هنا الصحراء
#المقال_رقم_44
بقلم الطالب : عثمان حمة ميارة
جامعة كوبا Weld Mayara
هنا الصحراء
. إن كنت تعلم أنك ولدت مع حكم بالإعدام .. وإن كنت تعرف أنك تسير نحو حتفك دون اهتمام .فأهلأ بيك في الصحراء الغربية.
بلادٌ لا يبهرك فيها سوى الإنسان…بجمال أخلاقه وكرمه وعلمه وبتواضعه..
في الصحراء الغربية تصيبك حمى العروبة وسماحة الإسلام…تتوغل فيك ودون هوادة لحظات الدهشة.. يصيبك في الصحراء الغربية ما يسمى بالصدمة الصدمى من كل شي الكرم و الشجاعة و حتى من التاريخ...
في الصحراء إذا لم يقابلك مقاتل…صافحك راوي!. الكل في الصحراء يعيش في جو متخم بالبطولات والشعر. الطفل المرأة الرجل بائع القماش سائق التاكسي الحلاق المؤذن….لا تسمع أذنك إلا ما فعله المقاتلون و ما قاله والأدباء والمثقفون فيهم…
هنا الصحراء هنا تعشق وطنا لم تراه ، هنا تحارب نيابة عن أمة الضاد ، فأنت القومي الأول ، و هنا تحارب نيابة عن المسلمون ، فأنت حامي ضد عبودية المخزن المغربي ، ونيابة عن أحرار العالم ، فأنت حامي الحرية ضد الدكتاترية المغربية ، وسيكيلون لك المديح ، لكنك ياحافي القدمين ضحية كل الأزمات .
هنا الصحراء، هنا ترضع مفردات السياسة طفلا ، وتكتب قصائد الشعر وأنت مراهقاً ، وتعتقل وأنت شاباً ، فإن لم تقتل ، تتزوج لتنجب أبناء وأحفاد يكررون المقرر ، مالم تفعل ذلك فأنت إمٌا عميل أو مجنون .
أن تكون صحراوي ، ينبغي أن تحفظ أسماء الشهداء ، وعدد المعتقلين ، وأماكن السجون والمعتقلات في العالم ،وتحفظ تاريخ الثورات .
هنا الصحراء، هنا عليك أن تكون مروجا لبضاعة كاسدة إسمها الكرامة ، سلعة إنخفضت أسهمها ، وقلٌ تداولها ، منذ أن إبتدعنا قواميس جديدة للأخلاق .
عندما تكون صحراويا ستصاب بمرض غسمه الحزن ، ويلتصق أنين الكلشينكوف بصوتك .
عندما تكون صحراويا ، ستتمتع بذاكرة قوية ، فأنت تذكر عدد حبات رمال المخيم ، وصوت كل مأذن ، وضحكة كل طفل ، ستذكر أماكن المعتقلات ، وأقنعة الجلادين ، وتذكر لون الفجر ، ورائحة الموت الممتزج بالبارود .
لأنك صحراويا ، ستدرك أهمية الأرقام ،سوف تتعرف على كل حسية تراب في تندوف، سيتحول إسمك إلى رقم في جداول وكالة الغوث ، تاريخك إلى أرقام ، موقع بيتك ، عدد أفراد الأسرة المعتقلين والمنفيين والمفقودين والمقتولين هي أرقام ، عدد الأيام التي أمضيتها في المخيمات ، سيلهج لسانك بالشكر لمن إخترع الأرقام ، لولاها لما كنت أصلا موجودا .
عندما تكون صحراويا ، ستعيش حالة من الحنين الدائم الى مناخ ، لا في وعيك ولا في غيبوبتك ، سيكون كل ما في ذهنك الصحراء الغربية وماكنت عليه ، وماصارت عليه ، وماستصبح عليه .
هنا الصحراء، هنا تسير في شارع ما ، في عاصمة ما ، في دولة ما ، وأنت لاتعلم هل ستعود إلى بيتك أم لأ .
أن تكون صحراوي يعني انك ضحية كل شئ يحدث ، ان تتهم بقتل جندي مغربي قد يموت ميتة طبيعية .
إن إنزلق قطار في مراكش يحبس و يعذب الصحراوي ، إن انخفض سعر البطاطا في نواذيبو يعطل صحراوي عن العمل ،عندما تبني مخيما رفضا لاحوالك المعشية بالقرب من العيون تتهم أنت بإعتبارك من قام بالتحريض ، وبأنك تخدم أجندة خارجية ، إن حدثت حرب في سوريا تقطع المساعدات من الدول المانحة ، وإن غرقت سفينة في بحر الداخلة ، أصدر مجلس الأمن قراراً يدين انتمائك الى الصحراء الغربية .
يعني أنك نجحت أو لم تنجح ، حققت أعلى مراتب التحصيل العلمي ، لن تحصل على وظيفة محترمة ، وإن حصلت لن تعامل كاقرانك ، بدون وجه حق ، فقط لأنك صحراوي .
هنا الصحراء، هنا تعيش على متن معاهدات واتفاقيات العالم، فهذا يبيعك في مدريد، وذاك يشتريك من الربط و نواكشوط ، وما أنت إلا هدنة عابرة يبايعون عليها. ولكنك الصحراوي، أنت البداية والخاتمة، وخرافة السنين، أنت أعتقت للوطن نفسك، فهم العبيد بزيفهم، وأنت اشتريت منهم الوقت كي تصنع حلمك، فأنت الصحراوي وإن خانوا فيك أملك. أن تكون صحراوي، يعني أنك أعددت فطورك ، وشربت كاس الشاي الدافئ كقلبك، ثم قرأت شعرا لبيبوه ، وتعلمت أن لا تعتذر لهم عما فعلت، أو عما أنت على وشك أن تفعل، وعلى هامش الوقت، وعدت نفسك أن لا تساوم، هي الأرض أرضك، وأنت الوريث الوحيد منذ الأزل.
هنا الصحراء، هنا تفاصيل كثيرة، لن يفهمها أحد لم يذق حلاوة المرارة على هذه الأرض، ولم يحيا بعد الموت هنا، هنا موطني، هنا التناقض في القبائل والتماثل في العواطف، والتشابه في الوجوه وفي الأحلام، هنا سرمدية البقاء والثبات. هنا نحتفل بأعلان الجمهورية كما نحتفل بمحمد، نؤمن بالأنبياء كما نؤمن بالوطن. هنا الموت لا يشبه الموت حقا، هو بداية البعث. هنا أعراس الشهداء كما أعراس المتزوجين، تُظِلُّ من يحملها. هنا العشاق يتهادون التاريخ، هنا تولد السالكة إمراة، ويولد عثمان رجلاً، هنا يولد التاريخ رغما عن نفسه، فكن صحراويا تسعد.
هنا المرة الصحراوية عفوا هي ليست امرأة.. هي كل شيئ "، في هذه الجملة القصيرة يختصر كل ما يمكن ان يقال عنها. المرأة زهرة الربيع، وفتاة الدنيا وروح الحياة، هي الابنة، الأخت ، الصديقة ، الزوجة، الأم ، والمناضلة. فالف تحية لنضالهن المستمر على مر العقود. ، فقد خطت المرة الصحراوية قصة بانمل من ذهب هي قصة كل نساء الصحراويات الذين واجهوا وتحدوا اضطهاداً لاحقهن على مر الزمن، هو الانتفاضة بوجه الظلم والقهر التي لطالما تعرضن له بحجة ضعفهن وعدم اخذ وجودهن بعين الاعتبار.
المرأة الصحراوية يستحيل نكران تضحياتها ويستحيل ان لا يتم القاء التحية لها اينما حلت، فهي اليتيمة ،الأرملة، الثكلى أم الشهيد و الفقود و الجريح والأسير.
فالف تحية مني اليك
هنا المقاتل الصحراوي هنا عندما يضع رجل قرر التطوع في الجيش الشعبي. يعني انع قرر وبشجاعة كبيرة أن يضع حياته رهناً للقضية .. وأن يمنح دماءه لتحرير وطنه وشعبه من نير الظلم و الإستعمار…فترك أمه وأباه وأخته لألم الفراق وهم ينتظرونه إما شهيداً محملاً على الأكتاف أو منتصراً يدق عليهم الأبواب…أو ربما لن يحظوا حتى بإيجاد شلو من أشلائه المتبعثرة كالغبار في السماء …وربما ترك كالكثير من جندنا أطفاله وزوجته خلفه لتتحول شريكته اشابة إلى مشروع أرملة ثكلى ويغدو أبناءه الصغار أيتاماً يتحسرون على صدر أب حنون. ترك كل هذا فقط لتدافع عن قضية أعظم ..وهو خلاص وتحرير الشعب والوطن.