-->

ازدواجية المعايير في معالجة قضية الصحراء الغربية


بقلم: الديش محمد الصالح
من المفارقات الخطيرة، انه في الوقت الذي تتطلع فيه شعوب العالم إلى دور أكبر للأمم المتحدة في حمايتها من الهيمنة والاستعمار والقطيعة مع الماضي ومخلفاته وضمان الأمن والاستقرار والعيش الكريم في ظل عصر العولمة، تظل قضية الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في افريقيا، رهينة ازدواجية المعايير في تعاطي هذه الهيئة الأممية معها. والسبب في ذلك يعود الى لعبة مصالح قذرة انسجتها بعض القوى العظمى، التي سال لعابها الاهمية الجو-استراتيجية لهذه المنطقة المطلة على المحيط الاطلسي وما تتوفر عليه من موارد اقتصادية هائلة، مستغلة في ذلك جشع النظام المغربي واطماعه التوسعية والذي سارع الى غزو هذا الإقليم ضدا على ارادة الشعب الصحراوي في محاولة لسلبه حقه في تقرير المصير والاستقلال طبقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. 
في اعقاب الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية 16 اكتوبر 1975، الذي رفضت بموجبه هذه المحكمة مطالب المملكة المغربية في السيادة على الصحراء الغربية، بادرت هذه القوى التي تزعمتها فرنسا إلى التخطيط لمؤامرة كبرى من اجل تعطيل مسار تصفية الاستعمار من هذا الاقليم والقفز على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال. فلقد تآمرت اسبانيا، باعتبارها القوة الإدارية للاقليم، في ما يعرف باتفاقية مدريد المشؤومة سنة 1975 مع النظام المغربي ونظام المخطار ولد داداه في موريتانيا من اجل تقسيم هذه الارض ونهب خيراتها وإبادة شعبها. وقد شُنت حرب غير متكافئة على الشعب الصحراوي مسببة له في الكثير من المعاناة الإنسانية لما اتسمت به من وحشية وما ارتكب خلالها من جرائم ضد الانسانية في حق الصحراويين.
وبفضل عزيمة الصحراويين وقوة إرادتهم استطاعت المقاومة الصحراوية ان تقف بالمرصاد لكل اشكال المقاربات الاستعمارية، التي لم تتوقف عند شن حرب مدمرة أستُخدمت فيها القنابل المحرمة دوليا من نابالم وفوسفور، ولا عند القمع والترهيب اليومي، الأختطاف القسري، القتل الفردي والجماعي للمدنيين والزج في السجون مع كل انواع التعذيب، ولا عند مسخ الهوية الوطنية الصحراوية عن طريق تشجيع مظاهر وعادات غريبة على المجتمع الصحراوي بغرض تذويبه داخل المجتمع المغربي. وكان التفوق العسكري للجيش الصحراوي وأتساع رقعة التضامن والتأييد الدولي للكفاح المشروع الذي يخوضه الشعب الصحراوي قد ضاعف من فشالات الأعداء وحلفائهم، ليتوج كل هذا بالتأكد من خسارة المغرب في الاستفتاء المزمع تنظيمه بإشراف من الامم المتحدة بفضل إجماع الصحراويين حول ممثلهم الشرعي والوحيد جبهة البوليزاريو.
كانت قضية الصحراء الغربية احتضنتها إفريقيا في بداية الأمر، وتعاملت معها بجدية ووضوح وهو ما عكسته القرارات التي اتخذتها منظمة الوحدة الإفريقية/ الاتحاد الأفريقي حاليا المطالبة بتصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعب الصحراوي والتي تُوجت بقبول عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لتتبوأ مكانتها الطبيعية في هذه المنظمة، حيث أصبحت فيما بعد عضوا مؤسسا للإتحاد الافريقي. وباعتبار ان المملكة المغربية والجمهورية العربية الديمقراطية بلدان إفريقيان، كان من الأجدر أن لا تفوت فرصة السلام الدائم التي أسست لها هذه المنظمة عندما أقرت خطة لتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي الذي تعود له الكلمة الأولى والاخيرة في تحديد مستقبل هذه الارض.
كان القرار 104 (1983) لمنظمة الوحدة الإفريقية مفصلي في تاريخ الصراع المغربي- الصحراوي وخلق الأمل في امكانية معالجة القضية، حيث اعتمدته الجمعية للأمم المتحدة في قرارها 40/50 (1985) ليكون اساس اي حل لقضية الصحراء الغربية . وعلى ضوء ذلك جاءت المساعي الحميدة المشتركة الاممية-الافريقية لتفضي إلى اتفاق الطرفين المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو ومصادقة مجلس سنة 1991 على خطة للتسوية ترمي الى تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي والتي بموجبها تم وقف إطلاق النار وإرسال بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) للإشراف على هذا الاستفتاء. لكن تم إجهاض هذا الحلم قبل ان يرى النور عندما أجل الاستفتاء عن تاريخه المحددة في فبراير 1992، ليدخل بعد ذلك مسار الحل متاهات بلا نهاية بفعل لعبة المصالح التي دخلت من نافذة فرنسا في مجلس الأمن ووجدت في وجود القضية ضمن البند السادس للأمم المتحدة فرصة للتلاعب بأحكامه، حيث استطاعت أن تفشل كل جهود الامم المتحدة من اجل إعادة خطة الاستفتاء لسكتها الحقيقية رغم قيادتها من طرف شخصيات كبيرة كجيمس بيكر كاتب الدولة الأمريكية الأسبق والسفير كريستوفر روس.
انها لعبة المصالح التي لا تعترف بالحق، وكل شيء بالنسبة لها مباح، بحيث ظل النظام المغربي ومن وراءه فرنسا واسبانيا، وبمساعدة اطراف اخرى من ضمنها بعض دول الخليج واسرائيل، يعملون على خلق العراقيل السياسية والاقتصادية وحتى الامنية التي من شأنها تعقيد مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية بهدف ايصاله إلى طريق مسدود. 
فلقد شكل اجتماع مجلس الأمن الشهر الماضي لتدارس الوضع في الصحراء الغربية وتجديد مهمة بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء (مينورسو) امتحانا صعبا لمصداقية الأمم المتحدة في تعاطيها مع القضية، بحيث ان فرنسا القت بكل ثقلها في محاولة منها للاحتواء على الشرعية الدولية وفرض رؤيتها في الحل القائمة على تشريع الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. لكن وعكس ما خططت له الرباط وباريس افضى هذا الاجتماع إلى أن فك عقدة الحل تكمن في الانصياع للشرعية الدولية المتمثلة في احترام حق الشعب الصحراوي غير قابل للتصرف في تقرير والاستقلال، وهو ما تضمنه القرار 2351 (2017) الذي دعى طرفي النزاع ، جبهة البوليزاريو والمملكة المغربية، الى الدخول في مفاوضات مباشرة للتوصل إلى حل على اساس تقرير مصير الشعب الصحراوي طبقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. وطالب القرار ايضا بتكاثف جهود كل الفاعلين الدوليين من اجل الضغط باتجاه تسريع حل القضية لما له من انعكاسات ايجابية على مستقبل منطقة شمال إفريقيا.
كانت ورقة الكركرات هي العامل الحاسم في انقاذ الموقف في مجلس الأمن، بحيث ان قرار جبهة البوليزاريو إعادة انتشار قواتها في تلك المنطقة ساعات قليلة قبل المصادقة هو الذي جعل النقاشات داخل المجلس تتجه صوب نتيجة ذلك القرار الذي صوت عليه كل الاعضاء. وبذلك تكون جبهة البوليزاريو سحبت البساط من جديد من تحت أقدام النظام المغربي وحلفائه الذين كانوا يظنون انهم احكموا تخطيطهم للوقوع بالصحراويين في الفخ، وبالتالي انقلب السحر على الساحر وذهبت المملكة المغربية وحلفائها يجرون اذيال الهزيمة.
فأزمة الكركرات، التي كادت ان تقود لمواجهة مسلحة، تعود الى نشر جبهة البوليزاريو لقواتها في وجه القوات المغربية التي حاولت تعبيد طريق يربط الاراضي الصحراوية مع موريتانيا بتلك المنطقة شهر اغسطس من السنة الماضية بغرض فتح معبر تجاري يسمح للمغاربة بمزيد من استنزاف الخيرات الصحراوية باتجاه افريقيا. ذلك الفعل الذي يعد خرقا لوقف إطلاق النار، والذي ليس معزولا عن سلسلة قرارات واعمال استفزازية أخرى قامت بها المملكة المغربية، من آخطرها طرد المكون المدني لبعثة المينورسو، فكان لا بد من صده ليكون مناسبة لتحريك المياه التي كانت راكدة ومن اجل اعطاء دينامية جديدة لمسار الحل المتعطل. 
لقد نتج عن ما حصل في مجلس الأمن تغيير في موازين القوى الدولية لصالح الصحراويين، الذين استطاعوا أن يفرضوا الاعتراف بحقهم والتعامل معهم على اساس احترامه، وفي المقابل تأكد ان حبل مؤامرات النظام المغربي وحلفاؤه قصير وقد انقطع مع اخفاق فرنسا في تسديد طلقتها الأخيرة صوب شرعية كفاح الشعب الصحراوي. 
وبهذا يكون قد تبين الخيط الابيض من الاسود ودخلت القضية الصحراوية مرحلة جديدة ستفتح أبوابا كانت موصدة. والمعركة القادمة ستتخذ أشكالا جديدة ومتعددة واسلحتها حادة جدا، ولا شك ان الاقتصاد على رأسها خاصة بعد قرار المحكمة الاوروبية لشهر ديسمبر الماضي الذي دعم استشارة المستشار القانوني السابق للأمين العام للأمم المتحدة السيد هانس كوريل سنة 2002، بالإضافة إلى انتهاكات حقوق الانسان المتكررة في المناطق الصحراوية المحتلة التي تعتبر من مسؤولية الأمم المتحدة توقيفها والسماح للمواطنين الصحراويين هناك بالتعبير الحر عن آرائهم. وسيظل الدور الافريقي، ممثلا في الإتحاد الافريقي، بارزا وفعالا في التسريع بتصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في القارة السمراء، رغما عن انف النظام المغربي وفرنسا وما سخرته دول الخليج من اموال وما طبخ في تل ابيت من مكائد، لأن الصحراء الغربية هي جزء لا يتجزأ من إفريقيا ومسؤولية حل قضيتها تقع على عواتق الأفارقة بالدرجة الأولى. 
فهل اسست الامم المتحدة في اجتماع مجلس امنها الماضي لنهاية الازدواجية في المعايير في معالجتها لقضية الصحراء الغربية بالاحتكام للشرعية الدولية من خلال احترام مبدإ تقرير المصير والاستقلال؟ هذا ما ستكشف عنه الايام القادمة ان كانا المسؤولين الجديدين الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس ومبعوثه الشخصي هورست كوهلر متحررين من قبضة لعبة المصالح في مهمتهما من اجل تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *