-->

قصة اسير ... الجزء الرابع


في مقر جيني ميليتير ( مقر القيادة العسكرية) ...
بعد عشرة ايام من الاحتجاز في مقر الدرك نواذيبو، و تحت أقسى انواع المعانات، من قلة النوم و سوء التغذية، و حتى المنع من قضاء الحاجة، بعد كل هذا اخذونا مربوطي العيون الى مطار نواذيبو، في رحلة مجهولة الوجهة، و بعد ساعات من التحليق، حطت بنا الطائرة على ارضية مطار ما، وعند نزولنا عرفوا الاخوة الذين التحقوا بنا انه مطار نواكشوط.
اخذونا الى مقر عسكري يسمى (جيني ميليتير)، و هو مقر تابع للجيش، يبدو انه بناء جديد و كان الوقت شتاء، و البرد شديد كان الشهر الاول من السنة الميلادية، يناير و بالضبط كان يوم 3 في الشهر وزعو علينا اغطية تشبه البطانيات، رقيقة جدا و وضعوا كل خمسة او ست اسرى في غرفة، نزعو مصابيح و توصيلات الكهرباء كي لا نستفيد منها، او من اشعال الكهرباء لكي نتدف بها، كان الكلام ممنوعا في النهار، و عند سماع صوت اي كان يدخلوا على تلك الغرفة التي اتى منها الصوت و ينهالون على اصحابها بالضرب الشديد، كنا لا نسمع من الاصوات الا اذاعة موريتاتيا، و عند ما تبث اغنية «سيداتي ول اب و ابنته المرحومة ديمي» التي تحمل في كلماتها (بالصحراء نزيد الحدود) حيث كانوا يرفعون المكبرات و يضعونها عند ابواب غرف الاسرى، كنوع من التعذيب النفسي، كانت التغذية عبارة عن قليل من شيء يشبه الأرز، لا زيت و لا ملح فيه، كنا نتركه في زاوية الغرفة حتى يشتد الظلام، كي لا نرى أي شيء، حينها تسمع أحدنا ضاحكاََ يمد يده نحو الإناء قائلا:ً لابد و ان يكون أصبح طازجا و حلواََ لان (مارو امنين يبط مطروح فالظلمة تزيان طعمتو) لان الارز يكتسب طعمه الشهي عندما يترك في الظلام الدامس.
و حينها ينادينا للأكل و نحاول الاكل، لانك عندما تأخذ اللقمة إلى فمك تكاد احشائك تخرج منه، لكن الفضل يرجع إلى الجوع و الظلام لتبتلعها.
مضت عشرة ايام على هذه الحال، و كنا لا ناكله، لأنه كريه المنظر، و في الليل كنا نستصيغ منه لقمة و بصعوبة كبيرة، قلة الاكل و شدة التعذيب النفسي و البدني، تألمت الاجساد و ضعف الجميع، باسباب انتشار القمل و سوء التغذية و الامراض، كنا نستانس باتفه الأشياء حتى القمل، حيث كان يبدو سمينا في ايامنا الأولى، و بعد شهر اصبح يموت لانه لا يجد ما يقتات به في احسادنا النحيلة المترهلة، كنا نخرج مرة واحدة في اليوم لقضاء الحاجة، و يخرج كل فريق لوحده، يسوقه احد الحراس، و من يتاخر يضرب بشدة، و لاننا نمضي الوقت و نحن نتأمل اصفاد القيد (المينوط) استطعنا ان نفتحها بعود كبريت، لاننا تأملنا مكوناتها و شغلنا بها فراغنا، تعارفنا جيدا فيما بيننا.
هنا ضحكت و انا اكتب ما اسمع من حكايات الرجل و أتألم في داخلي، عندما حكى لي هذا المقطع، نزلت دمعة من مقلتي، تاسفت كثيرا على حالي و احوال هذا الشعب العظيم، و تذكرت مرارة السجن و تخيلت نفسي اسير حرب عند الاشقاء الاعداء، و همزتني تناهيد رجل قضى صباه و براءته بين غياهب السجون.
قال النخ بدة وهو يواصل سرده:
اتذكر جيدا انه كان بيننا ذلك الرجل - حافظ القرآن- ماشاء الله عليه الرجل الصالح الطيب العالم الجليل - رحمة الله عليه - الشهيد عبد الله ولد مولاي احمد، و كان عندما يرى البعض لا يقتل القمل خوفا من نجاسته، يقول لنا " من راى قملة فله حسنة و من قتلها فله حسنتان تلك ثلاث" و رغم البؤس كنا نحال الضحك فيما بيننا، و من باب المزاح في بعض الاحيان كنت اخذ القملة، و انظر اليها و اقول في نفسي لقد اكتسبت خسنة، و اضعها على صديق و انبه بها كي ياخذ هو الاخر حسناته، سامحني الله.
و على ذكر الشهيد كان يئم بنا الصلاة، و في ظهيرة احد الايام، و انا نائم كنت اغوص في حلم جميل حيث حلمت انني عدت الى بلدة الگلتة و كنت اسجل المقاتلين و ارقام اسلحتهم و كنت في احسن الاحوال أصول و أجول، و استمتع، و فجاة ايقظني - رحمة الله عليه - و عندما فتحت عيني و اذا بي انا في السجن، افزعني الحال و رفعت صوتي عليه، و قلت له لماذا توقظني وجدتني اصول و اجول في الگلتة و ايقظتني لأرى، هذا المكان السيء، لا سامحك الله، فضحك الاصدقاء و اصبحوا يعيرونني بتلك الحادثة.
بقلم بلاهي ولد عثمان .... يتبع...

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *