-->

الحظر الليلي ودفتر المرور ... تأمين أم غطاء للفوضى


لا خلاف إطلاقا على ضرورة قيام الدولة بما يلزم لتقوية تأمين المؤسسات وحياة المواطنين، ولا خلاف على أن جميع الإجراءات التي يتم إقرارها لهذا الغرض تلاقي ترحيبا وطاعة من المواطن. ولكن نختلف إذا كانت الإجراءات والتدابير تأتي بنتائج عكسية وعلينا مراجعتها وتعديلها أو إلغائها وفق ماتتطلبه وتقتضيه الحاجة.
الحظر الليلي: إجراء حرب في زمن "السلم”
حظر التجوال مصطلح عسكري يستخدم زمن الحرب أساسا وأحيانا يستخدمه العسكر عند الضرورة في حالات التمركز، وفي الحالات الطبيعية لا يمت بصلة لغير العسكر. ولا نرغب في الإسهاب في شرحه وتوضيح مقتضياته ولكنه لا يعني بالضرورة أن لا يتحرك اي كان من ساعة معينة إلى أخرى، بل يعني غالبا أحقية الأجهزة الأمنية في التفتيش والتدقيق لمن أرغمته الظروف على التحرك ليلا بالأساس. ولا أخفي أنني أستغرب بشدة كيف تجرأت سلطة دولة في المنفى على إلصاق ضريبة ظالمة وثقيلة مع إجراء عسكري تعسفي.
وفي حياة المدنيين ينبغي عدم الاقتراب من إستعمال الكلمات والمصطلحات الحربية كمحاولة لعدم نشر الرعب والخوف في اوساط الناس، إذا سألنا أي طفل في العالم عن معنى حظر التجوال أو الحظر الليلي فلن يجيب لأنه لا يعرف المصطلح ولكن سيجيبك أطفال مخيماتنا بسرعة لأنهم ولدوا وترعرعوا للأسف تحت بعبع المنع من الحركة وسيتنطقون بكلمات أكبر منهم ولاوجود لها في قواميس أطفال العالم، ولا يختلف الأمر طبعا مع الكبار في مؤسسات الدولة الصحراوية.
بدأ تطبيق هذا الإجراء على مخيماتنا منذ سنوات عديدة وللأسف لم يخضع لأي تقييم حسب ما نتوفر عليه من معلومات، وإن صادف وتم تقييمه فإنه لم يخضع لأي تعديل رغم العديد من السلبيات والعوالق الغير إيجابية التي تطبعه وتترتب عن التطبيق الأعرج لمقتضياته. فكم من المناسبات الإجتماعية التي تغير طعمها بسبب الخوف من الحظر، وكم من المرضى تم توقيفهم وتعنيفهم أثناء ذهابهم أو عودتهم من المستشفى تحت طائلة الحظر، وكم من رفقة أو جماعة بين المتحابين في الله تفرقت وتطايرت خوفا من التطبيق المشوه لحظر التجوال. ومن جهة أخرى كم من جريمة وقعت في هذا الوقت، وكم من سرقة تم ارتكابها فيه، وكم من محتاج للنجدة أو لإغاثة حرم منها بسبب تعسف الحظر الليلي.... وقد وقعت على مر هذه السنوات من تطبيقه الكثير من المواقف المخجلة التي تتنافى مع ما ينبغي أن تكون عليه الدولة الصحراوية التي ننشدها وليس اقلها بؤسا مبيت بعض العائلات من نساء وأطفال عند بوابات الولايات في إنتظار أن تنتهي ساعات المنع الليلي، وليس أقلها مرارة ومدعاة للبكاء ماحدث مؤخرا مع المرحوم الذي طالته أيادي الإغتيال طعنا بالسكاكين دون أن يتمكن أهله وأصحابه من مساعدته بسبب التعسف الليلي لأن ذويه ومجموعة كبيرة من أصحابه بلغهم أنه يتعرض للإعتداء ولكنهم بقوا مقيدين وممنوعين من الحركة بسبب هذا الإجراء.
دفتر المرور .... الوثيقة اللقيطة
لسنا أول من يستخدم السيارات، وبالتالي لسنا أول من يسن الإجراءات ويحدد الوثائق اللازمة لحركتها، وعليه فإننا بالتأكيد نستفيد ونستنبط من تجارب الآخرين في هذا المجال، ووفق النظام الذي يتبعه العالم أجمع دون استثناء للتحكم ومتابعة حركة السيارات توجد فقط(وفقط) ثلاث وثائق مطلوبة وضرورية لكل مركبة وهي: البطاقة الرمادية (بطاقة الهوية للمركبة) ورخصة السياقة للسائق وشهادة التأمين على السيارة.
من أين جاء إذن هذا المولود اللقيط الذي يسمونه دفتر المرور؟ إنه في واقع الأمر جسم غريب ومسخ وسرطان زائد على الوثائق المتعارف عليها دوليا بالنسبة لحركة الأليات مهما كانت، وحسب معرفتنا المتواضعة لا علم لي بأي دولة في العالم تستخدم هذه الوثيقة.والغريب في الأمر أنه أكثر ما يسألونك عنه في حال تعرضت لنقطة تفتيش والخلفية واضحة وبينة ومدعاة للتقيؤ والغثيان حيث تحولت نقطة التفتيش من نقطة تأمين ومراقبة إلى موقع للتسول والتغول والجني الحرام.
لقد تناولت هذين الموضوعين مرارا وأكرر ذلك رغما عني بسبب المرارة التي أشعر بها رغبة مني في لفت الإنتباه لدى السلطات المعنية بضرورة مراجعتهما وتقييمهما وتكييفهما مع الصورة التي نرغبها لدولتنا ولكن لاحياة لمن تنادي حتى الآن.
حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *