-->

« إقرأ »


بقلم: ابيغية محمد البشير
"خذني الى شارع المتنبي و انسيني هناك"
استوقفتني هاته العبارة التي اختارها صاحبها كوصف لجمال المكان بسبب وفرة الكتب التي
تعم الشارع باكمله ،
المثقف يعي تماما ما يعنيه لفظ كتاب بقدرما يدرك الأمي ألم من لا يستطيع قراءة كتاب.
ان تحصل على شهادة البكالوريا او الجامعية ليس بالضرورة انك مثقف بفطرة الدراسة كالشأن ذاته الذي حصل معي اثناء مسيرتي الدراسية .
مرت سنين الدراسة كلها بين حفظ و تكرار بعض النظريات و تطبيق بعض المعادلات و الاكتفاء ببعض المصطلحات في اللغات الاجنبية ، أما حمل كتاب فكان معناه الانطواء بحجة انه يكفيني ما بين يدي من مقرارات اكادمية تحمل الكثير من البدهيات والمحدودية الثقافية التي كانت وقتها بمثابة الباع العلمي و المعرفي ، فالانسان المثقف في نظري هو ذلك الشخص المتفوق دراسيا وفقط . اما كثير المطالعة والملم بمايدور حولنا وفي كل المجالات بما في ذلك السياسي والاجتماعي والعارف بثقافات العالم والمتحدث عن آخر الدراسات العلمية والفكرية فيعتبر في إعتقادنا حينها خروج عن المألوف ويُنعت صاحبه بأنه المختل عقليا دون الإدراك أن المريض الحقيقي والضحية هو من يفتقد لنور القراءة والمطالعة .
انحصر تعليمي وزميلاتي على ماتمليه الدراسة الاكادمية فقط ومن تدني مستوانا الدراسي فكان يرهبنا السؤال المعقد وأحيانا نشك في ورقة الامتحان نفسها من صعوبتها نقول بأن القائمين على الاسئلة اختلفت عليهم المستوايات فمثل هكذا سؤال لم نقرأه ابدا هكذا إذن انعكس نفورنا من المطالعة على المستوى التعليمي لدينا حيث كنا نلجأ الى التحجج وبكل ثقة في شرح بعض مصطلحات اللغة العربية على انها مصطلحات قرآنية استعصت حتى على الصحابة فما بالك بنا نحن ...إنها قمة البلادة. .
كانت حقبة زمنية مظلمة في حياتنا وغير مشرفة تلك هي سنوات الدراسة وعقلياتها وللأمانة لايزال الكثير من مجتمعي متمسك بها الى اليوم ، متمسك بتلك النظرة الدونية لحامل الكتاب هي نظرة يمكن ان نلخصها في مفهوم واحد وهو ان الذي يعلم لا يستوي مع الذين لا يعلمون والذين لايعلمون من تخلفهم وتخلف افكارهم يرون بأن الاختلاف انحراف وبعضهم بين مهدم و شيطان ظاهر يكره التغيير و تقدم الآخرين عنه .
إكتشفت وللأسف انني كنت ضحية سذاجتي وأجواء منطوية وافكار مظلمة وعقليات متخلفة امام امر لا يستحق المجادلة ولا التفكير ، امر بإمكانه ان يضعني لا محالة في المكان اللائق والصحيح حيث المتفوقين و الكُتاب و الباحثين وأصحاب الدراسات العليا .
بصريح اللفظ مجتمعي العزيز أمام قضية كبرى وهي قضية المطالعة فلا خير في أمة لاتقرأ فنحن الآن نفهم السياسة على انها التطاول على السلطة و ان الثقافة هي حفظ اغنية و تكرار شعارات و ان الحقوق هي عدم قطع سلك كهرباء ، مجتمعي العزيز يطالب بالاستقلال و هو لا يقرأ لا يعي ما يدور في العالم من اخبار لا يطرح تساؤلات لا يقدم دراسات و لا حتى مبادرات و لا ابداعات فأين إذن شارع المتنبي فينا و بيننا ؟ ، فهل طرحتم سؤالا على انفسكم كم من كتاب قرأت ؟ ماهو آخر كتاب قرأت ؟ ، ماذا تفضل من الكتب والكُتاب ؟ اسئلة عدة قد لاتجد لها جواب لأن ثقافة الكتب وماتحمله الكتب من قيمة علمية تكاد تنعدم في مجتمعي ، يجب ان لانتحجج بعدم وجود المكتبات وظروفنا لاتسمح بالمطالعة كلها مجرد حجج مخجلة واعذار اقبح من ذنب و من دون شك هي مجرد سهام جهل تتخلل وتتسلل الى افكارنا لتشل تقدمنا وتطورنا كباقي المجتمعات .
علينا مصالحة الكتب والإعتذار منها وبالتالي مصاحبتها وملازمتها ، نحن مجتمع نملك من الوقت ما يٌتيح لنا قراءة ومطالعة اكثر قدر من الكتب ، لايجب ان نستسلم للظروف وقساوة واللجوء بل العكس علينا إستغلالها وتسخيرها لصالحنا وقتل فيروس الجهل والأمية بالقراءة والكتابة في كل وقت وحين فلنساهم جميعا من اجل حياة أفضل اكثر وعي واطلاع وابداع فماذا سنخسر اذا قرأنا و نحن في سيارات الاجرة ؟ ماذا سنخسر اذا قرأنا و نحن في محل ؟ و نحن في جلسة شاي او ننفرد و نخصص في اليوم وقت للمطالعة ؟ ماذا سنخسر اذا شجعنا اصدقاءنا و بادرنا بشراء كتب و قمنا بتوزيعها لإحياء هذه الثقافة و قمنا ببرامج تحسيسية في هذا الجانب ؟
مارأيكم في مقولة آرسطو بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن " تصبح الكتابة مكاناً له ليعيش فيه " و قيل له ايضا كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب : أسأله كم كتابا يقرأ وماذا يقرأ ؟ فبماذا إذن سوف نجيب انفسنا و بماذا سوف نحكم عليها ؟!!
تقبلو مودتي واجعلوا القراءة والمطالعة شعارا وعنوانا لرسم حياة صحية فكرايا منسجمة مع أفكار الآخرين الفكرية والعلمية .
و لا تنسو دائما .
اقرأ لما التهاون إذن ؟

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *