-->

القوة العمومية بين إشكالية استتاب الأمن وضمان الحريات الجماعية دراسة حالة: الحظر الليلي والحواجز الرملية في مخيمات العزة والكرامة

إن الدارس لتطور المجتمع الصحراوي سيلاحظ بشكل جلي التغير الذي حدث في مخيمات العزة والكرامة هذا التطور الذي صاحب مجموعة من الأحداث الإقليمية (اجتماعية أكثر من كونها سياسية) كغلاء المهور، غلاء في المعيشة، تزايد سكاني (ديمغرافي)، انفتاح مجتمعي (العولمة) ...وأسباب أخرى كثيرة لا يمكن حصرها.
  كل هذه الأسباب/العوامل كانت كأفعال وكل أفعال تتطلب بشكل إلزامي ردود أفعال تعالج أو تخفف من حدة الهوة الناجمة عن ما سبق خاصة في القطاع الاقتصادي، فكانت الجريمة المنظمة بكل ألوانها (الاتجار بالمخدرات، الاتجار بالأسلحة، الاتجار بالأشخاص، التهريب بكل أنواعه وغسيل الأموال....) كردة فعل لكل ذلك التغيير وكغطاء للهوة المجتمعية التي خلفها تسارع وتيرة العولمة وانفتاح المجتمعات التقليدية على العوالم الغربية.
  والأمن كمفهوم يعتبر من أصعب المفاهيم التي تناولتها الدراسات الأكاديمية كونه مفهوم نسبي ومتغير بتغيرات الظروف، ومركب وله أبعاد ومستويات عديدة ومختلفة، تصل دائما إلى مرجعية أن السياسات الأمنية جاءت من أجل إزالة الخوف عن الأشخاص أفرادا كانوا أو جماعات، وهو الأمر نفسه الذي تحدث عنه تعريف الأمن الإنساني في أجندات الأمم المتحدة الذي يقول:" يشير الأمن الإنساني إلى ضمان عيش الإنسان في بيئة أمنة بعيدا عن العدوان والعنف والتهميش والحرمان وعدم التمكين الاجتماعي ... وغيرها من المعايير التي تحفظ كرامة الإنسان وتضمن حريته ..."
وبالحديث عن إشكالية الأمن في مخيمات تندوف سيجد الباحث أن التهديد أمر طبيعي لكن ليس كل ما هو طبيعي مقبول أو مستحب وسيجد أيضا أن ردة الفعل أحيانا تكون أكثر قسوة وعداوة من الفعل ذاته . فبعد ازدياد معدلات الجريمة في المجتمع المحافظ عمدت الدولة إلى إتباع مجموعة من الإجراءات الوقائية كاستجابة منطقية لكل تهديد يمس المواطنين وهو نفس الحال مع الدول الكبرى في غلقها للمطارات بعد التفجير أو منع السفر على الرعايا من والى دول محل تهديد... لكن أيضا المتتبع للأحداث الدولية سيجد أن كل هذه الإجراءات هي إجراءات ظرفية لا تتعدى أيام حتى تعود المياه إلى مجاريها لأنها و باختصار تحد من حرية الأفراد ولا يمكن اعتبار المنظومة الأمنية ناجحة مادامت تقيد حرية المواطنين. فجاء مصطلح الحظر الليلي وإقامة الحواجز الرملية على التجمعات السكانية كاستجابة ردعية لما تحدثنا عنه أنفا من تهديدات أمنية. 
الحظر الليلي والحواجز الرملية:
هي مجموعة من الإجراءات الوقائية جاءت كاستجابة منطقية تحفظ سيادة الدولة كون هذه الأخيرة مرتبطة بضمان بقاء الأفراد وحمايتهم من كل تهديد.
فأصبح دخول المجمعات السكانية مؤقتا كما أن خروج هذه المخيمات محدود بوقت وببوابة دخول وخروج ترعاها القوة العمومية بعد أن عجزت السلطة السياسية عن تأمين ممتلكات المواطنين في الأسواق الشعبية (المرسى). 
والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هو:
هل نجحت الإجراءات الوقائية في حماية المواطنين.؟ 
     وكفرضية مؤقتة نحاول تفسير ما جاد به أمجاد النظرية البنائية في تفسيرهم لمفهوم البنية الاجتماعية.          
مفهوم البنية الاجتماعية:
  تتشكل البنية الاجتماعية لنظام ما من الأفكار، القيم، الادراكات، الهويات والمعايير التي يتشاركها الفاعلون المشكلون للنظام: فالبنائيون لا يهتمون بالأفكار التي يحملها الفاعلون (فهذه أفكار ذاتية) لكنهم يهتمون بالأفكار التي يتشاركها الفاعلين (فهذه أفكار بينذاتية).
وهذا يعني أنه لا يمكن اعتبار الجريمة جريمة ما لم نتشارك التهديد الذي تشكله فالإرهاب والتهريب وتجارة المخدرات كلها جرائم لأننا نقر جميعا بالتهديد الأمني الذي تشكله.
لكننا أيضا سنجد جميعا أننا بالقدر الذي كنا نقر بخطورة التهديد أصبحا نقر أيضا بعدم جدوى وفعالية هذه الإجراءات المتبعة، فلا باس أن نقول أن منع التجوال في أوقات معينة جاء من أجل الحد من ظاهرة السرقة، لكن من العيب والعار أن نقول في نفس الوقت ونفس الإحصائيات أن معدلات الجريمة ارتفعت. ما يوحي حقيقة بخطاء ما وجب تحديده ومعالجته، أن لم تكن المعالجة بضمان الأمن فلتكن بضمان الحرية والتمتع بمظاهر المواطنة الطبيعية.
ومن الغرائب ما أخبرني به أحد المواطنين إذ يقول: "أنه كان قادم من ولاية الرابوني فحدث عطل في سيارته ما أجبره على الوصول متأخرا بنصف ساعة بعد قلق أبواب الولاية، حاول الدخول مستخدما بذلك أساليبه الخطابية لكن دون جدوى لأن حجة الأخر كانت أكثر إقناعا كيف لا وهي تقول أن منعك من الدخول فيه تأمين وحماية للمواطنين، وبحكم أنه مواطن شريف يخاف كغيره على سلامة وأمن المواطنين ما كان منه إلا أن أفترش التراب بجانب سيارته منتظرا أوصول فجر يعلن نهاية مأساة المواطن. دخل المخيم مع دخول أول خطوط شمس "تفسكي" فقرر أن يفتح محله الواقع في أحد الأسواق الشعبية فلمحت عيناه قبل أوصوله تجمع كبير لأفراد محاطين بسيارات الشرطة الوطنية، تفحص الأمر وتبين له أن محله كان عرضة للسرقة لليلة البارحة هو ومحلات بعض الإخوة التجار.
  ما يمكن حقيقة استنتاجه ليس من سرقة محل أخينا هذا بل من كل مظاهر تقييد الحريات الجماعية, هي أن كل سياساتنا أصبحت بالية تكرس للهيمنة في كل مجالات الحياة اليومية.

    بقلم: الناجم حيمد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *