جزئية لا ترقى للخلاف الحاد , ولكن هذا الوضع نجده شيئا ما في التجربة الفلسطينية خصوصا في حركة "المقاومة الإسلامية حماس" .
فما هو الوضع الداخلي لهذه الحركة ؟ وكيف تبني سياستها الخارجية ؟ والأهم كيف استطاعت بناء خطة خسيسة للإلتفاف على اللجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب الصحراوي والحفاظ على ما تسميه "التوازن الجزائري المغربي " ؟ .
صحيح أننا من المتابعين للوضع السياسي و الإقتصادي و الأمني في المشرق العربي ومحيطه المعقد ولكننا لازلنا نحاول بلورة تصور يلائم تلك المشاهد المعقدة , فالمعادلة السياسية في تلك المناطق متقلبة وتخضع لمجموعة معادلات تحركها قوى دولية و إقليمية تضع مصالح شعوبها فوق كل اعتبار, سوى التيارات السياسية العربية هناك فهي لا تلعب اللعبة بقدر ماهي ملعوب بها , ويتم توظيفها في حسابات معينة لا تتفطن تلك التيارات ل "القالب " سوى بعدما "يصعد " .
فحركة حماس منذ قيام ما يسمى "الربيع العربي " وهي تقدم على خطوات غير محسوبة وتتخبط في قرارات سياسية غير محسوبة العواقب, بعد تخليها عن المحور السوري وانضمامها لمحور الخيانة الاخر بزعامة قطر ودول الخليج , ولكن يمكن القول أن التركيبة السياسية و العسكرية المعقدة لحركة حماس جعلت المواقف متباينة داخلها ,خصوصا الخلاف الحاصل بين جناحها السياسي و العسكري , فالأول بقيادة مشعل القاطن بقطركان يرى في بداية الأزمة السورية أن مصير النظام السوري هو نفس مصير القذافي , وعلى أن بشار الأسد لن يصمد طويلا خصوصا أن القوى التي دخلت في الحرب السورية لا يستهان بقوتها إذا علمنا أن أموال الخليج تفوح من رصاص المعارضة و التيارات الإسلامية بتالي ذهب في اتجاه الإنضمام للأقوى , بمعنى أدق خيانة المحور الذي استضافه بعد أن طردته في السابق جميع الدول العربية خصوصا محور الخيانة .
أما الجناح العسكري الذي يقوده محمد الضيف المطلوب رقم واحد لإسرائيل والذي لا يظهر سوى في تسجيلات صوتية , وتدور في فلكه خلايا أمنية عنقدية التنظيم تسهر على حمايته , فالضيف له تصور اخر على عكس مشعل الذي يتواجد خارج غزة في الفنادق القطرية , فهو ــ أي محمد الضيف ــ يواجه يوميا جهاز الموساد الذي يحاول اغتياله , يرى أنه يجب على الحركة الإلتفاف حول محور المقاومة وعدم خيانته , كون أذرع إيران في المنطقة وعلى رأسها حزب الله اللبناني رغم التناقض الطائفي "السني ـ الشيعي " , إلا أنه كان داعما للحركة بالعتاد و بالخبرة العسكرية رغم أنه يساند نظام الأسد الذي انقلبت عليه القيادة السياسية , فأي تنظيم يمكنه تقديم العتاد و السلاح ولكن الخبرات و تجارب التصنيع لتحقق الإكتفاء الذاتي فهي خطوة لا يفعلها سوى القليلون .
من هنا نشأ التناقض السياسي داخل حركة حماس بين جناحها السياسي و العسكري , تناقض بين قائد في فنادق قطر واخر في الانفاق والمخابئ السرية تحت الأرض , والأهم أن هذا الخلاف لم يبقى حبس الرسائل السرية بطرقها المعقدة , بل تجاوز ذلك للعلن بعد مقتل نجل الشهيد عماد مغنية , الشاب جهاد عماد مغنية يناير 2015 في غارة إسرائيلية على منطقة القنيطرة في سوريا , عندما كان في زيارة لإحدى قوات حزب الله المقاتلة إلى جانب الجيش السوري النظامي , بعد هذا الحادث ظهر الخلاف داخل حركة حماس , هل ستعزي قيادة الحركة حزب الله في مقتل قيادي الحزب رغم أنه يقاتل إلى جانب النظام السوري أم تلتزم الصمت ؟ , بعد أيام جائت رسالة تعزية من قائد كتائب القسام محمد ضيف للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله , وهي الخطوات التي دأب الرجلين على تبادلها في تجاهل تام من القيادة السياسية لحركة حماس .
هذا من حيث الوضع الداخلي للحركة بين جناحين يعتبران المخططان لسياسية حماس , فهي بهذا تضع يد في محور الخيانة ويد في محور المقاومة , رغم أن الجناح السياسي لا يتفطن لأخطائه سوى بعد فوات الاوان , وهو ما ظهر لنا بعد استحالة القضاء على النظام في سوريا رغم أن ذاك البلد أصبح ملعبا لكل القوى العالمية , بالقوي و الضعيف كل له مكان في سوريا , فأصبح خطاب الجناح السياسي "نحن لا نتدخل في أي صراع عربي عربي " , بعدما كانوا بالأمس يرفعون أعلام المعارضة السورية في قطاع غزة , بل قبلوا المفاوضات في مصر في الحرب الأخيرة رغم أن النظام الراعي للمفاوضات هو نظام السيسي الذي انقلب على حليفهم الإخواني مرسي .
تناقضات الخطاب السياسي لحركة حماس لا تنتهي وقد نبقى نناقشها لما لا نهاية , ولكن ما يهمنا هو كيف استطاعت حماس بناء خطة خسيسة للإلتفاف على اللجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب الصحراوي , والحفاظ على ما تسميه "التوازن الجزائري المغربي " ؟ , فلقد اتبعت حركة حماس مجموعة اساليب سياسية للخروج من ما تعتبره في تصورها "مأزق " بعد الإعلان عن تأسيس اللجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب الصحراوي , فهي ترى ـــ أي الحركة ـــ أن "الصراع جزائري مغربي " متبنية بذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الأطروحة المغربية , فالحركة لا تهتم كثيرا للمواثيق الدولية و المعهدات و القرارات المتعلقة بالقضية الصحراوية على المستوى الدولي , كون المنتظم الدولي يعتبر حركة حماس "منظمة إرهابية " , من هذا المنطلق ترى جميع الحركات الإسلامية أنه لا يجب بناء ما تسميه "دويلة " في منطقة المغرب العربي, ولكن الغريب أن هذا الخطاب يصدر من أفواه تجلس في فنادق " دولة قطر " التي لا يجب على فئة كبيرة من سكانها مغادرة البلاد لكي لا يتركوا أميرهم وحده في تلك المساحة الجغرافية .
بالنسبة للتطورات التي عرفتها اللجنة سبق وأن تطرقت لها بشكل مفصل في مقال سابق بعنوان "لماذا فلسطين ؟" , فكان أول تفاعل من الساحة السياسية الفلسطينية مع تأسيس اللجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب الصحراوي, هو تصريح القيادي في حركة حماس صلاح البردويل بعد ذلك تلته ضجة إعلامية وتحول الموضوع لرأي عام في المغرب , وتحركت الأجهزة المغربية خلف الستار وفي كل مكان للضغط على حماس من أجل تجميد نشاط اللجنة أو حظره , فانصاعت الحركة لهذا الضغط ولكن كان لا بد لها أن تمهد لتجميد اللجنة قانونيا ــ حسب قولها ــ على مراحل متعددة , لكي تحافظ على توازن غير موجود أصلا إلا في مخيلة مشعل , لأنه ببساطة الصراع صحراوي مغربي وليس "جزائري مغربي ".
قامت حماس بتقديم تصريح نفى من خلاله قيادي تابع لها وجود اللجنة في قطاع غزة ,رغم أن نشاطاتها كانت موجودة و موثقة ,بعد ذلك قامت بدعوة اللجنة بهدف التفاوض واستقبال أوراق الللجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب الصحراوي كخطوة ثانية , بعدها تم تحريك شخص لحرق العلم الجزائري لتتحول القضية لرأي عام ويتناولها الإعلام بشكل واسع كخطوة ثالثة , لتقوم حماس باعتقال من أوعزت له حرق العلم لتنتهي من نقطة من نقاط التحضير لعملية الحظر , بعد هذا قامت بوضع لافتات على بنايات ويحملها أفراد لتهنئة الشعب و القيادة الجزائرية في ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية المجيدة مؤخرا , بعد ذلك بأيام يأتي القرار الذي توقعته منذ البداية وهو حظر أي نشاط ل اللجنة في قطاع غزة .
باللهجة العامة الفلسطينية أقول لحركة حماس " لازمكم تحسبوها منيح " بعد هذا القرار , فكلنا نعرف النظام المغربي جيدا , ولا أعتقد ان الحركة السالفة الذكر يخفى عليها ما قدمه الحسن الثاني لإسرائيل , ولا أعتقد انها تعاني نوع من البلادة سياسية لتظن أن هناك مصالح استراتيجية حقيقية في المملكة المغربية , كل ما يجب على حركة حماس هو على الأقل الإستفادة من أخطائها السابقة التي لم تمر عليها سوى ست سنوات كاملة , والتي دارت أحداثها في محيطها خصوصا أنها لازالت تدفع ثمن تلك الاخطاء .

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *