-->

أسبوع الحزن يخطف موزع الإبتسامات وقاهر الكآبة

خمسة أشهر بالتمام تمر اليوم الجمعة على أخر لقاء لي به قيد حياته ..
أسبوع الحزن يخطف موزع الإبتسامات وقاهر الكآبة .. يا له من أسبوع حزين ..
"كم كنا مثيرون للشفقة في نظر بائع الفرحة" ..
"أنا حزين .. قالها بصوت مبحوح .. قلت له ولماذا .. قال لأنك لا تضحك لقد عرفتك ضاحكا ما إكدر أعليك شي .."
كان عبد الصمد صديقا شخصيا لي وكنت أعرف كيف أعثر عليه كل يوم وكان يعرف هو أيضا اين يعثر علي، لقد كان لقاءه جزءا من يومياتي لكن اللقاء الأخير كان بالظبط يوم 10/03/2018 يوما واحدا قبل ان أسافر خارج المخيمات .. لم يكن أبدا لقاءا عاديا كأنه كان يودعني .. أخبرته أنني مسافر لفترة قصيرة ثم سأعود وكنت مسرعا في خطواتي علني أجهز حقيبة سفري الصغيرة لكنني وقفت معه لدقيقة او دقيقتين وهو يضحك ويبتسم كعادته .. هل ترغب في شيء ما من الغربة يا صديقي .. لا لا قال لي ثم توقف لبرهة وأمسك بيدي وأخذ يدعوا الله ان أعود سالما .. فقط سلامتك .. نظرت الى عينيه جيدا .. كان مختلفا .. كأن وجهه حزين والدمعة كانت تبدوا قرببة لكن الرجل كان متماسكا .. قال تلك الكلمات التي سمعت بعضا منها وباقي دعواته كان يهمس بها في سره وهو يمسك بيدي ثم إلتفت عني مسرعا وهو يقول .. ماني مودعك ماني .. ماني مودعك .. ماني مودعك ..
كان عبد الصمد إنسانا مختلفا .. كان رجلا سعيدا متصالحا مع نفسه ومع الناس وبينما كنا نستيقظ متأخرين ثم نبدأ يومنا بذهن مشوش ومشاكل وهموم لا تنتهي تشتت تفكرينا وتغتصب فرحتنا وتنزع البسمة من علا ثغورنا كان هذا الرجل يستيقظ كل صباح باكرا "يخبط طوبتوا" على حجر فينفث بأنفة وعزة نفس الدخان متصاعدا نحو السماء ثم ينطلق في مهمة كبيرة عظيمة ..
ينطلق عبد الصمد كل صباح باكرا لا ليبحث عن الرزق بل ليوزع البسمة وينشر الأمل وهو بفعل ذلك كل يوم دون كلل ولا ملل وبنفس الروح ونفس النشاط ..
كان يفعل موزع الإبتسامات وبائع الفرح وقاهر الكآبة كل ذلك كل يوم وهو يعاني من الداخل .. يعاني المرض ونظرة المجتمع التي لا ترحم .. يعاني قسوة الحياة وقسوة البشر .. يعاني آلاما عديدة تغلب عليها بروح التفاءل والأمل وهو يداعب الفرحة وينتجها بكل الاصناف والألوان ليقسمها بعدل وسخاء على الكبير والصغير وعلى الغني والفقير وعلى المحروم والميسور الحال وعلى السعيد والكئيب ..
فكم كنا مثيرون للشفقة نحن الذين نعتقد أنفسنا اننا نعيش الحياة .. لقد عاشها عبد الصمد كما أحب ببساطة وتواضع ولقد قيل ان العبرة بالخواتيم وخاتمة حياة كل منا هي الموت وبعضهم كعبدالصمد يعيشها قويا ضاحكا ومبتسما بسيطا متواضعا حتى آخر لحظة رغم الحرمان والآلام والقسوة وبعضهم يعيشها متعجرفا مغرورا لكنه كئيبا مريض النفس محروم البسمة والضحكة سرقت منه الرغبة في جمع المال والسيطرة والنفوذ كل أسباب العيش السليم وفي النهاية سيموت .. سيموت .. ويلحق بركب لا فرق فيه بين غني ولا فقير .. ولا بين أسود ولا أبيض .. ولا بين قوي ولا ضعيف ..
لقد سالت دموعي في رحيلك يا صديقي وكنت تستحق لأنك أعطيتني ما لا يقدر بثمن .. البسمة .. فاللهم إرحم عبدك عبد الصمد وأدخله فسيح جناتك إنك سميع مجيب ..
عبداتي لبات الرشيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *