-->

رَاتبي لا يكفي لشراء هاتف نقال...حاملو الطّبشور.

ما كنتُ لأكتبَ هذا الموضوع لولا أهميته بعدما تفاقم الوضع وساءت الأحوال و تعذر الصبر ، و هذا الأخير ما دعت له الضرورة أنْ أجولَ بفكري و عقلي متحدثاً في هذا الموضوع الشائك الذي يعتبر من الموضوعات التي تتكرر على الألسن فموضوع ( راتبي لا يكفي لشراء هاتف نقال... حاملو الطبشور ) ، من الموضوعات الحيوية التي يجب على كل منا التعبير فيه برأيه و بذلك تتبلور الافكار و نضع نصب أعيننا تصوراً للموضوع و خلاصة الأذهان فإنه مما لاشك فيه ، أن إدراك قيمة المدرس تعتبر من أهمّ الخطوات التي تجعله متفانياً في عمله إلى أبعد درجة ممكنة ، فإن تنشئة الاجيال على احترام المدرس و ما يقوم به من أدوار و منحه حقوقه كاملة غير منقوصة هو سبيل بناء حضارة حقيقة  أخلاقية بكل ما تحمله الكلمة من  معنى .
هناك فئةٌ في مجتمعنا تحملُ معها واقعاً مؤلماً، سلمت نفسها مجبرة لقسوة الحياة و مشقة العمل عن مصروف يومي تسد به حاجتها و يكفيها مذلة السؤال... تخرج من بيوتها كل صباح و مساء لتربي الأجيال بعد الأجيال غير مبالية بأي شيء يشعرها أنها باقية على قيد الحياة و أنها ماضية لتعود و بعيدة لتقترب من الفقر أخا و صديقاً يواسيها بآلامه و قسوته و حرمانه ثم تبقى مع كل ذلك تنتظر لحظة التغيير ( تزحلق الرواتب عن حالها ) ، لقد طالبت  السلطات المباشرة أكثر من مرة بالتحرك الإيجابي و لكن وللأسف يتحججون عليهم  بأعذار واهية ، ألا يعلم أولئك  أن قرص الخبز اليوم أصبح صغيراً و الدجاجة الواحدة لا تكفي  للعائلة من أربعة أفراد و إن كانوا أكثر من ذلك فمن باب أولى  و كيلو التفاح لا يسمنُ ولا يغني من جوع ، والسكر و الشاي الأخضر( الوركَة )  فلا يتطلب الأمر منهما إلا ساعات معدودات حتى ينتهيا ، أما الراتب ينتهي في اليوم الأول من  الشهر وإذا بقى إلى اليوم الثاني  من نفس الشهر فهذا يعتبر انجاز في الاقتصاد لا مثيل له ، فنحن اليوم  في عالم متسارع تزايدت فيه الاحتياجات حتى أصبح من الصعب أن يتمكن الفرد من متابعة من أين أتى المال و أين ذهب ؟ و لسان حاله في نهاية الشهر أين ذهب الراتب الشهري ؟ أو هل صرفت كل ذلك المال ؟ مما يعوقه ذلك عن تحقيق أهداف حياتية يريد تنفيذها بسبب سوء إدارة المال الشخصي، فهذا شخص يشتكي و يتساءل عن راتبه الشهري، فكيف بمن لا يملك راتباَ شهرياَ ؟ و إنمّا يأتيه من كل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر في بعض الأحيان.
إن احتياجاتي كمدرس صحراوي تتنوع بين ضرورية و كمالية  كأي إنسان يعيش في هذه الحياة ، و تتدرج هذه الاحتياجات في هذه الحياة هرم يبدأ بالحاجات اللازمة لإبقائي على قيد الحياة ، فقاعدة هذا الهرم تتمثل في حاجات أساسية كالماء و الغذاء و الكساء و المأوى، و تليه درجة إشباع رغبات الزواج وتكوين أسرة و العيش في المجتمع ، أصبحت عملية شراء هاتف حديث لديّ أمراً معقداً بسبب تدني راتبي الذي أتقاضاه خلال ثلاثة أشهر و يقدر ب  2134300ديناراً بمعنى 426860 ألفاً ، فهذا و إن لم يكن عليّ قبله دين ، فكيف لي بعد شراء هذا الهاتف النقال أن أسدّ حاجياتي الاساسية كالماء و رغيف الخبز مثلا لإبقائي حياً على قيد الحياة للاستمرار في عملي الدؤوب و النبيل  و لحمل المشعل على نهج الأبطال ، علماً أنني شاب يافع و يمكنني أن أبحث عن عمل يمكنني من أن أسدّ  به ريق عيشي كأي شاب أخر، ولكن الوطن و التفاني في خدمته دفعاني إلى هذه حالة من الحرمان المادي الذي يترجم بانخفاض استهلاكي الغذاء كماً و نوعاً ....
و أخيراً و ليس آخراً ،فقد تراجعت المكانة الاقتصادية و الاجتماعية لمهنة التعليم ، و كانت النتيجة الطبيعية هي عزوف الكثير من الشباب و الرجال  عن الالتحاق بمهنة التعليم ، و تفضل المهن الأخرى التي تضمن دخلاً مادياً يساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة اليومية في الوقت الذي نجد أن هذه المكانة قد ازدهرت في العديد من الدول بل كانت أحد أسرار تقدمها ، ألا يستحق هذا المدرس التقدير و الثناء على جهوده أمَا تستحق هذه الشمعة رد جميل يليق بتعبها و جهدها ، فلنذكر أنفسنا و أطفالنا بشكر المدرس ورفع القبعات أمامه لكل فعل عظيم يقوم به و الابتعاد عن تقليل دوره و أهميته في بناء جدار المجتمع و الاعتراف بكونه الأساس المتين الذي يتكئ عليه كل أفراد المجتمع ليوصلهم لبرّ الأمان.
بقلم الأستاذ : الشيخ لكبير / محمد البخاري.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *