-->

شموخ أسويلم و سقوطهم!

إن لم تكن إنسان مبادئ و قيم ، فتجنب أن تصنف ضمن قوائم باعة الضمير، أصحاب طمس الوقائع و تفنيد الحقائق، فأولئك سيحل اليوم -طال الدهر ام قصر- ليعري أقوالهم و أفعالهم.
*نيويورك 66... الدفاع عن الكيان الصحراوي*
طلبت هيئة الأمم المتحدة، في دورتها الـ21 التي انعقدت ديسمبر 1966 من الأطراف التالية: إسبانيا و المغرب و موريتانيا، تقديم ادلتهم في عارضة تثبت الصلة التي تربط الصحراء الغربية بالأطراف الثلاثة المدعوة، و القريب أن الوفد الموريتاني و المغربي، يضمان صحراويين يدافعون عن أطروحة المغرب و موريتانيا التي كلاهما تقول أن الصحراء الغربية في الأصل (موريتانيا أو مغربية)
تم استدعاء المرحوم أسويلم ولد أحمد إبراهيم ضمن عدد من أعيان الصحراء الغربية و شخصياتها الوازنة و المقتدرة منهم صيلة ولد أعبيد و بابا حسنة و خطري ولد الجماني علاوة عن مساعد اسباني يسمى ميرا "MIRA" ، في العاصمة الإسبانية مدريد، و احيطوا علما بالدعوة التي وصلت من نيويورك و أضافت الإدارة الإسبانية آنذاك أن المغرب و موريتانيا لهما أطماع في الإقليم و أن المواجهة ستكون تاريخية و حاسمة بإمتياز، فإما الحفاظ على الكيان الصحراوي، أو خسارته أمام طموح الجارين الأعمى، و تعهدت السلطات الإسبانية أنها كقوة مستعمرة للأرض ستقدم كافة الدعم و المساندة لإنجاح المهمة و الذود عن الصحراء الغربية و الصحراويين.
إلتقى الوفد الصحراوي في مدريد على حدى، و أجمع على جسامة المهمة و أهمية اللقاء و ما يعنيه لمستقبل السكان و الأرض، موقف يتطلب الكثير من القدرة على الإقناع و رزانة الحديث و الخطاب ، إضافة إلى ضرورة استحضار الدليل الدامغ و البرهان القاطع، و أختتم اللقاء بتكليف أسويلم بمهمة الحديث بإسم المجموعة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
دقت ساعة الحسم و التقت الأطراف الثلاثة في نيويورك و بدأ الصراع في قبة الهئية الأممية، وسط ترقب كبير و كبير جداً عن ما سيقدمه كل طرف، صراع انبثق عنه بعد ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر فــي 20 ديسمبر 1966 و حمل الرقم xxi 2229، و الذي قضى بتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، يقرر من خلاله الشعب المقيم في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب مصيره بنفسه، و هو القرار الذي أخمد نيران طمع "موريتانيا ولد دداه" و "مغرب الحسن الثاني"، إلى سبعينيات القرن الماضي.
*نيروبي 81 ...رفض المصافحة.*
شارك وفد صحراوي هام في أشغال مؤتمر قمة الوحدة الإفريقية الـ18 المنعقد في نيروبي الكينية شهر يونيو 1981، يقوده رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة الشعبية الشهيد محمد عبد العزيز، و كان من بين أعضائه المرحوم أسويلم ولد احمدابراهيم.
و سعياً من المغرب لمنع قبول طلب الجمهورية الصحراوية الانضمام إلى منظمة الوحدة الإفريقية، شارك الحسن الثاني على رأس وفد يمثل المغرب في الحدث الإفريقي، و أدرج ضمن تشكيلة وفده عدد من الصحراويين الذين أعمى بصيرتهم و افقدهم صواب الفعل.
بعد إنتهاء القمــة من نقاش المواضيع المطروحة للتداول ضمن أشغالها، إغتنم عدد من "الصحراويين" الذين أتوا ضمن الوفد المغربي، فرصة فراغ رزنامة وفدهم ، فبحثوا عن نظرائهم من جبهة البوليساريو و الدولة الصحراوية تحت ذريعة ودية اللقاء "السلام"، وهو الموقف الذي عرف المرحوم أسويلم جيدا كيف يرد عليه و يتعامل معه.
بادر أحد "الصحراويين" القادمين ضمن الوفد المغربي، بمد يده إلى اسويلم، فلم يبادله الأخير نفس التصرف بل أردف قـوله رحمه الله:
"عذرا، أنا لا أصافح من يقف في وجه حق شعبه المشروع و هو متيقن من شرعيته"
صمت كل الوافدين من الضفة الأخرى، إزاء ردت الفعل غير المنتظرة، و أجابه أحدهم (سأذكر الإجابة بالحسانية) بالقــول: 
"والله يا أسويلم الا تغيرت.".
ذلك أنه يعرف فقط أسويلم الأب و الجار و الصاحب و المرشد، و قد نسي أسويلم الثائر، المجاهد، المناضل، المخلص و الوفي.
*جنيف 90 ... إحباط محاولة الإستمالة و الإستقطاب.*
في يونيو/حزيران من سنــة 1990 استدعت هيئة الأمم المتحدة طرفي النزاع، جبهة البوليساريو و مملكة الإحتلال المغربي بجنيف السويسرية، غايتها من الخطوة بناء الثقة بين الأطراف، و إعداد أرضية توافقية لحل النزاع و رسم طريق التسوية، فشكل الطرف الصحراوي وفده الذي ضم الراحل أسويلم ضمن أسمائه.
و لعل من يعُرف الحسن الثاني لن تغيب عن ذنه ميزات شخصيته التي تتقن المكر و فنون استقطاب الذوات الضعيفة، أمر جعله يختبر رزانة الصحراوي الأصيل و الوطني المخلص الراحل أسويلم، فأرسل إليه مبعوثا صحراويا في فندق إقامته بجنيف السويسرية و كان أسويلم ،في تلك اللحظة مع صديقه محمد عالي سيدالبشير رحمهما الله ، في غرفة واحدة، فأبلغ أن هناك شخص صحراوي إسمه فلان ولد فلان، يريد لقاءك على إنفراد، فأجابهم بإدخاله و إبلاغه أن وجود محمد عالي لن يغير من حيثيات اللقاء في شئ (في إشارة منه إلى الثقة الكبيرة بينهما).
رسول الحسن الثاني، يعي جيدا جسامة المهمة و ثقلها، فهي بأمر من ملك، و التراجع مستحيل مهما كانت الظروف.قرر "الرسول" إذن دخول الغرفة فألقى التحية:
السلام عليكم؛
فردّ عليه بأخرى: و عليك السلام و رحمة الله.
و بدأ الوافد في الإفصاح عن سبب طلب اللقاء، و استرسل في القول:
"أسويلم، الملك الحسن الثاني، يبلغك سلامه و إحترامه لشخصكم، و يقول لك أن المغرب سيكون جد سعيد إذا اعنته على مشروعه هذا و يتعهد لك بأنك ستكون من شخصياته الوازنة في الصحراء"
لعل الذي يجهل من يكون أسويلم أحمد إبراهيم، سيتبادر إلى ذهنه أن الراحل، لن يجيب في تلك اللحظة على عرض الحسن الثاني، لأن الطلب يستحق المراجعة و التريث، فهناك ضمانة مستقبلية بالمال و السلطة....إلخ
لا أيها القارئ، فجواب الراحل إقترن بنهاية حديث رسول الحسن الثاني وكان موجزا في كلمات:
"إذهب إلى الحسن الثاني و أبلغه أن إرضاء أسويلم لن يكون إلا برحيله و قواته من الصحراء الغربية، و عودة النساء (أوردها بتسمية لوليات) إلى أرضهن"
إنتهى اللقاء، و عاد الرجل أدراجه.
هذا قليل من المواقف الكثيرة و الكثيرة جدآ لرجال القيم السامية، و هم كثر في مجتمعنا الصحراوي، الذي عرف بالشهامة و رزانة المواقف، و عظم الذوات التي تتهاوى أمامها صغائر الفعل و القول، فمبالك بالتموقف و الاصطفاف.
ترى ما الذي أصاب بعض"بنو الجلدة" الذين يتم الدفع بهم، كي يقفون في وجه مطالب شعبهم المشروعة؟ 
هل يستحضروا هؤلاء، من السبب في وضع شعبهم؟ من قتل شعبهم؟ من هجر شعبهم؟
هل نسي هؤلاء، أن دعم الإحتلال و سياسة الإحتلال، هو مد يد العون والمساعدة للإحتلال كي ينسف تاريخك، و ثقافتك، و أصل شعبك و طموحك في بناء كيان مستقل لا تابع، يجسد طموحات شعب الصحراء الغربية، بعيدا عن الذوبان في كيان لم يكن لنا به صلة ولا إرتباط عبر الزمن الأبيد.
لك حرية التصرف، و لكن كن على يقين أن التاريخ لا يخطئ أبداً، فصفحاته إما تعظم إسمك ضمن قوائم المخلصين و الوطنيين، أو ستكون في أسطر خسيسة سوداء، تذم إسمك و فعلك فتكن رفقة الصاغرين باعة العقود و العهود.
*بقلم:الشيخ لكبير مصطفى سيدالبشير.*

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *