-->

هل نحن شعب يرضى العيش بالفُتات؟


عندما نتأمل واقعنا المر الذي نعيشه منذ زمن بعيد ونتصفحه بتمعن، و نستحضر مقاومتنا التاريخية المعبرة عن رفضنا القاطع له و طموحنا الدائم لواقع افضل و نعود بذاكرتنا الى ظروف شعبنا الصعبة المزرية التي انفجرت الثورة من صلبها، ينبؤنا هذا التأمل ان شعبنا لم يذق طعم الحياة المطمئنة الهنيئة على مدد طويلة، لم يرحمه فيها الا اللّٰه و نفسه، حيث كان ينشغل بمقاومة دائمة للاعداء الدخلاء، الذين كانو يهددونه دائما في وجوده و سيادته الوطنه اضافة الى صعوبة ظروفه المعيشية في وطنه اصلا، غير ان ذلك لم يجعله يستجدي و لم يعرف التسول قط، و انما كان يعتبر ذلك دناءة لا تطيب له، و كان دائما يعيش من كسبه دون ما اعتماد على غيره، ما يستهدينا لوقفة اجلال وتقدير لمآثره لما نستحضر امجاده التاريخية المشرفة، التي هي في الحقيقة مفخرة نستمد منها القوة و الاعتزاز بالنفس و شرف الانتماء اليه، لكنها مسيرة لم تكمل بعد، فهي حصيلة لمراحل من مسيرة تاريخية طويلة لم تعرف الاستسلام اطلاقا، حصيلة تنادينا باستمرار و تستهوينا للمضي الحثيث حتى نهايتها استجابة لروح المسؤولية في استكمال ما بدأه الاجداد وسار عليه الآباء و دأب عليه الابناء و توارثته الاجيال فصار دينا في اعناقها و طريقا لا محيد عن استكماله، كي نكون او لا نكون، الشيئ الذي يستدعينا في هذا المقام للوقوف على بعض مضامينه و اشراطه و استنتاجاته، ان عدنا الى الوراء للتزود من عبر الماضي لنثبت بها الاقدام في الحاضر و نؤسس بها للمستقبل على نحو صائب، و منها: 
١ـ ان شعبنا شعب كريم، بطل، صبور، قانع بما قسم له اللّٰه به، طموح، لا يستبدل الكرامة بشيئ، محب للكسب الحلال المستحق، يعشق العدالة و الحرية و يقدسهما، يحب مكارم الاخلاق، لا يستجدي احد، متضامن و متسامح فيما بينه و مع جيرانه، ينبذ الرذائل كلها، لا يرضى بالظلم لنفسه و لا لغيره، محب للسلام و يُعين الجيران على نوائب الدهر و يعاملهم بما يستحقون من تقدير، اضافة الى فضائل اخرى عديدة.
٢ ـ و بتوفره على هذه الخصال الحميدة و رغم قلته العددية الناتجة عن مقاومته الدائمة للاستعمار و اعوانه، استطاع حماية وطنه الذي تعرض لتكالب استعماري بشع طيلة قرون متتالية طمعا في ثرواته الطبيعية الهائلة الى جانب موقعه الاستراتيجي المتميز، باذلا كل غال و نفيس في سبل ذلك، حفاظا منه على الارض و العرض و الدين، و قد كان جدير بذلك عبر القرون ولم يضع سلاحه ابدا، مما اكسبه الاحترام و التقدير في منطقته و بين جيرانه.
٣ـ و إبان مقاومته الباسلة تلك وجد نفسه في ثلاثينات القرن الماضي، محاصرا بالاعداء من كل حدب و صوب، و رغم ذلك كله لم يستسلم، لكنه اضطر الى مهادنة الاستعمار في سنة 1936م، مهادنة الى حين، و لو انه كان ينتفض من كل عشر سنوات تقريبا معبرا بذلك عن رفضه لهذا الواقع الذي لم و لن يرضى به ابدا، و أبان عن ذلك في فترات: (1956-1958 و 1967-1970) و كانت كل انتفاضة تستفيد مما يحيط بها من ظروف كما كانت تستفيد من تجارب ما سبقها من مقاومة حتى تمخض ذلك عن ميلاد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب رائدة كفاحه الحديث و ممثله الشرعي و الوحيد.
٤ ـ و رغم انه كان يهادن و يحترم تعهداته تماما، تبعا لما تمليه عليه طبيعته السمحى و خصائله الحميدة، و منها الكرم و الوفاء بالعهد، غير ان اعدائه لم يتوانوا لحظة واحدة في طعنه من الظهر و التربية به لتكبيله في محاولة يائسة لترويضه للخضوع لرغباتهم والاستجابة لما تمليه مصالحهم، و من بين مكائدهم الخبيثة تلك، مكيدة التضييق عليه في عيشه بالقضاء على موادره الاقتصادية و جعله ينتظر الفتات، (و كأن بلاده لا تتربع على ثروة قل مثلها في العالم)، فتات مشروط بخنوعه و استسلامه للواقع الذي يرفضه اصلا، فتات يستخدم لتكميمه (دَرْكَ) لتتسنى لهم المتاجرة بمصيره و نهب ثرواته، طريقة مثلى فضلها الاستعمار بعد فشله في قهره بالقوة، طريقة (جوع كلبك يتبعك ) للتحكم في رقابه، طريقة لا يزال الغزو المغربي البغيض يمارسها الى اليوم ضد شعبنا في المناطق المحتلة. 
٥ ـ المتاجرة بمصيره و على ثلاثة مستوايات، 1ـ محليا فبركة "سلطة محلية" باعتماد نسخة مشوهة لادارته التي كانت تدير شؤونه قبل الاستعمار، بتنصيب افراد من المجتمع ينسجمون مع رغبات المستعمر نتيجة عجزهم او طمعهم او قصر نظرهم و رضاهم بالقليل الهزيل، اشخاص يهتمون بمصالحهم دون غيرهم، مما يجعل الشعب يتبرؤ منهم لمَّا تملأ لسبب او لاخر من خصاله الحميدة، ليتحولوا بذلك الى بيادق في يد الاستعمار يصنع بهم غطاءا محليا ضعيفا يبرر به بطشه عند حاجته لذلك ( منشفة). 2ـ سياج جهوي مكون من تحالف الاستعمار مع الرجعية المجاورة لمحاصرة اي مقاومة يقوم بها الشعب لانهم ألِفُوهُ مقاوما، فيتعاونوا على سياسة تدجينه التي تعتمد اساسا على الفقير و التجهيل، و بتجويعه و ذر قليل من الفتات له، يخيل لهم انهم يتحكمون في رقابه، و قد تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.، 3ـ اما دوليا فتنسيق الرجعية مع الاستعمار لانجاز مشاريع كبرى تكون على قدر شهية الكبار، و كأن شعبنا بهائم تدجن و يتاجر بمصائرها في الاسواق المحلية و الدولية، و على هذا الاساس يتم تقاسم الكعكة بين اطراف التآمر، لكل واحد منهم حصته حسب قدره من محلي الى دولي و يبقى نصيب شعبنا فتات بمثابة علف ( الانعاش، الاسعاف، الكرطيات، المساعدات الانسانية، و مساعدات صداقة، la ayuda وظائف وهمية، وعود كاذبة، الخ. الى حين تتم السيطرة التامة عليه فيكون لهم معه شأن آخر، ريثما تأتي الرياح بما تأتي به ينهبون الفوسفات و السمك و الذهب و البترول و ما على وجه الارض و ما في باطنها من ثروات طبيعية. 
هذه هي الخطة الاستعمارية القديمة التي دبرت لمصير شعبنا، و ان كنا قد دمرنا الخطة في بعض جوانبها الا ان الاستعمار لا يزال يطمع في استعادتها او على الاقل و ترميمها، اذن فان كانت خطة قديمة فهي ايضا جديدة، و حين تأتي الرياح بما يشتهون، يكون مصير الشعب الصحراوي مثل مصير الهنود الحمر في امريكا الشمالية و ما من مانع لذك سوى وجوده قوة صلبة موحدة منظمة في اطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ممثله الشرعي و الوحيد، مستعدة لمواجهتم في مختلف المجالات و الامكنة و الاوقات، و تلك هي الصخرة (حجر الزاوية) التي يقع عليها المحك، يصيب بها كل شيئ و بدونها لا يكون له شأن، لانها هي وحدها التي تختزل له مقومات صموده و بقائه بما يضمن له النصر و الصمود امام كل النكسات التي لا مفر منها، في مسيرته المظفرة باذن اللّٰه، تلكم المقومات التي لن تقوم له قائمة الا بها هي: شعب موحد، مؤطر، منظم، متلاحم، قادر فوق ارضه وهذا لم يكن و لن يكون الا في اطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب. اذن بما تقدم نكون قد نفضنا الغبار عن التحدي القديم الجديد: اما ان نعيش بالفتات كالانعام كما يراد لنا من لدن اعدئنا حتى يتيسر لهم رمينا مع الفتات ليتمتعوا ابدا بما تحت اقدامنا من ثروات، او نعيش اسيادا فوق وطننا كما نريد نحن لانفسنا.
فمن هذا الواقع المر الذي لا خيار فيه لاحد منا الا ان يقبل باحد القسمتين، انتفض الشعب الصحراوي في 17 يونيو 70 و من ثم في ثورة الـ ٢٠ ماي الخالدة ليغير مجرى التاريخ، ليغير الواقع المرفوض و يستبدله بواقع مطلوب الذي رضى لنفسه ألا وهو الاستقلال الوطني و بناء صرح الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الكاملة السيادة على وطننا الحبيب ليتسنى لكل صحراوي ان يعيش عيشة كريمة تليق بقدره بعد ان جرب كل الطرق الاخرى و باءت بالفشل، لكن لكل فرد من هذا الشعب الكريم، حق الاختيار، اما ان يكون من الصغار الذين تعظم في عيونهم صغارها او من العظام الذين تصغر في عيونهم عظامها لتأتي على قدرهم المكارم، كما قال ابو الطيب المتني في مطلع قصيدته المشهورة :
" عَلى قَدرِ أَهلِ العَزئمِ تَأتي العَزائِمُ" 
" وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ 
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها" 
" وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ "
و من هنا نريد اثارة انتباهك ايها الانسان الصحراوي الى الآتي: ان كنت ترضى بالقسمة التي قسم لك بها اعداؤك فلا عليك فانت لست معني بهذا الحديث، "معذور" و التمس منك عذرا. و ان كنت تفضل ما قسمه اللّٰه لك به، قسمة حفظها الاجداد و دافع عنها الاباء و يفترض ان يصونها الاولاد و الاحفاد، فهذا قدرك، و الرضاء بالقضاء اذن.
بهذه الاطلالة الخفيفة التي تعكس صورة موجزة من حقيقة واقع كفاحنا البطولي و المليئ بالتحديات، نكون قد استنتجنا ان قدَرَ من ينتمي لهذا الشعب الكريم المقدام، هو ان ملَّكنا اللّٰه وطنا يُسيل لعاب الطامعين و يطمعون في القضاء علينا بعد ان خبرونا شداد، و بذلك جعلنا اللّٰه اب عن جد، امام تحد لا مكان فيه للتخاذل، ملكنا هذا الوطن الذي لا يعيش فيه بكرامة الا من هو مستعد للتضحية بكل شيئ من اجل اغلى شيئ و هو الحرية و الكرامة، الكرامة التي لا تتجزء، كرامة الفرد و الشعب و الوطن، جعلنا اللّٰه من شعب في وطن لا وَسطِية فيه، اما ان نكون عظماءا اسيادا فوق وطننا الحبيب او عبيدا لاعدئنا، (سبي) و نحن اصلا لا نصلح ان نكون عبيدا، مما يعني اننا لا نكون الا اسيادا اما فوق الارض او تحتها ولا وجود لخيار ثالث و اقول لمن يتوهم وجود ذلكم الخيار بانه واهم.
اذن يا من تريد ان تكون سيدا بالحق الذي ملكك اللّٰه اياه فوق هذه الارض الطيبة، اعلم ان العيش بالفتات مضيعة لا يسمن و لا يغني من جوع، و لا شك اننا جميعا نريد ان نكون اسيادا في وطننا، و لكننا نعلم ايضا انه لا سبيل الى ذلك الا بدمائنا و عرقنا ومعاناتنا، فماذا ننتظر اذن؟.
أترك الجواب لنفسي اولا و لك ايها القارئ الكريم، جوابا في الميدان يترجم الى خطوات عملية نحو تغيير الواقع المرفوض الى واقع مطلوب يخلص شعبنا من المعاناة و يضمن له حياة كريمة مكافأة له على كرمه.
محمد فاضل محمد اسماعيل
Obrero

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *