-->

نساء التهريب بالمغرب.. حاملات أثقال لأجل لقمة العيش


عندما يرفع الليل ستاره إيذانا ببزوغ فجر يوم جديد، تكون فاطمة -وهي سيدة في عقدها الرابع- على أهبة الاستعداد للانطلاق إلى معبر الحي الصيني، أو "باريو تشينو" بتعبير سكان مدينة بني أنصار شمالي المغرب، لتزاول نشاط التهريب الذي اعتادت عليه منذ سنوات.
تؤكد فاطمة في حديث للجزيرة نت، أن وقت ممارسة نشاط التهريب محدود جدا، والوقت في هذا المعبر -الذي يعد أحد المعابر الثلاثة بين مدينة مليلية الواقعة تحت السيطرة الإسبانية وباقي التراب المغربي- يلعب دورا كبيرا في ضمان دخل يكفي لإعالة أسرتها التي تعيش ظروفا اجتماعية صعبة دفعتها لامتهان هذا العمل.
فاطمة والآلاف من زميلاتها يحترفن التهريب عبر هذا المعبر وآخر يدعى معبر "فرخانة" يبعد عن الأول حوالي ستة كيلومترات، ويعمل أغلب النسوة لحساب مهربين آخرين، ويقتصر دورهن على نقل البضائع التي يقتنيها المهرب من مليلية إلى خارج تراب هذه المدينة مقابل أجر عن كل عملية.
مهنة شاقة
وفي خضم الصراع الذي يخوضه نساء التهريب خلال أربعة أيام في الأسبوع -لأنهن لا يسمح لهن بالعمل خلال أيام الجمعة والسبت والأحد- يتجرعن مختلف أنواع المعاناة.
تكاد قصص النساء العاملات في التهريب -الذي يطلقون عليه العامة هنا "التراباندو" أو التهريب المعيشي- تتشابه، فأغلبهن دفعتهن ظروفهن الاجتماعية المزرية لهذا المصير، فمنهن مطلقات وأرامل وأخريات افتقدن المعيل لسبب أو آخر مما اضطرهن للبحث عن لقمة العيش بأنفسهن.
وتؤكد إحدى زميلات فاطمة، وهي تخفي ملامح وجهها -كما هو شأن أغلب العاملات في هذا الميدان- للجزيرة نت، أنه رغم قساوة هذا العمل واضطرارهن لحمل سلع تزن في بعض الأحيان إلى مئة كيلوغرام، فهو يضمن لهن دخلا يقيهن شر استجداء الناس.
وتعاني نساء التهريب عند الدخول والخروج من المعبر، إذ يضطررن للانتظار في طوابير كبيرة تضم المئات منهن، قبل السماح لهن بالدخول إلى مليلية والشروع بعملهن.
وتبدأ هذه العملية في تمام الساعة الخامسة صباحا، ولا يسمح لهن بالدخول إلا بعد التاسعة صباحا بحسب تصريحات العديد منهن. ويتحتم عليهن بعد ذلك العمل بوتيرة أسرع، وحمل أوزان أكبر لضمان دخل كاف لباقي ساعات اليوم، وأيام العطلة الأسبوعية الأخرى.
الحسن المجاطي رئيس جمعية "كاليطا" للتنمية والأعمال الاجتماعية -التي تهتم بوضع النساء العاملات في مجال التهريب المعيشي- يقول إن حوالي خمسة آلاف امرأة يعملن فيما يعرف بالتهريب المعيشي بالمعابر الحدودية مع مليلية المحتلة، ويتراوح دخلهن من هذا العمل ما بين مئة ومئتي درهم (حوالي 11-22 دولارا) في اليوم.
ويوضح المجاطي للجزيرة نت أنه بعد منع التهريب المعيشي في معبر بني أنصار وتحويل المهربين إلى معبري فرخانة والحي الصيني، تراجع مدخول هؤلاء النسوة بسبب الضغط الذي يشهده هذان المعبران، وعدم قدرة النساء على العمل في كل أيام الأسبوع التي يسمح لهن فيها بالعمل.
اعتداءات وموت
خلال السنة الماضية، حين شرعت السلطات الإسبانية في مليلية بتحديد وقت ممارسة نشاط التهريب المعيشي، نظم المئات من المزاولين لهذا النشاط احتجاجات مستمرة في المعابر رفضا للقرار، ونتاج تراكمات عديدة عجلت بكشف سخطهم على الوضع.
ويرى المجاطي أن أولئك النسوة يتعرضن لمختلف أصناف الإهانة من قبل قوات الأمن الإسبانية المكلفة بتدبير المعابر في جانب مدينة مليلية، لأنها تعمل بمقاربة مزاجية، تسمح بالدخول لمن تشاء منهن وتمنع من تشاء، بل في كثير من الأحيان يصل الأمر للاعتداء اللفظي والجسدي، وحتى تمزيق جواز السفر؛ الوثيقة الوحيدة التي يتمكنّ بها من ولوج المدينة.
وأكثر من ذلك، فإن عددا من المهربين فقدوا في السنوات الأخيرة حياتهم في المعابر بسبب التدافع. ففي يناير/كانون الثاني من السنة الجارية، فقد شاب حياته، وقبل ذلك بستة أشهر تقريبا لقيت سيدتان مصرعهما في معبر "تاراخال" المؤدي إلى مدينة سبتة بالشمال المغربي، الواقعة تحت السيطرة الإسبانية أيضا، وتشهد تلك المدينة واقعا مماثلا لما يحصل على معابر مليلية.
تحسين الظروف
وبينما ألزمت السلطات الإسبانية بمدينة سبتة المحتلة العاملات في مجال التهريب المعيشي بضرورة نقل البضائع على عربات مخصصة لذلك، بعد تنامي الانتقادات الموجهة إليها وتكرار حالات الوفيات، فإن نساء التهريب من مليلية ما زلن يعتمدن على ظهورهن لحمل السلع.
ويطالب الناشط في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عمر الناجي الدولة المغربية بالتنسيق مع السلطات الإسبانية للعمل عل تحسين ظروف اشتغال نساء التهريب المعيشي -القادمات من مختلف مناطق المغرب- لأنه عمل صعب وليس لهن بديل آخر.
ويرى الناجي -في حديثه للجزيرة نت- أن تحسين ظروف العمل يبدأ بتوسيع المعابر، فمعبر الحي الصيني مثلا لا يستوعب كل الذين يحجون إليه كل صباح، مما يفسر وجود طوابير الانتظار الطويلة، ويقول إن توسيع المعبر سيفيد النساء ويقلص حوادث التدافع.
ورغم أن التهريب مجرّم بموجب قانون الجمارك المغربي، فإن السلطات المغربية لا تتعامل مع النساء اللائي يقتصر تهريبهن على بعض المواد الغذائية والألبسة والأحذية والمواد ذات الاستعمال المنزلي، بنفس المنطق الذي تتعامل فيه مع الذين يهرّبون مواد قد تشكل خطرا على الصحة العامة كالسجائر مثلا.
ويعزى ذلك إلى أن التهريب في هذا المستوى، يضمن دخلا للآلاف من النساء اللائي لا يمكن للدولة أن توفر لهن عملا قارا.
لكن ذلك لم يمنع مصالح الجمارك في عدد من المعابر الحدودية من حجز المواد المهربة حفاظا على الاقتصاد الوطني، وقد حجزت السنة الماضية مواد قدرت كلفتها المالية بأكثر من 551 مليون درهم (حوالي 60 مليون دولار).
المصدر : الجزيرة نت-بني أنصار

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *