-->

الاهرام : المخدرات...مصر المصب ، فأين المنبع ؟


1. الذكرى الشبح : تمر اليوم الذكرى السابعة والعشرون لاعتقال "مانويل نورييغا" رئيس بنما السابق ، الدولة ذات السيادة والعضو في الامم المتحدة .

إذ في الثالث من يناير 1990 القت القوات الامريكية القبض عليه بعد ان حاصرت مقره وعزفت مقاطع من الموسيقى الصاخبة خارجه حتى استسلم ونقل الى الولايات المتحدة الامريكية حيث حوكم بتهم الاتجار بالمخدرات وغسيل الاموال وسجن حتى وافاه الأجل ، لا يملك بطاقة ائتمان للإقامة الوجيزة بين أجنحة " ريتز كارلتون " .

المناسبة التاريخية تطرح اكثر من تساؤل عن مدى حصانة الدول من القانون والعدالة الدولية وكيفية تعاطي هذا القانون مع الجرائم العابرة للحدود ختاما بفزاعة "جاستا" الامريكي .

وتحيل المناسبة للتجاذبات الحاصلة في ربوع ما يعتبر القارة المستباحة من قبل ادعياء حماية القانون الدولي ، الذين زاد اهتمامهم في المرحلة الاخيرة بمنطقة الساحل الافريقي مع تزايد المؤشرات من انتقال النشاط الارهابي الى القارة الافريقية وحصره جغرافيا بدول الساحل ، مما ينبئ بدخول المنطقة في دوامة حسابات وتحالفات استراتيجية مع بدء تنزيل مقاربات الدول الغربية الامنية لمواجهة الارهاب في المنطقة, واعتمادها سياسات تدخل بالوكالة, عبر إنشاء قوات إقليمية أو محلية.

ويزداد الوضع خطورة وتعقيدًا مع اتساع تحالف الجماعات المسلحة المتشددة وعصابات المتاجرة بالمخدرات الذي فرضه تشابك مصالح هذه الجماعات وتقاطعه مع الاجندات .

إن تهافت القوى الدولية على منطقة الساحل والصحراء، يعكس إلى مدى بعيد الأهمية الإستراتيجية للمنطقة لدى الدول الغربية، فالكل يتذكر الإلحاح الذي أبدته واشنطن، في السنوات الأخيرة، من أجل حث بلدان إفريقيا على استضافة قاعدة عسكرية أمريكية بالقارة السمراء تحت اسم “أفريكوم”.

وهذا التهافت الغربي على المنطقة لا شك أنه جاء في سياق تزايد نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة، قبل أن يتمدد هذا النشاط ليشمل العديد من دول جنوب الصحراء الكبرى ؛ بحيث باتت هذه الصحراء تُنعت بـ”تورا بورا الصحراء ”.

وتظل الافاق حبلى بالتحولات مع تزايد هذا الاهتمام الغربي بمنطقة الساحل والصحراء، وبخاصة في ظل الوضع الأمني غير المستتب في ليبيا ما بعد العقيد معمر القذافي؛ حيث تشير تقارير مختلفة إلى تدفق السلاح الليبي وكذا العناصر المتشددة إلى المنطقة الممتدة من الجنوب الليبي إلى النيجر وبوركينافاسو وتشاد ومالي و تونس وغيرها من دول المنطقة لاسيما مع هزيمة "داعش" في العراق وسوريا .

وبتحول المنطقة الى مركز اهتمام العالم ، تتحول الادانة المحصلة بالإجماع الى سبيل كشف تورط بعض الدول الاقليمية في شن حرب "كيماوية" من خلال المخدرات على بلدان الجوار .

ففي منتصف سنة 2017 اصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً حول المخدرات في العالم، اعتبرت المغرب المنتج الأول لمخدر القنب الهندي بـ 700 طن، كما اعتبر التقرير أن نسبة أموال المخدرات هي 23% من الناتج القومي الخام في البلاد. وهذا يعني أن المخدرات تخلف 23 مليار دولار سنوياً.

التقرير الامريكي اعقبه تصريح وزير الخارجية الجزائري في اكتوبر المنفرط اعتبر فيه ان ما تقوم به البنوك المغربية في القارة السمراء هو مجرد «إعادة تدوير أموال الحشيش وتبييضها»، وأن شركة الطيران المغربية «تنقل إلى أفريقيا أشياء أخرى غير المسافرين».

2. الاعلام بين المهنية والارتهان السياسوي

إذا كانت جغرافيا العزل ميزة منحت المغرب فرصة استهداف الجيران ، فإن المجاهرة بالحقائق المدينة له ولحربه على دول المنطقة يعتبر جريمة في فقه مغرب ملك الفقراء ، رغم الصمت المغربي المطبق الذي اعقب تقرير الخارجية الامريكية .

اسلوب التجريم المخزني لتناول قضايا الارهاب والمخدرات اصاب الاعلام العربي في مقتل ، وجعل مهنيته على المحك وكشف سقوطه الحر في شراك التوجيه والارتهان للحسابات الضيقة.

ففي تحقيق استقصائي تحت عنوان "« الأهرام » ترصد خطوط سير قوافل التهريب بـ ٥ دول ، الصحراء الكبرى.. بوابة عبور المخدرات والسلاح والإرهابيين إلى مصر عبر ليبيا " ، كان من المفترض ان يستكمل بتبيان شمولية الخارطة لكشف جغرافيا المنبع قبل دول العبور والمصب.

واستفاض التحقيق الاستقصائي في حجم عائدات زواج الارهاب والمخدرات وما يشكله من تهديد لدول المنطقة مؤكدا على ان " بلدان جنوب الصحراء الكبرى عرفت تجارة المخدرات على نطاق واسع وبشكل علنى مع نزوح كتائب التكفير والجماعة السلفية للدعوة والقتال جنوبا بعد عام 2003 »، وزادت بعد قوتها إعلانها الولاء لتنظيم القاعدة فى أفغانستان وتسميها بـ»قاعدة بلاد المغرب الإسلامى»، وكان مختار بلمختار الملقب بـ»بلعور» أول من شارك من الإرهابيين فى التهريب بداية من السجائر حتى بات يعرف فى الصحراء بـ»مستر مارلبورو» وتطور عمله بالاتفاق مع زعماء التهريب ورعاية أجهزة استخبارات دولية وإقليمية لتهريب المخدرات اعتمادا على فتوى بن لادن بـ»جواز بيع السم للكافرين» حتى أصبحت المخدرات منذ 2011 تمول صناعة الإرهاب والحرب الأهلية والجريمة المنظمة فى ليبيا وموريتانيا وسيراليون وغينيا كوناكرى وليبيريا وساحل العاج ومالى والنيجر وتشاد ودارفور، خصوصا أن هذه الدول إما فاشلة مثل ليبيا أو تشتهر بانعدام الأمن وهشاشة جيوش بلدان جنوب الصحراء".

التحقيق الصحفي ابان عن نتائج التحالف المعقد بين الجماعات الارهابية وتجارة المخدرات من تهديد لدول المنطقة وللمنظومات الاجتماعية التي اصبحت ضحية استقطاب ممنهج وعاصف .

ان المعطيات التي ذكرها التحقيق اظهرت ان المنطقة تعاني من ازمة ثلاثية الابعاد ، وان مصدر الخطر يكمن في الرعاية التي يوفرها التدخل الاجنبي لعصابات المخدرات ومافيا التهريب والجماعات الارهابية ، و وجود ارتباط وثيق بين شبكات التهريب والمجموعات الإرهابية ، ففي العلاقات بين الطرفين، يأتي السلاح كواحدة من أبرز "البضائع" التي توفّرها شبكات التهريب لمصلحة المجموعات المسلحة والحركات الارهابية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.

ورغم الاستفاضة الكبيرة في الغوص في المغذي الاساسي للإرهاب والجريمة المنظمة وتبيان اسباب عدم الاستقرار بالمنطقة وحصره في تجارة المخدرات ، إلا ان التقرير اغفل معطيات اساسية ومهمة تعتبر مدخلا لفهم ما يحاك تجاه دول المنطقة من خلال سلاح المخدرات العابر للحدود .

3 . مشروع تصوير السد كمنبع

إن قراءة موضوعية للتقارير الدولية خلال العام المنصرم تكشف بالملموس حجم الانتاج المغربي لآفة المخدرات وكذا الاسهام في تهديد دول الجوار بتربع المغرب على عرش انتاج وتهريب المخدرات .

فالمغرب يحتل المرتبة الأولى عالميا كمصدر رئيسي للقنب المنتج للحشيش وهي مسألة تدفع ضريبتها دول الطوق (الجزائر و الجمهورية الصحراوية ) وباقي دول الفضاء الاقليمي ( موريتانيا ، مالي ،النيجر ، التشاد ، ليبيا ) التي تقف سدا امام تدفق هاته الافة .

وكانت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات أكدت أن المغرب صدر للعالم ما يزيد عن 82% من إجمالي المخدرات التي ضبطتها سلطات الجمارك في جميع أنحاء العالم، حسب إفادة المنظمة العالمية للجمارك.

وكشف التقرير أيضا حجز 129 طن من القنب الهندي في المناطق الحدودية للمغرب استعدادا لتصديرها لدول الجوار، وتم أيضا حجز 83 طن بمصر و33 طن ببوركينا فاسو.

وأكد التقرير أن المغرب هو بوابة تصدير المخدرات بمختلف أنواعها إلى أوروبا وإفريقيا، وان هناك شبكات وعصابات المافيا تدير أعمالها من داخل المغرب.

وفي هذا الإطار، ندد التقرير بالتسهيلات التي تقدمها الوسائل الأمنية المغربية في تمرير المخدرات ، وذلك بالحيلولة دون اعتقال عناصر “الكارتل” المغربي -الجنوب أمريكي الذي ينظم ويشرف على عبور المخدرات من بنما إلى أوروبا عبر أراضي الصحراء الغربية المحتلة.

و كشفت "أوربيّين بوليس أوفيس" المعروفة اختصارا بـ"يوروبول" كيف أن الجريمة المنظمة تساهم بطرق غير مباشرة في إنتاج وتدفق القنب بشكل كبير، بين الدول المصدرة (المنبع) والمستوردة (المصب) للمادة المصنعة للحشيش.

وظلت الرباط تدعم وتتغاضى في اقل الحالات عن عمليات الاتجار غير المشروع للمخدرات ، منتهجة أساليب مختلفة بما في ذلك تكوين ودعم المجموعات الارهابية و العصابات الإجرامية المنظمة ومجموعات التهريب التي تعمل بقوة لإيجاد الطرق التي تمكنها من تصدير اسلحة السموم الكيماوية (المخدرات ) سواء للبلدان المجاورة أو أوروبا.

ومع غياب المقاربة الشمولية التنموية, في معالجة الازمات التي تتخبط فيها منطقة الساحل الإفريقي وطغيان اهتمامات الفاعلين داخليا وخارجيا على الجانب الامني العسكري او محاربة الإرهاب الظاهرة ، فإن معالجة الوضعية في هذه المنطقة الحساسة من افريقيا تتطلب حلولا مستدامة وإجراءات متنوعة ومتكاملة تتوخى عدم إغفال محاربة الارهاب المصدر الذي يقوم في جزء كبير منه على التمويل عبر تجارة المخدرات .

كما ان تحركا افريقيا لمواجهة الرباط ودفعها للتخلي عن السياسيات العدوانية تجاه بلدان الجوار والمنطقة ، يعتبر مدخلا لحل المشكلات العويصة التي تتدحرج بشكل متسارع وتدفع بالمنطقة الى وحل الازمات المتعددة خاصة بعد انضمام المغرب اخيرا الى الفضاء القاري .

واذا كانت المراجعات الفكرية والعقائدية وتنقية الخطاب ابرز المعالجات لمحاصرة الظاهرة واجتثاثها خلال العقد الماضي والذي يلعب الاعلام دورا مهما فيها ، فانه ليس من الحكمة ركوب ممارسة التعمية لحسابات سياسوية ما ، يقلب معها منطق الاشياء ، حيث نتحدث معها عن مصب لا منبع له ونختلق سدودا وهمية علنا نجعل القارئ يخالها منابع ، وهي التي (المنابع) لم تسبرها دلاء التقصي من حيث ندري أو لا ندري.

وإذا كان تحقيق الخطط العظيمة لأهدافها مرتبط بتوفر اللوجستيك كما يقال ، فإن حرمان المجموعات الارهابية في الساحل من مصدر تمويلها هو السبيل الانجع للقضاء على الظواهر التي تعصف بالمنطقة .

بقلم الكاتب والإعلامي : محمد أعلي ( الفاروق)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *