-->

الأرض لا تموت .. "زوگ" كما لم ترونها من قبل ..


قيل .. " .. فالسلام لم يعد مجرد مسالمة بين البشر والبشر، بل هو في الأساس مسالمة واجبة بين البشر والأرض .. لأن الحرب على بيئة الأرض هي مأساة سرمدية، بينما مآسي أشد الحروب فتكا في تاريخ البشرية يمكن للزمن أن يتجاوزه .. " ..
محمد المخزنجي 
كانت الساعة منتصف النهار إلا دقائق عندما وصلت رفقة مجموعة قليلة الى "زوگ" المحررة .. تلك الأرض البعيدة الجميلة .. وفورا بدأنا بإنزال المؤونة ولوازم الشاي، سألت مرافقي كم سنقضي من الوقت هنا فأخبرني أنه علينا التحرك في إتجاه الوجهة المقبلة بعد ساعتين او ثلاثة على الأكثر .. لقد علمت أن الوقت قليل جدا لأكتشف سحر وكنوز وخفايا "زوگ" التي سمعتها قبل حتى أن أعلم أن الحظ سيقودني إليها ذات يوم .. 
تكفلت بإعداد الشاي لأربح وقتا وكنت أحاول أن أنتهي من إعداد "الكاس لول" بسرعة وتقديمه كي أتحرك ريثما "إيطيب الكاس الثاني" فالوقت قليل جدا .. كنت متلهفا لرؤية ذلك الشيخ الطاعن في السن وهو الوحيد الذي يسكن هذه الأرض والذي تشبه حكايته وتقترب من الأسطورة عندما تسمعها او تراها بعينيك .. خرجت من البناية الرائعة والساحرة المنتصبة هناك التي أقمنا فيها والتي تشبه قلاع روما القديمة بل تشبه أيضا تلك القلاع المهجورة التي لا نراها إلا في الأفلام السنمائية .. خرجت مسرعا أبحث عنه فلابد أنه هناك قريبا مني في مكان ما .. عندما خرجت من الجهة الأخرى التي لم أراها من الجهة التي دخلنا منها فإذا بالأرض خضراء أمامي وإذا بهدير المياه ورغاء الإبل .. أتراني في فلم خيالي فعلا .. ؟ .. أتراني خطفت من قبل مخلوقات فضائية فنزلت في غابات وشلالات إفريقيا الإستوائية .. ؟ .. أم تراني أحلم .. ؟ ..
كان الشيخ الطاعن في السن يحرث الأرض ويجني الثمار .. ستجد هنا كل أنواع الخضر وأنواع من الفواكه .. نعم الأمر حقيقي .. وسط هذه الصحراء الكبيرة البعيدة القاحلة المهجورة جنة .. جنة خضراء .. والماء يتدفق ليسقي الأرض وقطع الأبل القادمة من آلاف الكيلومترات لتدخل تيرس الرائعة باحثة عن قطرة ماء فتجد شلال مياه بزوگ المذهلة .. 
كان الرجل يعمل بلا كلل ولا ملل .. إقتربت منه لأسأله وكان يجيبني دون توقف عن العمل فعلمت أن الرجل أسطورة فعلا وهو الذي تكيف مع الصحراء والوحدة ليحيي الأرض فيأكل ويشرب الإنسان والحيوان .. وفي النهاية يمضي الجميع في طريقه ويبقى الشيخ يستأنس بالأرض وهواء الأرض ونسيم الأرض في علاقة إستثنائية مفقوده بين الإنسان وترابه .. 
إنتهت الثلاث ساعات بسرعة دون أن أشبع فضولي ومضيت أنا الأخر في طريقي عابرا مع العابرين ..
عندما غادرت زوگ تمنيت من الله أن يعطيني من فضله مالا حلالا لأستثمره هنا في هذه الأرض ولأسكن هناك الى الأبد ولأستمتع ليل نهار بمنظر الإبل وهي تشرب من "الحاسي" ولأقوم بجني الثمار يوميا بيدي ولأجلس فوق الجبل كل مساء قبل الغروب بقليل وأنظر الى ألوان الشمس تلامس قبور الشهداء وأولئك الذين إختاروا الحياة والموت هنا وأكتب عنهم جميعا لأوثق شيئا عن حياة طبيعية رائعة وتاريخ عظيم ناصع لعلني أترك للأجيال قصة ليعلموا ان الحياة كانت تنبض هنا وان الأرض لا ترحل ولا تموت بل نحن من يرحل ويموت .. وأن لا خوف على الأرض .. 
قال تعالا .. "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)" .. 
صدق الله العظيم 
سورة الحديد الأية 17 
لا أعرف هل مزال ذلك الشيخ الطاعن في السن صامدا كالصخرة هناك .. لا أعرف إن كان ذلك الرجل الأسطورة مازال قادرا على رعاية تلك الأرض الجميلة .. غير أن صورته وهو يسقي الأرض والإبل ويزرع الخضر ويجني الفواكه ستظل عالقة في ذهني ما حييت أعيد بها حسابات نفسي كلما توقفت أمام شيئا عاجزا عن فعله او قوله إلا وتذكرتها فتعطيني القوة والدفع لأفعل ما عجزت عنه ترددا او ربما خوفا .. 
فلست إلا بشرا .. 
وللحكاية بقية .. 
عبداتي لبات الرشيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *