حتى لاننسى ...
منذ أسابيع بل شهورا وأنا أحاول زيارة مناضل نوعي ومن طينة خاصة للاطمئنان على صحته في اطار الواجب الرفاقي والاخلاقي ،تجاه أناس عبدوا هذا المسار، وأسسوا لهذ الهامش الذي نتحرك فيه اليوم، كمعطى ثابت،جاء نتيجة لتطور موضوعي وتاريخي، لتجربة كفاحية طويلة ورائدة . تجربة أصيغت بالكثير من التضحيات الجسام والدماء والعرق والصبر ونكران الذات، واصلوا فيها هولاء الاوفياء هذا المسير بدون كلل أو ملل،مدججين بقوة القناعة المتأصلة، والايمان الحتمي بما أنذروا له أنفسهم،فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا .
وبكل تأكيد هناك أجيال تلاحقت وأنا واحد منهم، لايعرفون هذه الوجوه التي عانت الاضطهاد مبكرا في فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، من قبل الاحتلال المغربي من أجل أن يشق هذا المشروع الوطني التحرري طريقه نحو النصر والتحرير .
وكمثال على ذلك أسوق حالة المناضل الصحراوي والاب الموقر الناجم ولد المرخي الملقب ببوري وهو من مواليد مدينة كليميم سنة 1936، متزوج وأب لثلاثة ابناء ذكور .
اختطف الاب الناجم بوري في ماي سنة 1977 من مدينة كليميم في إطار الحملة الممنهجة التي باشرها النظام المغربي ضد المناضلين الصحراويين والمغاربة الذين ينحذرون أو ينتمون لتنظيمات اليسار الجذري المغربي ،هذه المجموعة التي اشتهرت بمجموعة 26 للاعتقال السياسي، و التي كانت بداية اختطافها بتاريخ 21 ماي 1977، و هو تاريخ اغتيال شهيد الحركة الطلابية الصحراوية " لحسن التامك "، هذه المجموعة تضم من النساء المناضلة الصحراوية الوحيدة الاخت العزيزة" النكية بدى" ابنت شهيد قلعتي اكدز ومكونة محمد بدا إضافة الى فقداء هذه المجموعة وهم :لحسن موثيق وفظيلي كاودي وديا أحمد ولد سيديا والفيلالي .
المناضل الناجم بوري هو ورفاقه تم اقتيادهم إلى مركز الاحتجاز السري المعروف بدرب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدارالبيضاء، حيث قضوا أشهر ذاقوا فيها انواع و أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، قبل نقلهم الى سجون مغربية أخرى متفرقة ك :عين برجة بالدارالبيضاء ،مكناس ،مراكش ،عين مومن بسطات ،بولمهارز بمراكش،وانزكان ؛ولعواد بالقنيطرة،وحوكمت هذه المجموعة التي ينتمي لها المناضل الناجم بوري مابين ثلاث سنوات وخمس سنوات سجنا نافذا إضافة للإبعاد القسري لمدة خمس سنوات لمعتقلين اثنين وهما :بريش محمدعالي والديا احمد .
وقد حوكم انذاك المناضل الناجم بوري ضمن المجموعة التي توبعت بمحكمة اكادير.
كان لقائي مع المناضل الصحراوي والاب الجليل الناجم بوري ممتعا وشيقا في جلسة شاي في منزله المتواضع بحي تقليدي وعتيق وتاريخي يعرف بحي "الكصبة " بكليميم،تواضع المنزل تعكس بساطة هذا المناضل الذي ينتمي للرعيل الأول من الثورة و التي تظهر حتى في لباسه، وبالتأكيد هو نوع من الزهد والترفع عن الكثير من شكليات الحياة في ظروف يعيش فيها الشعب الصحراوي الثورة وماترتب عن الاحتلال المغربي من تشريد وتشتيت وغير ذلك ...
اوصاني كما يوصي كل المناضلات والمناضلين بالثبات على المبدإ وامتلاك النفس الطويل والوفاء لعهد الشهداء ، "ولا يسترجع حد "باللغة المتداولة.
شكرا على حسن الضيافة وللعائلة الغنية بالقيم والتقاليد والاخلاق الوطنية الراقية ، وكل الاعتبار والحب للمناضل والاب الناجم بوري الذي يشكل نموذجا للوفاء اللامتناهي ومثالا في التواضع والصدق الثوريين .
علي سالم ولد التامك
28 فبراير 3018
العيون المحتلة