-->

تتقدم السنوات و تخيب للمدرس التوقعات


مع نهاية كل سنة ميلادية تكثر الكتابات التي تضم بين ثناياها تقييمات و تحليلات فمن الكتاب من يختار مجال معين أو موضوع محدد و منهم من يحاول تقديم إحاطة بالوضع بصفة عامة و من خلال هذه الكتابات يبدو الإختلاف واضحا فمتشائم و متفائل و متشائل كل حسب فهمه الخاص و تبقى في الأخير مجرد آراء تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ.
و بمناسبة اقتراب دخول سنة ميلادية جديدة و المصادفة كذلك لليوم الوطني 43 للمعلم الصحراوي فإننا من خلال هذه السطور سنحاول التطفل على مراجعة بسيطة للوضع الحالي للمدرس الصحراوي داخل المنظومة التربوية و التي في الحقيقة لسنا في مستواها و لا يمكن تقديمها بشكل أكاديمي علمي في مقام كهذا و لذلك فإننا نصنفها في إطار الآراء و نعتبر أنفسنا عينة مصغرة و مجهرية للقواعد التي تعمل بالمؤسسات المحلية و سنتطرق للأمور من خلال نظرة ذاتية إنطلاقا مما نعلمه كقواعد محلية و نعتذر إن جانبنا الصواب فهو مجرد رأي نرجو منه الوقوف على نظرة المدرس للقرارات و البرنامج و لن نخوض بشكل معمق تفاديا للتطفل على ما لا يجب التطفل عليه و خوضنا لا يمس من أحد و لا يقلل من قيمة أحد أكثر مما يطرح رأي حول وضع معين بعيدا عن الأشخاص.
أظن أن غالب القراء سيتفقون معي في كون المدرسين بصفة عامة ناقمين عن وضع المنظومة التربوية و هذا ناتج مجموعة من التراكمات جعلت المدرس في أسفل الهرم في ما يتعلق بالقيمة المعنوية داخل المجتمع حيث أصبح يشعر بقزميته و دونيته من طرف الجميع حتى أمام تلاميذه بالإضافة لعدم رضاه عن الوضع الأخلاقي للتلاميذ الذي بدأ يأخذ منحى مغاير لما هو معتاد يضاف إلى ذلك تدني المستوى التحصيلي للتلاميذ أضف لذلك عوامل مرتبطة بالجانب المادي و أعباء العمل كل هذا جعل سيكولوجية المدرس تتخبط في نوع من عدم الرضا الذي يصعب معه تقبل الكثير من القرارات و البرامج و رفضها أحيانا بشكل تلقائي نظرا لغياب الراحة النفسية التي تسمح بالقيام بالأمور بشكل ودي عفوي تطوعي.
و ما دام المدرس في هذا الوضع فلا مجال للتقدم لأن المدرس بكل بساطة هو الضامن لتقدم عجلة التعليم و الرقي به نحو المستوى المطلوب و هو حجر الأساس في العملية و محركها بالإضافة لكونه رفقة التلميذ وحدتين أساسيتين مكونتين للمنظومة التربوية التعليمية، و رغم ما عليه من واجبات و ما يجب أن يتوفر فيه من شروط ـ ربما تغيب أحيانا ميدانيا ـ تظل الجهة الوصية تتحمل مسؤولية كل هذا فهي من تتكفل بالتوظيف السليم وفق معايير قانونية سليمة من جهة و من جهة أخرى توفير الجو الملائم له من كل النواحي و حمايته قانونيا إجتماعيا و اقتصاديا.
لا ننكر أن الجهة الوصية تعمل بشكل متواصل عبر برامج و قرارات لتطوير هذا الجانب لكنها في الغالب – إلا نادرا – لا ترقى للمستوى المطلوب و لا تلبي حاجة المدرس الذي يريد بالدرجة الأولى أن يتم التعامل معه بالشكل المناسب و تقديره حق تقدير، و تكون في الغالب هذه البرامج لها خلفيات ليست هي نفسها المعلن عنها كبعض التكوينات التي تقودها بعض المنظمات المنفذة و تصرف عليها مبالغ باهضة يستفيد منها القائمون على البرنامج و في المقابل تقدم حصص أو محاضرات شكلية لا تفي بالغرض و لو تم التعامل مع المدرس بالشكل المناسب لبحث هو بنفسه عن ما يطور قدراته و مستوى عمله.
في نفس الإطار تعمل الجهة الوصية بشكل كبير مع المسيرين و تخصهم بالزيارات و الإجتماعات و تتفادى البحث عن السبل و الطرق التي يمكن من خلالها الإستماع للمدرس بشكل مباشر و ينتظرون في المقابل أن يقدم أحد المدرسين ـ أو بعضهم ـ شكوى ليتدخلوا و في الغالب يتم نهره و اعتباره مصدر إزعاج هذه النظرة ممكن أن تتحول فيما بعد لقرار في حقه، و في بعض الأحيان يتضح جليا تورط بعض المسيرين في مخالفات معينة و تصر الجهات الوصية على حمايتهم بل يمكن أن يتم التضحية بالمدرسين من أجل مسير و نحن هنا لا ندعو لتطبيق كل ما يطمح له المدرس و لو كان خاطئا بل نرجو أن يتم التعامل الجدي و الصارم و الفعال مع التظلمات و تطبيق القانون بحذافيره و اعتماد الكفاءة و الفعالية لتقييم و الترقية.
تعمل الجهة الوصية في وجهة نظرنا على إرضاء المسيرين و اعتبار المدرسين بيادق يمكن توجيهها نحو الوجهة المبتغاة و هذا في نظرنا خطأ بل يجب مشاورة المدرسين و الإنطلاق من معطيات ميدانية و تحميل المدرس جزء من المسؤولية من منطلق أن القرار إتخذه الجميع و بهذا يصهر الكل على إنجاح البرامج و يتحمل الجميع المسؤولية في حالة الفشل و بالتالي يتم تفادي النظرة الحالية للمدرس الكامنة في شعوره أن الجهة الوصية تمارس عليه ضغط و تملي عليه أوامرها مما يشعره بالإقصاء و التهميش الشيء الذي يجعله يجابه القرارات و البرامج بالرفض و الإستياء و يوجه أصابع الإتهام للجهة الوصية في كل فشل و في كل الأمور السلبية المرتبطة بحياته العملية .
في الجانب المادي المتعلق ببعض المساعدات التي تقدمها الجهة الوصية من خلال طرق خاصة في الغالب تكون حصة الأسد لغير المدرسين و تكون حصة الضباع للمدرسين حيث يصلهم الفتات الباقي و يحاط بمجموعة من الإجراءات و القرارات تزيده تقزيما و دائما يكون التبرير على أساس محاربة ظواهر لا علاقة للمدرس بها بل في الغالب يتورط بها أصحاب حصة الأسد.
هذا الجانب أثرا سلبا على المنظومة التربوية فجل النقاشات أصبحت تدور حول الجانب المادي بل إن جل الخلافات حدثت حول هذا الموضوع و بهذا أصبح الجانب التحصيلي التربوي التعليمي البيداغوجي غائبا و بعيدا كل البعد عن منتسبي المنظومة.
و في ما سبق ذكره الذي ما هو إلا غيض تيسر ذكره من فيض لم يتيسر له ذلك، ندعو الجهة الوصية للإهتمام بالمدرس فهو العملة النادرة و الإعتناء به هو سر تطور أغلب الدول و الشعوب و الحضارات فلا يمكن بأي حال تعليم و تربية أجيال بالشكل الصحيح بأداة بشرية محطمة نفسيا محتقرة إجتماعيا و مستضعفة إقتصاديا.
أخيرا و ليس أخيرا نقدم الشكر لكم موظف بالمنظومة ـ مهما كان منصبه ـ عمل بإخلاص و تفاني في عمله و صهر على أن تحقق المنظومة أهدافها الحقيقية و حمل على عاتقه تأدية دوره رغم الصعاب و جعل نصب عينيه المساهمة من منصبه على تعليم أجيال في المستوى المطلوب لمجابهة المحتل و أزلامه و المساهمة في بناء أجيال جديدة متعلمة و مثقفة من شعب حارب الأمية و الجهل إبان ثورته المجيدة رغم أنف الأعداء.
بقلم : حمادي جامع

Contact Form

Name

Email *

Message *