-->

صبيانية السياسة المغربية


بقلم عالي احبابي
منذ انضمام المملكة المغربية إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي , لم تبد الى حد الساعة أية نية بإمكانها أن تشكل إضافة فيما يتعلق باحترام ميثاق الاتحاد , بل ما فتئت العربدة المغربية تسعى لترسيخ جملة من المغالطات التي يحاول الكثير من أبواق الفجور السياسي والإعلامي المغربي التأثيث لها , قصد لي ذراع الاتحاد الإفريقي الذي وصل به تبني القضية الصحراوية إلى حد تعيين مبعوث خاص باسم الاتحاد , وإصدار قرارات غاية في الأهمية , فضلا عن تكليف رئيس مفوضية الاتحاد بتقديم تقرير حول الوضع في الصحراء الغربية أمام قمة انواكشوط المقبلة وصولا إلى مؤتمر دولي حول القضية .‏
السياسة الصبيانية للمملكة المغربية , ورغم قناعتنا وقناعة الدول الإفريقية بارتكازها على الكذب والتضليل , إلا أنها تشكل تجاوزا لأعراف وميثاق الاتحاد قصد فرض إحداثيات جديدة ، وتملي علينا في نهاية المطاف قواعد اشتباك بارتدادات تتجاوز الحيز الجغرافي لمشاهد الاشتباك القائمة، وترسم منحنيات إضافية بعوامل ارتكاز معدلة وقائمة على حسم كلي لن يتسع المجال بعدها لكثرة التأويلات، بل سيضع نقاطا مبعثرة على حروف تائهة شكلت فيما مضى مرتعا خصبا لنمو تحليلات طفيلية ومصطلحات متعرجة تتطاول على عدالة القضية الوطنية .‏
المسألة بتجلياتها المختلفة تطرح عناوين قادمة ، بعد تبني المملكة المغربية لميثاق الاتحاد الإفريقي , وبتلك الخطوة وما تنطوي عليه من إشارات لحرب قادمة نزالها القارة السمراء , وذخيرتها القانون والحنكة والسرعة في التنفيذ , فضلا عن السرية والمباغتة , وهي مرحلة لم تعد تنفع معها عملية الترقيع هنا أو هناك، ولا المجادلة في المسلمات والبديهيات، وأساسها الجوهري أن المزاج القانوني لعدالة القضية الوطنية , وتناغمه مع مبادئ وقيم الاتحاد الإفريقي , يتطلب استمالة منظومات سياسية وإعلامية , لمواجهة السياسة المغربية المدعومة فرنسيا , حيث كان الاحتلال المغربي وسيبقى عدوا أساسيا وحالة استعمارية قائمة على الأرض، كما هي موجودة في تلوين مجريات الأحداث والتطورات وأجندات العدوان على وحدة وتماسك الاتحاد الإفريقي .‏
وبالقدر ذاته كانت المملكة المغربية , ومنذ اللحظة الأولى شريكا مستوفي الشروط ، بل ومساهما جنبا إلى جنب مع التنظيمات الإرهابية ، وسندا قويا لترويج ونشر المخدرات , وقد حظيت بمرتبة متقدمة في سلم أولوياتها المختلفة، ولم تخرج في أي لحظة من اللحظات من حسابات المعادلة , وهي في مختلف التحليلات والتسريبات كانت أحد أهم عوامل عناوين الحرب التي شنت وتشن على وحدة الاتحاد الإفريقي، سواء كانت عبر وكلاء الإرهاب أم عن طريق الداعمين والممولين والمخططين لإغراق المنطقة بالمخدرات .
الرد ليس فعلا محددا في إجراء معين , أو حيز جغرافي أو زماني، بل يمتد في سياقه الأفقي والعمودي، ليحاكي كل الفضاء الذي تم تسخيره من أجل المرافعة عن حق شعبنا في الحرية والاستقلال , بشخوصه وأطرافه ودوله ومحاوره، فالاختبار لم يعد لنفاد صبر الصحراويين ، ولا للعب على توقيت الاختيار، وإنما في إعادة رسم قواعد الاشتباك لتكون قادرة على التعبير عن احتياجات اللحظة الفارقة وما يليها، بغية إيجاد حد فاصل بين حقبتين وعلى مستوى الإنجاز الميداني المتحقق في دحر الاحتلال وكسر شوكته , ولجم داعميه ومحتضنيه وتمريغ أنوف المراهنين عليه.‏
لم تكن المداعبة المهينة من الرئيس ترامب للرئيس ماكرون الموقف الوحيد الذي أحرج السياسة الفرنسية، في وقت لا يكفّ الأخير عن ممارسة دوره المشبوه بكثير من الرعونة الممزوجة بالتشفي، والمتخم بالأثر الرجعي لتاريخ فرنسا الاستعماري،
رغم الإدراك والقناعة بأنه بات من منسيات الماضي البغيض، وتستحيل استعادته سواء في الشكل أم المضمون، فلا المشهد الدولي بمقدوره أن يتحمل وزر هذه العودة، ولا الفرنسيون بمقدورهم استعادته، رغم استعداد قادتهم للانحناء أمام رغبات الأميركي، التي تقودهم إلى التهلكة السياسية الممزوجة بكثير من الخيبة والمرارة.‏
الأدهى أن التجارب التي فقد القادة الفرنسيون القدرة على الاستفادة من دروسها، تُجمع على استحالة استعادة المشهد، فيأتي الاستنساخ مشوهاً وبعيداً عن الواقع، ويقدم صورة عن نماذج من القادة السياسيين الذين يشكلون عبئاً تاريخياً على فرنسا قبل غيرها، وعلى الدور الوظيفي لفرنسا حتى لو تم خطه على مقاسها السياسي وموقعها داخل الحسابات الأميركية، حيث تعجز السياسة الفرنسية عن التقاط الفارق بين موقعها داخل منظومة العدوان وبين أن تكون جزءاً من العدوان ذاته، فتقبل ما يفوق طاقتها وترضى بما يتعفف عنه الآخرون، بما فيها الدول الوظيفية المشغلة والممولة للإرهابيين، حيث التمويل ضمن الرعاية الأميركية غيره حين تصبح المهمة فرنسية.‏
والأخطر أن الرفض الإقليمي للوجود الفرنسي يأخذ منحى مختلفاً، ويرسم مسارات لا تتطابق بأي حال من الأحوال كما لو كان الحضور أميركياً مباشراً، فما عجز عنه الأميركيون سواء كان برغبة منهم أم قسراً عنهم لن يستطيع الفرنسيون أن يحققوه، والفراغ الحاصل ليس بمقدور فرنسا أن تسدّه سياسياً ولا عسكرياً، وما كان مسكوتاً عنه مع الأميركيين يصبح مرفوضاً بالشكل والمضمون مع الفرنسي، التجارب التاريخية حاضرة في غير مكان.. والراهنة أكثر حضوراً، فالمقارنة ظالمة وأكثر فداحة مما يتوهم الفرنسيون.‏
فالرئيس الفرنسي ماكرون الذي عجز عن إخفاء هواجسه من الاستعلاء الأميركي الفج، والذي فشل في أن يتستر على مخاوفه من المزاج المتقلب للرئيس ترامب، يبدو أكثر عجزاً بعد أن لمس وسمع ما يفوق ذلك، وكاد يسلم بفشله في إرضاء أهواء مضيفه، التي بدت فوق طاقة الفرنسيين، رغم الإغراءات التي تنطوي عليها في بعض الجوانب، وفي مقدمتها العودة إلى فتح بوابة الأطماع الاستعمارية والاستيقاظ المتأخر لهذه الأطماع، الذي يدرك ماكرون قبل غيره أنها أضغاث أحلام يستحيل اللحاق بها وسط هذه التموجات في المشهد الدولي، وما يحمله من انحسار إضافي في الدور الأوروبي على وقع الاستسلام المقيت للرغبات الأميركية.‏
فالإعلان الذي جاء على لسان وزير الحرب الأميركي عن قوات إضافية فرنسية لدعم مرتزقة أميركا في مناطق النفوذ، شكل أحد النماذج الصارخة على حالة الاستلاب التي تمارسها أميركا حتى على أقرب حلفائها قبل سواهم، والذين باتوا يتساوون في نهاية المطاف مع الأدوات التابعة للأميركي وتتقاطع معها في المعاملة، حيث لا فرق يذكر ولا دور يمكن أن يكون خارج سياق الرغبة الأميركية، وهو ما يدفع إلى الجزم بعبثية الدور الفرنسي، والمراهنة الخاسرة على دور لن يجني منه الفرنسيون سوى المزيد من الانكسار عسكرياً والانحسار سياسياً.‏
فرنسا مع ماكرون أكثر صبيانية في سياستها ومواقفها وممارساتها التي وصلت إلى حضيض لم تصله من قبل، والكارثة التي تنتظرها أنها أكثر رعونة وصفاقة وتهوراً ممن سبقها، فحنينها إلى حقبة الاستعمار لا يعني القدرة على تقمص الدور ذاته، وتبعيتها لأميركا والاستقواء بالتفويض الأميركي لا يعني أنها في حلٍ مما ترتكبه وتخطئ في قراءته سياسياً وعسكرياً، فمحاولتها محكوم عليها بالفشل كما فشل غيرها، إلا أن هناك من يشكك في قدرة الطبقة السياسية الفرنسية على تحمل تبعات مثل هذا الفشل وتداعياته، وهناك من يجزم بأنه سيكون وبالاً على فرنسا كلها ومعها منظومة العدوان، والأكثر مرارة سيكون على الرئيس ماكرون وزمرته.‏

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *