-->

الا يغير مجلس الأمن اسلوب تعاطيه مع قضية الصحراء الغربية؟


بقلم: الديش محمد الصالح
بفضل المساعي المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية/الاتحاد الأفريقي الآن توصل طرفا النزاع على الصحراء الغربية، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) والمملكة المغربية إلى التوقيع على خطة للتسوية بهدف تنظيم استفتاء يمكن شعب الصحراء الغربية من تقرير مصيره طبقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها والذي كان مقررا تنظيمه في فبراير 1992. وقد صادق مجلس الأمن على هذه الخطة سنة 1990 والتي بموجبها تم وقف إطلاق النار يوم 06 سبتمبر 1991 وإرسال بعثة الأمم المتحدة من اجل الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) التي لازالت موجودة بالمنطقة دون استكمال مهمتها التي اتت من أجلها.
وظلت الارادة في التطبيق هي الغائبة وليس قاعدة الحل، لأن كل القرارات تؤكد على تقرير مصير شعب الصحراء الغربية غير قابل للتصرف. والسبب في عدم حصول تقدم في التطبيق يعود الى خطة العرقلة الفرنسية-المغربية الموازية بهدف التحويل التدريجي لمهمة بعثة المينورسو إلى المحافظة على وقف إطلاق النار مما يسمح باستمرار الاحتلال المغربي ونهب الثروات الصحراوية وارتكاب الجرائم ضد الانسانية بحق أبناء وبنات الشعب الصحراوي في ظل حصار وتعتيم إعلامي. يحدث هذا في الوقت الذي يأخذ فيه بقية الأعضاء الدائمين الآخرين العصى من الوسط، رغم محاولات الأمناء العامون للأمم المتحدة ومبعوثيهم الشخصيين إعادة القطار الى سكته.
هذا الوضع هو الذي جعل المغرب يتمادى اكثر إلى درجة التهجم على الأمين العام السابق السيد بأن كي مون ومبعوثه الشخصي السفير كريستوفر روس والتمرد على قرارات مجلس الأمن بالتجريء على طرد المكون المدني من بعثة المينورسو في إشارة واضحة لتخلص المملكة المغربية من التزاماتها بخصوص تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، بل الأكثر من ذلك خرق وقف إطلاق النار بمحاولة تعبيد طريق في منطقة الكركرات يربط الصحراء الغربية المحتلة مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية. ولولا قرار قيادة جبهة البوليزاريو نشر وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي في المنطقة وإيقاف تلك المحاولة، لكانت آخر أوراق التوت قد سقطت عن الأمم المتحدة.
المنعطف الجديد الذي أحدثته أزمة الكركرات
كان اجتماع مجلس الأمن شهر ابريل الماضي، برئاسة الولايات المتحدة الامريكية، جاء في ظل ازمة انذرت بالرجوع إلى المربع الأول اذا ما تم تجنبها بتدخل المجلس نفسه في تحديد أسبابها وعلاجها والمتمثلة في حالة جمود استفاد منها الاحتلال المغربي على حساب معاناة الشعب الصحراوي. وكاد اعضاء المجلس أن يصلوا إلى نقطة لا تفاهم نظرا للتباين الحاصل في مواقفهم التي سعت فرنسا لحصوله من أجل التمكن من تغيير مسار القضية برمتها عن طريق المساس بقاعدة الحل المتبعة. 
ورغم أن هذا الاجتماع كان محطة هامة عبر فيها مجلس الأمن عن انشغاله الكبير بما آلت إليه الأوضاع، الا ان النجاح في تحقيق الإجماع على القرار 2351 جاء بعد قرار جبهة البوليساريو إعادة انتشار قواتها، بعدما فرض المجلس على الحكومة المغربية إعادة افراد المينورسو الذين تم ترحيلهم والتراجع عن محاولة تعبيد الطريق في الكركرات. إن قوة تأثير مواقف جبهة البوليساريو يؤكد بشكل لا يدع مجالا للشك حدوث تغيير في موازين القوى وبالتالي التأسيس لمرحلة جديدة تفرض التعجيل بحل للقضية، ومادامت القاعدة هي نفسها أي تقرير المصير فإن ذلك سيتوج بقيام الدولة الصحراوية المستقلة.
توسيع دائرة الوساطة والتشاور
ليس السيد هورست كوهلر ، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية، هو الأول الذي فكر في إشراك فاعلين دوليين أو التشاور معهم بهدف التأثير على موازين القوى. ويبدو أن السيد كوهلر مقتنع انه لا يكفي لوحده البحث عن هذا التأثير من داخل مجلس الامن (الاعضاء الدائمون) بل لا بد من اشراك آخرين من خارج المجلس كالاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي نظرا لأهميتهما وانطلاقا من المصالح التي تجمعهما، وكون المشكل يقع في منطقة الأول وقُرب مكانه من الثاني.
والواضح أن السيد كوهلر أخذ بعين الاعتبار كذلك عامل وجود الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية كعضوين في الاتحاد الافريقي، وقبول الاتحاد الأوروبي بذلك خلال قمة الشراكة التي جمعت الاتحادين بابيدجان، عاصمة كوت ديفوار نوفمبر من السنة الماضية. كما أن دخول القضاء الأوروبي على الخط من خلال قراراته المتكررة، اذا ما تبناها الاتحاد الاوروبي، والتي كان آخرها قرار المحكمة الأوروبية الثاني من نوعه يوم 27 فبراير 2018 من شأنه أن يذلل الصعاب في وجه تطبيق القانون الدولي لحل قضية الصحراء الغربية. 
ان الاتحاد الافريقي/منظمة الوحدة الإفريقية سابقا هو من اسس لخطة التسوية الأممية-الإفريقية لسنة 1990 في مضمون القرار 104 للقمة التاسعة عشرة لمنظمة الوحدة الإفريقية سنة 1983، لكن فرنسا والمملكة المغربية ظلتا تسعيان إلى تقليص هذا الدور وفي الاخير إفشال الاستفتاء عن طريق انتهاج سياسة العرقلة الموازية. إن إشراك الاتحاد الافريقي، الى جانب الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي، هي خطوة في الاتجاه الصحيح وستكلل بالنجاح في إنهاء الاستعمار من آخر مستعمرة في افريقيا لفسح المجال لمواجة التحديات الخطيرة الأمنية والأقتصادية. 
إن الدعم الذي تلاقاه المبعوث الشخصي السيد هورست كوهلر من مجلس الأمن لابد أن يتجسد في مواقف علنية وخطوات ملموسة تؤكد جدية وارادة المجلس للتسريع بحل هذه القضية التي طال أمدها. فالدعوة التي وجهها مجلس الأمن في قراره 2351 لطرفي النزاع جبهة البوليساريو والمملكة المغربية للدخول في مفاوضات مباشرة وبدون شروط مسبقة لم تتحقق بسبب رفض المملكة المغربية رغم أن جبهة البوليساريو اعربت عن استعدادها لها، فلا بد من توضيح موقف مجلس الأمن حيال الموقف المغربي الذي يعيدنا إلى العهد السابق.
الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان ونهب الثروات الصحراوية
اولى الاختبارات لمجلس الأمن في اجتماعه القادم هو مدى تجاوبه مع النداءات المتكررة لإيجاد آلية لحماية المواطنين الصحراويين في الجزء الذي يحتله المغرب من الصحراء الغربية، هؤلاء المواطنون الذين يتعرضون يوميا لمختلف أساليب القمع والترهيب والابتزاز ويفتقدون لأبسط شروط التعبير الحر والعيش الكريم في ظل حصار مضروب على تلك المناطق. إن المجلس مطالب بالتدخل للإفراج العاجل عن جميع المعتقلين السياسيين الصحراويين، خاصة مجموعة اكديم ازيك والصف الطلابي، الذين يمرون بأسوإ الظروف داخل السجون المغربية حيث ينتظرون الموت البطيئ واحدا تلو الآخر من جراء ما يتعرضون له من تعذيب وسوء معاملة.
من القضايا أيضا التي تحتاج ان يتخذ مجلس الأمن قرارا بشأنها، ايقاف النهب الفظيع للثروات الصحراوية من طرف المملكة المغربية في خرق صارخ للقانون الدولي الذي يعني بالأراضي التي لا تتمتع بحكم ذاتي. ولابد من الإشارة لحكم القضاء الأوروبي ببطلان أية اتفاقية مع المغرب تضم الصحراء الغربية، مؤكدا على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سنة 1975 والاستشارة القانونية لنائب الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالشؤون القانونية حينها السيد هانس كوريل 2002.
الحقيقة الصحراوية التي لا رجعة فيها
بعد ازيد من 42 سنة، تأكد فشل المملكة المغربية في محاولتها ضم أراضي الصحراء الغربية؛ فلا الخيار العسكري، الذي راهن عليه الملك الحسن الثاني وظن انها جولة اسبوع ليقضي على الصحراويين، جاء بنتيجة بل بكسر شوكة أحد الجيوش القوية في شمال افريقيا على أيدي مقاتلين سلاحهم هو أيمانهم بعدالة قضيتهم؛ ولا وَجد النظام المغربي موطأ قدم له في القانون الدولي الذي فند مطالبه بدءا بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولي والقرارات المتتالية للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وصولا مؤخرا بأحكام القضاء الأوروبي التي قطعت شرايين نهب الثروات الصحراوية واختلاسها وأصبحت العدالة تطارد المتورطين اينما حلوا وارتحلوا؛ ولا القوة الذاتية للصحراويين تناقصت أو تراجعت عزيمتهم، رغم الرياح التي عصفت بكثير من دول العالم وثوراته، وطول فترة انتظار الحل السياسي، هذا بالإضافة لمخططات الإبادة التي ظل ينتهجها المحتل المغربي ضد الشعب الصحراوي ومحاولة مسخ هويته الوطنية.
واكدت اكثر من أربعة عقود، ان الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، لم تكن يوما شرقية ولا غربية، وان فكرها وأيديولوجيتها كان انبثق من سهول وأودية وجبال الساقية الحمراء ووادي الذهب ومن حق شعب في تقرير المصير والاستقلال وان أهدافها تنتهي بتحرير تلك الجبال وتلك الأودية وتلك السهول. ورغم أنها خاضت حربا ضروسا وانتصرت فيها وعلى استعداد تام الآن لخوضها مرة أخرى، الا ان يدها للسلام ستبقى ممدودة ومقتنعة كل القناعة بان المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الامن يدرك حجم التضحيات التي قدمها الشعب الصحراوي من اجل التوصل إلى سلام دائم يتوج بالوئام والتعايش السلمي وحسن الجوار.
ولم تكن إفريقيا يوما خاطئة عندما قبلت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية منذ حوالي 34 سنة، والتي اصبحت فيما بعد أحد الاعضاء المؤسسين للاتحاد الافريقي، ورغم خروج المغرب حينها محتجا على تلك الخطوة الجريئة، الا انه عاد للحضن الافريقي بدون شروط . فالأفارقة كانوا متأكدين من صحة قرارهم انذاك لأنه في نهاية الأمر لابد من ذاك، وهذا ما يجب على مجلس الامن الدولي أن ينطلق منه في البحث عن حل للنزاع بين دولتين عضوتين في الاتحاد الافريقي ودور هذا الأخير فيه اساسي جدا.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *