جماعة "الإخوان المسلمين" بعد تسعين عاما.. خيارات العنف والتفكك وأسئلة الثورة
اكتملت تسعون عاما بعد تأسيس الشيخ حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين، تسعون عاما سبحت فيها الجماعة في نهر الزمن وحفل سجلّ أحداثها بمحطات وفواصل متعددة.
في سنتها التسعين تعيش الجماعة الإسلامية الأكثر انتشارا في العالم محنة ليست الأولى وربما تكون الأصعب في تاريخ محنها وصراعاتها المفتوحة مع السلطة في بلدها الأم مصر وفي بلدان عربية متعددة امتدت إليها ظلال الإخوان المسلمين.
خرج الإخوان من سنوات السجن والمطاردة والحل إلى سنين أو أقل من الحكم الصعب عبر وصول ابن الجماعة محمد مرسي إلى السلطة قبل أن تنهار أرضية الحكم من تحته أقدامه وتلقيه مع الآلاف من رفاقه في سجون الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، في حين التقمت آلة الموت آلافا آخرين من أبناء الجماعة ومناصريها في أحداث ومجازر متعددة شهدتها مصر عشية الإطاحة بمرسي.
مستقبل بين الأشواك
تهتم أطراف متعددة في العالم براهن ومستقبل جماعة الإخوان، وتعطي المراكز البحثية الغربية بشكل خاص هذه الجماعة أولوية في تحليل المواقف واستشراف المواقع، رغم أن غالبية هذه المراكز تساير في غالب الأحيان الرؤية السياسية والأمنية لجهاتها التنفيذية وبلدانها الموجهة.
ورغم الأشواك والعقبات الكثيرة التي تواجه جماعة الإخوان في أكثر من بلد إسلامي، فإن القضاء عليها -كما يتوعد بذلك ولي عهد السعودية محمد بن سلمان- يبدو أمرا صعب للغاية، ووفق دراسة نشرها مركز كارينغي في العام 2015 فإن "الجماعة أصبحت أكثر ميلا للمجازفة لأن عددا من قادتها لم يعد لديهم ما يخسرونه".
ويؤكد كاتبا الدراسة ناثان براون وميشيل دنّ "أن الجماعة مصممة على لعب دور عندما تسنح الفرصة للتغيير لاحقا في مصر، لكنه دور مختلف عن الدور الذي لعبته في المرة السابقة. اعتبارا من العام 2015، بات ينظر إلى هذا الدور على نحو غامض باعتباره أكثر "ثورية"، حيث تلحّ الحركة على إجراء تغيير أعمق مما كان عليه الحال في الفترة 2011-2013. وربما تحدد جماعة الإخوان في الوقت المناسب أهدافها الثورية بصورة أكثر وضوحا، وهي العملية التي من المرجح أن تتشكل جزئيا إذا استمرت الجماعة في كونها معزولة ولديها عدد قليل من الجماعات الإسلامية الأخرى الحليفة، أو إذا أصبحت جزءا من حوار معارضة أوسع يشمل الجماعات العلمانية وكذلك الإسلامية".
سؤال التفكك
ورغم الحديث المتزايد عن قدرة الجماعة على التكيف مع الوضعية والسعي لتقديم بدائل سياسية تعيد بها التموقع داخل المشهد السياسي المصري، فإن خيار التفكك يبدو هو الآخر سؤالا محوريا يقرع بوابات التفكير والاستشراف تجاه الجماعة.
وتذهب الباحثة الإسبانية إتش إي هيلر إلى أن "احتمال تفكك وانقسام جماعة الإخوان المسلمين يتنامى بشكل متواصل، وأن هناك العديد من السيناريوهات التي من المرجح أن تحدث خلال الفترة القادمة، من بينها، يمكن الحديث عن انقسام الحركة إلى شقين: الأول وهو الذي يمثل جوهر هذه الحركة، والثاني في شكل جماعة متمردة تتبنى استخدام العنف".
وتلاحظ الباحثة وفق ما نسبت إليها صحيفة ألباييس الإسبانية ونقله موقع عربي 21، أن "هذا الخلل الداخلي الرئيسي قد أحدث انقسامات بين قدماء قادة الحركة الذين تمكنوا من الهرب إلى المنفى بعد الانقلاب، والملتزمين بالتوصل إلى حل تفاوضي للصراع مع النظام، وبين الجيل الشاب الموجود على الأراضي المصرية الذي يدعو إلى ضرورة توفر حرية أكثر في اتخاذ القرار".
ومع ذلك لا تخفي الباحثة تفاؤلا بقدرة الإخوان على التكيف، خصوصا أن الأوضاع العامة في مصر مساعدة في ذلك "فلطالما أظهرت الحركة الإسلامية قدرة على المقاومة والتأقلم مع الوضع السائد، سمحت لها بأن "تنهض من تحت الرماد" في مناسبات عدة. وربما سيحدث الشيء نفسه خلال هذه المرة، خاصة أمام عجز النظام العسكري على إدارة البلاد، فضلا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مازالت تغرق أرض الفراعنة".
الإخوان والغرب
يطرح إشكال علاقة الإخوان بالغرب سؤالا آخر ضمن استشراف مستقبل الجماعة، خصوصا أن جهات سياسية وأمنية عديدة في العالم العربي تسعى إلى الربط الجذري بين الإخوان وبعض الجماعات الأخرى الموسومة غربيا وعربيا أيضا على نطاق واسع بالإرهاب.
ويحذر الباحث ناثان من مركز كارينغي واشنطن من الوقوع في فخ الربط بين الإخوان في ليبيا على سبيل المثال وبين بعض الجماعات الأخرى، معتبرا أن "العناصر المتشددة في البرلمان في طبرق والحكومة المنبثقة عنه في البيضاء، وأنصارهم في القاهرة وأبو ظبي، دمجوا هذا الجناح الراديكالي مع الإسلاميين السياسيين الأكثر انتشارا مثل جماعة الإخوان. ولذا فإن على واشنطن تجنّب الوقوع في هذا الفخ".
ولا يمكن استبعاد خيار آخر وهو إمكانية الحوار مع الإخوان في سياق محاربة الإرهاب نظرا لتعقيد مسألة الإرهاب وصعوبة الاكتفاء بالإسلام الرسمي لمواجهة هذه الظاهرة المفزعة، حيث "يبدو أن الأشخاص الذين يتوقعون من الأنظمة أن تكافح التطرف من خلال السيطرة على المنظومة الدينية الرسمية، يستخفون بمدى تعقيد المسألة. فالأنظمة تصبو إلى تحقيق أهداف أوسع نطاقا من مجرد محاربة مجموعات معينة، والأدوات التي تملكها غير عملية ومشكوك بفعاليتها" وفق دراسة نشرها كارينغي.
إخوان الخليج في عنق الزجاجة
يواجه إخوان الخليج بشكل خاص أزمة متفاقمة حيث يعتبرون الخصم الأول بالنسبة للدول الخليجية الثلاث، السعودية والبحرين والإمارات، وتعتبر وكالة بلومبرغ أن سبب ملاحقة السعوديين للإخوان المسلمين أنهم يرون أن الجماعة هي الحركة الوحيدة المنظمة والعابرة للحدود، والتي تُقدِّم للشعوب نموذجا بديلا للنشاط السياسي الموجود والشرعية الموجودة. وهو الأمر الذي يشكل تهديدا بالنسبة لهم.
وحذر تقرير لبلومبرغ نشره موقع هافبوست عن الأزمة القطرية من أن اختفاء الإخوان المسلمين جراء الحملة الحالية ضدهم معناه صعود التيار الديني المتشدد مثل تنظيم الدولة، لأن جماعة الإخوان تُمثل الديمقراطية الإسلامية، وفقا لما نقله التقرير عن مطلعين على أوضاع الجماعة.
الإخوان وخيار العنف
من بين أسئلة الاستشراف المهمة التي يطرحها جدل المواقع والمواقف الآن يظهر سؤال العنف، وهل سيتجه الإخوان المسلمون إلى العنف بعد أن اكتشفوا أن "سلميتهم ليست أقوى من السلاح".
يطرح هذا السؤال نفسه بقوة، خصوصا أن تيارات إسلامية متعددة أخذت "طريق ذات الشوكة" وفق التعبير الإسلامي السائد، كما أن الدعوة إلى حمل السلاح لمواجهة حملات القتل والأسر باتت تسمع من حين لآخر بين شباب الإخوان أو ما يعرف بالتيار الشبابي داخل الإخوان لمواجهة واقع التضييق والمطاردة ووقائع القتل والمواجهة التي يتمسك بها النظام المصري كخيار وحيد في مواجهة الجماعة مهما أصرت على التمسك بالسلمية ونبذ العنف.
ومع ذلك يؤكد باحثون متعددون بمركز بروكينغ أن خيار اللاعنف سيظل الخيار الأكثر حضورا لدى الجماعة في مستقبلها على المدى القريب والمتوسط "يأخذ الإخوان المسلمون بجدية أنه يوفر بديلا عن خيوط الإسلاميين العنيفين، لا سيما وأنهم أصبحوا مرئيين ومدمرين بشكل متزايد في المنطقة". وباختصار، يعتقد أحد الخبراء أنه "من غير المرجح أن يتبنى الإخوان المسلمون بشكل عام موقفا رسميا يوافق على استخدام العنف، ما لم يزدد العنف ضد الإخوان بشكل كبير، أو إذا خسر نظام السيسي سيطرته على السلطة".
ويعتقد الباحث والمفكر الفرنسي المتخصص في قضايا العالم الإسلامي فرانسوا بورغا أن الإخوان المسلمين أخطؤوا مرتين، مرة حين بالغوا في أهمية انتصارهم في الانتخابات وظنوا أنهم أصبحوا في السلطة، في حين لم يكونوا فعليا فيها ولا يملكون آليات صنع القرار من جيش وأمن وقضاء وشؤون مالية واقتصاد وإعلام. ومرة أخرى بالغوا في الثقة بخطاب الغرب الذي يتشدق باحترام الانتخابات والديمقراطية، ويؤيد الانقلاب في الوقت ذاته.
ويتوقع أن يتوجهوا في المستقبل نحو نهج أقرب إلى خط حركة النهضة في تونس وإن بشكل أبطأ نتيجة للظروف التي تعيشها مصر.
وبين كل الاحتمالات يبقى نهر الزمن مفتوحا أمام الإخوان، وإن بدا في هذه الحقبة بالذات مصبوغا بدماء كثيرة سالت في صراعهم الأخير مع السيسي وأضافت بقعا حمراء وخطوطا حمراء في علاقتهم مع السلطة والمجتمع وعلاقاتهم أيضا مع الغرب أو بعض جهاته وأطرافه على الأقل.
المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية,مركز بروكنغز الدوحة