-->

جماعة "العدل والإحسان" ترسم صورة قاتمة عن أوضاع المغرب في تقريرها السنوي


أشار تقرير جماعة "العدل والإحسان" أنه بدل أن تبادر السلطة في المغرب إلى معالجة أسباب السخط والاحتجاجات السلمية والأصوات المتعالية المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحريات العامة، لجأت إلى استعمال أساليب تمس بشكل كبير حقوق الإنسان كالاعتقال والتضييق على حرية التعبير وفرض قيود على المنابر الإعلامية ومحاكمة الصحفيين والمدونين والحقوقيين والنشطاء المنتقدين لسياسات الدولة.
وأكد التقرير أن ملف محاكمة 700 معتقل على خلفية حراكي الريف وجرادة، سياسي ودون أي سند قانوني، ما يجعل السياسة الجنائية تسير نحو أفق مجهول حيث تطرح علامات استفهام حول موقع مؤسسة النيابة العامة بين باقي المؤسسات القضائية الأخرى، وخاصة مؤسسة الضابطة القضائية ومديرية حماية التراب الوطني، سواء على مستوى ضمانات تطبيقها وتقيدها بالقانون، أو مدى حرصها على الأمن القانوني والقضائي للمواطن.
وسجل التقرير عدم إنشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب، حيث ما زالت المحاكم تستند إلى أقوال أدلى بها الضحايا أثناء الاحتجاز، في غياب محام من أجل إدانتهم، دون إجراء تحقيقات كافية ووافية في الادعاءات القائلة بأن هذه الأقوال انتزعت بالإكراه من خلال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، إضافة إلى استمرار الإفلات من العقاب بتقاعس السلطة عن اتخاذ أي خطوات نحو التصدي لهاته الظاهرة.
وانتقد تقرير جماعة "العدل والإحسان" السنوي، تشديد القيود على حرية الرأي والتعبير والحقوق والحريات المرتبطة بها، وعلى رأسها الحق في الوصول إلى المعلومة وتداولها بعد صدور قانون 31.13 ، الذي اعتبرت أنه مخيب للآمال.
وأضاف التقرير أن الدولة المغربية استمرت في مقاربتها الأمنية بتفعيل متابعة الصحافيين بقوانين غير قانون الصحافة والنشر تضمنها القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبات سالبة للحرية.
واعتبر التقرير أن تأسيس المجلس الأعلى للصحافة واكبه ارتباك كبير، مما يعكس حجم التخبط الذي يعرفه القطاع، وإخفاق السلطة المغربية في استكمال حلقات الضبط التشريعي والتنظيمي للسلطة الرابعة. كما انتقد حرمان المعارضين السياسيين من التعبير عن آرائهم، وإبداء مواقفهم وانتقاداتهم وتقويمهم للسياسات الرسمية في الاعلام العمومي.
وقالت جماعة العدل والإحسان المغربية إن العنوان الاقتصادي الأبرز لسنة 2018 في المغرب، هو فشل النموذج التنموي المغربي في الاستجابة لانتظارات المغاربة، والذي أفرز ظواهر خطيرة تهدد السلم الاجتماعي، بحكم ضعف نجاعة الاستثمار العمومي واستفحال الخروقات في تدبير مالية الدولة، إضافة إلى ضعف الاستثمار الخاص بسبب عدم وضوح الرؤية وغياب استراتيجية عمومية في هذا المجال.

وأضافت الجماعة في تقريرها السنوي لسنة 2018 ، أن هذا الفشل كان منتظرا بل كان متوقعا ويستشعره المواطن المغربي في معيشه اليومي.
وانتقد التقرير ضعف تنافسية الاقتصاد المغربي، حيث استمر تدهور عجز الميزان التجاري (188,8 مليار درهم)، بسبب ضعف العرض التصديري وتركيز الصادرات تجاه المناطق الاقتصادية ذات النمو المنخفض، وارتهان المغرب للسوق الأوربي، وهذا ما يشكل حسب التقرير ضغطا على التوازنات المالية الخارجية للمغرب ويؤثر سلبا على أداء الاقتصاد الوطني. 
واعتبر التقرير أن اتفاق الصيد مع الاتحاد الأوروبي تحكمه الخلفية السياسية على حساب مصلحة الاقتصاد أو البيئة أو التنمية المستدامة أو حسن تدبير الثروة، إضافة أنه يتميز بضعف المراقبة والمتابعة أتاح للأساطيل الأوربية.
واعتبر التقرير أن المقاطعة الاقتصادية صرخة جديدة في وجه الريع، لكن عوض أن تلجأ السلطة إلى معالجة اقتصادية للظاهرة، عبر القبول بحل تجاري تلجأ إليه الشركات المعنية، عمدت إلى تسييس الموضوع وتفويت فرصة هذا الحل الذي يتناغم مع المنطق الذي يحكم سلوك الفاعلين الاقتصاديين في سوق حرة ومفتوحة. بل أكثر من هذا، لجأ بعض أعضاء الحكومة المغربية إلى تأجيج غضب الشارع عبر إطلاق تصريحات غير مسؤولة واصطف بعضهم إلى جانب بعض الشركات المقاطعة.
وأوضح التقرير أنه بعد الاعتراف بفشل التعليم، فعوض أن يتم الانخراط بجدية وصدق ومسؤولية في استئصال مكامن الداء وبحث سبل الدواء، اتجه أصحاب القرار السياسي والتربوي الاختباء وراء سياسة الانتقاد والتقريع وهدر الجهود والموارد، والفرص في إصلاح الإصلاح وترميم الواجهات بدل التصدي للإشكالات الحقيقية والاختلالات العميقة للمنظومة التعليمية.
وأكد التقرير أن فشل التعليم في المغرب ليس جديدا إلا أنها يحمل دلالة رمزية، إزاء استمرار التلاعب بهذا القطاع الاستراتيجي في نهضة البلاد، خاصة أن الدولة المغربية ماضية في برامجها الارتجالية التي لا تزيد الوضع إلا تأزما وتعقيدا، نجدها مع مطلع الموسم الدراسي 2018/2019 تصدمهم بتسريب “الدارجة العامية” إلى بعض مقررات الابتدائي والتضييق على اللغة العربية باعتبارها لغة لتدريس جميع المواد.
فضلا عن مصادقة المجلس الوزاري على مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي يحمل بين بنوده إلغاء المجانية تحت مسمى تنويع مصادر تمويل التعليم وتوسيع استعمال اللغة الفرنسية في التدريس وضرب الوظيفة العمومية.
كما انتقد التقرير واقع قطاع الصحة بالمغرب، واصفا إياه بالجرح المزمن.
وأكد التقرير أن الأزمة التي يعاني منها قطاع الصحة ومنذ عقود، هي أزمة بنيوية أساسها غياب إرادة سياسية واجتماعية حقيقية تعطي القطاع مكانته الاستراتيجية وترصد له كل الإمكانات المادية والتقنية والموارد البشرية، وتؤهل المنظومة القانونية وفق المعايير الحديثة لكي يكون القطاع رافعة للحفاظ على صحة المواطنين بكل أبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية
واعتبر التقرير أن حصيلة الحوار الاجتماعي مخيبة للآمال إذ لم تسفر اللقاءات التي أجرتها الحكومة المغربية مع المركزيات النقابية وممثلي المقاولات إلا عن بيانات إعلان فشل الحوار وتبادل الاتهامات عن مسؤولية إفشاله، فجاء العرض الذي تقدمت به الحكومة هزيلا للغاية ومحبطا لآمال الشغيلة وحمل تراجعات خطيرة.
وتأسف التقرير لوضعية العمل النقابي، مشيرا أن تشتته زاد من تأزيم الوضع الاجتماعي في المغرب، ومكّن للسياسات الحكومية من التغول في استنزاف الحقوق والإمعان في ضرب المكتسبات، فتشرذم الجسم النقابي وانشغاله بقضايا جزئية ومعارك هامشية، أفرز عزوفا ملحوظا عن العمل وانكماشا في الفعل النقابي عبّر عن نفسه من خلال المحطات النضالية التي أضحت في عمومها محتشمة (الإضرابات العامة، مسيرات فاتح ماي، المسيرات الوطنية، هشاشة مبادرات التنسيق النقابي، مقابل تنامي التنسيقيات الفئوية.
وانتقد تقرير "العدل والإحسان" استمرار السلطة احتكار السلطلة للدين، وتأميم المساجد واستغلال مداخيل الأوقاف دون مراقبة، وتوجيه خطب الجمعة وتسييسها في اتجاه خدمة الاستبداد وتبرير الفساد، إضافة إلى استخدام المساجد وسيلةَ صراعٍ سياسي لتخوين الاحتجاجات وتشويه المعارضين، مع تكميم الأفواه وإعدام الرأي المخالف عبر عزل عدد من الأئمة ومنع آخرين من إلقاء الدروس المسجدية.
وأوضح التقرير أن أبرز ما عرفته هذه السنة الفساد الطافح في تدبير حج المغاربة، حيث يسجل غلاء الكلفة مقابل سوء الخدمات أكلا وشربا وتنقلا وتطبيبا وسكنا وتأطيرا وتوجيها للحجاج.
وقد نتج عن هذا الاستهتار حسب التقرير معاناة حقيقية مست على وجه الخصوص كبار السن والأميين، وذوي الاحتياجات الخاصة الذين وقفوا عاجزين تائهين وسط الجموع، بل منهم من فوت ركنا أساسيا من أركان الحج، ولم تفتح الوزارة المعنية أي تحقيق أو بحث لتحديد المسؤوليات وما يترتب عليها من مساءلة ومحاسبة وعقاب.
وأبرز التقرير أنه ليست هناك أي رؤية استراتيجية في التعاطي مع الشأن الثقافي والفني، وذلك من خلال الانطلاق من نظرة دونية للقطاع الثقافي والفني واعتباره مجالا ثانويا في عملية التنمية الشاملة المطلوبة وقطاعا غير منتج، مما ينعكس على الأدوار الهامشية التي تطلب منه، وهي عموما ذات طابع تبريري تزييني مدحي لواقع الفساد والاستبداد.
وأضاف التقرير أن المنطق المعتمد في المجال الفني والثقافي هو منطق الريع، واحتواء المثقفين وتشجيع التفاهة، من خلال إقصاء وتهميش الرموز الثقافية والفنية الجادة في مقابل ترميز وتلميع نماذج الثقافة الجوفاء والسطحية عبر احتضان وتفريخ المهرجانات.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *