-->

استراسبورغ: مقدمة لنهاية الإحتلال*


الشعب الصحراوي يجد نفس مرة أخرى وجها لوجه مع فرنسا الإستعمارية و ذلك مُبشِر لنهاية الإحتلال المغربي لوطننا. فالتجارب أظهرت أن كلما تورطت فرنسا أكثر في الدفاع عن محمياتها إلا و كانت غًراب شؤم على هذه الأخيرة. 
إن القراءة البسيطة للقرار المتخذ أمس الأول من لدن الإتحاد الأوروبي في موضوع تحرير المبادلات التجارية مع المغرب تَعْتَبِر ذلك نصرا للمملكة و إنتكاسة لجبهة البوليساريو ولكن المتتبع للأحداث و الدارس لتجربة كفاح الشعب الصحراوي يدرك باليقين بأن نجم الإحتلال في أفول و ظلام ليله بداء ينكمش. 
لقد إستعملت فرنسا العميقة منذ البداية كل ترسانتها الدبلوماسية و ثقلها السياسي الى جانب اسبانيا و البرتغال، فضلا عن الرشاوي و شراء الذمم التي قام بها المخزن الذي كانت كبش فداء له الفرنسية "باتريسيا لولاند" المقررة السابقة للمفوضية الأوروبية وبرلمانيون آخرون من مِلتها فقدوا المصداقية بسبب الفضيحة،و ذلك من اجل الدفع بالتوقيع على هذه الأتفاق المشبوه بأي ثمن. ففي البداية إدراكا منها بالإحراج الذي أوقعه قرار المحكمة الأوروبية للإتحاد الأوروبي في علاقاته مع المغرب، سارعت فرنسا الى إقناع الجهاز التنفيذي بالإتحاد الى تمديد الإتفاق مع المغرب المنتهية صلاحيته، لمدة سنة أوسنتين دون الخوض في البحث في إيجاد إتفاق جديد فانتهت المحاولة بالفشل. بعد ذلك حاولت المفوضية الأوروبية بإيعاز من فرنسا توقيع الإتفاق المذكور دون مروره على البرلمان و جعله أمرا واقعا و لم تفلح في ذلك و إخيرا كان لابد من أن تَكشِف الدولة الفرنسية عن وجهها من خلال مؤسسة "أورو- متوسطية" التي أُعدت في إحدى غرفها المظلمة تلك الطبخة السيئة الإخراج و التي حملتها جاهزة السيد "باتريسيا لولاند" الى المناطق المحتلة من الصحراء الغربية لتعود بها مرشوشة ببعض التوابل المغربية و لتقدمها الى البرلمان الأوروبي كتقرير نهائي مُلزَم المصادقة عليه وهو ماتم بالفعل رغم التشكيك في هذا التقريرو التنديد به. كانت الدبلوماسية الصحراوية خلال كل مرحلة من هذه المراحل التي دامت سنتين ونصف حسب ما إعترف به السيد بوريطة و هو يتنفس الصعداء،أثناء إستقباله للسيدة موغيريني يوم الأربعاء بالرباط ، تخوض معارك طاحنة و غير متكافئة زادها الوحيد الخبرة التي راكمتها في صراعها مع العدو طيلة السنينة الماضية و الثقة في الله و عدالة القضية، سلاحها قوة الحق المُدعم من طرف القانون الدولي و إرادة الشعب الصحراوي في انتزاع استقلاله مهما كلفه ذلك. لقد نجحت جبهة البوليساريو في توريط فرنسا الرسمية وفضح مزاعمها بالحياد في نزاع الصحراء الغربية و بالتالي تُصبح طرفا مباشر ينزع عنه المصداقية في مجلس الأمن الدولي فيما يخص موضوع التسوية، وجعلت مؤسسات الإتحاد الأوروبي ربما لأول مرة في تضارب في مابينها: السلطة التنفيدية المتمثلة في المفوضية، تفرض بكل ما أتيت من قوة تطبيق الإتفاق التجاري و الهيئة التشريعية أي البرلمان من جهتها تمرره تحت الضغوطات وبدون إقتناع حيث عارضه و إمتنع عن التصويت عليه حوالي مئتان وأربعون برلمانيا إضافة الى العدد الكبيرمن من صوتوا من موقع الإنضباط الحزبي المفروض عليهم وهم يتطلعون الى إعادة ترشُحهم لإنتخابات شهر مايو القادم لتجديد غرفة البرلمان الأوروبي، و السلطة القضائية من جهة أخرى تعارض الإتفاق وتؤكد بأنه لايمكن تطبيقه على أراضي الصحراء الغربية بوصفها إقليما منفصلا و متميزا عن المغرب، الشيء الذي ستكون له مضاعفات مستقبلية على قرارات الأتحاد الأوروبي في أمور أخرى، فضلا عن فقدان المصداقية أولا أمام دوله نفسها و هذا ماعكسه تصريح وزير الثقافة الفلندي مساء الأربعاء وثانيا امام الولايات المتحدة و الإتحاد الأفريقي و دول العالم. 
إن الشعب الصحراوي بفضل تضحياته الجسيمة وصل الى منابع الغزويسعى الى تجفيفها وردما نهائيا، فأصبح الصراع في استراسبورغ و باريس و بروكسل و عواصم أوروبية اخرى كانت حكرا على العدو، فعندما كانت الدبلوماسية الصحراوية تكتفي بتسليم رسالة أو بيان بصورة محتشمة عند بوابات المؤسسات الأوروبية، أصبحت اليوم تقتحم هذه المؤسسات كاشحة عن وجهها وتحضر للمداولات و ترافع ببسالة عن القضية الوطنية. 
إن المواجهة الحقيقة و القوية مع فرنسا العميقة قد بدأت و معها بدء العد العكسي للإحتلال المغربي هكذا علمتنا التجارب ففي سنة 1977 بعدما إستطاعت الجبهة الشعبية أن تُكسر حلف باريس- الرباط –انواقشط- دكار وأصبح مقاتلوها على مشارف نهر السينغال ينفدون عملياتهم في "باسكنو" و "النعمة" و "ولاتة" أصيبت فرنسا و قتها بالهستيريا و لم تكتف بتزويد الجيشين الغازيين المغربي و الدادهي بالأسلحة و الذخيرة و الخبراء و المعلومات الإستخبارية و الخطط العسكرية بل عقدت خلية أزمة برئاسة الرئيس "جيسكار ديستان" و تأمر سلاحها الجوي بالتدخل العسكري في الصحراء الغربية ، فكان التدخل السافر لطائرات "الجكوار" ضد وحدات جيش التحرير الشعبي و الحقت بالفعل خسائر بتلك الوحدات في الأرواح و المعدات ، لكن ليس في المعنويات حيث عكفت قيادات الجيش ومن ورائها إطارات و كوادر الجبهة على جعل من تورط فرنسا و معها الحلف الأطلسي – حيث كان الصراع على أشده بين الشرق و الغرب- مباشرة في الحرب على رسم الخطة للتعامل مع الوضع الجديد ووضع التكتيكات اللازمة لذلك. لقد كانوا صائبين في تحليلهم بأن تدخل فرنسا بهذه القوة هو آخر ما يمكن أن يُقدم لنظام "المختارولد داداه" و بإفشالها سيكون المختار في خبر كان.
كما يقال: أجرة لن تسلم هذه المرة، فعند الإغارة الثانية لسرب من الطائرات الفرنسية وجد المقاتلون الصحراويون له بالمرصاد و اشتبكوا معه و أصابوا إحدى المهاجمات و عادت البقية الى قاعدتها "بسان لويس" بالسينغال و منذ ذلك اليوم فقدت الجكوار سمعتها هي التي كانت وقتئذ مفخرة للسلاح الجوي الفرنسي و لم يسمع عنها شيء حتى الساعة، ولم تمض شهور حتى نزعت فرنسا العميقة المظلة من فوق رأس النظام الموريتاني و تركته يسقط دون شفقة و لا رحمة. 
سنة 1984 مرة أخرى يجد الشعب الصحراوي نفسه في مواجهة الدولة الفرنسية فوق الساحة الأفريقية عندما أرادت الجبهة الشعبية تجسيد تضحيات شهدائها بأخذ للجمهورية الصحراوية مقعدا يليق بها داخل منظمة الوحدة الوحدة الأفريقية. جُن جنون الإلزي و أعتبر ذلك إهانة لقدسية الملك الحسن الثاني، فاستُنفرت الدبلوماسية الفرنسية و جندت ترسانة إعلامية ضخمة خاصة منها التي لها صدى عند الرأي الأفريقي لتشويه الدولة الصحراوية تتزعها مجلة "جون أفريك" والْزمت كل الدول الإفريقية الفرنكوفونية و الدائرة في فلكها بوصد الباب بالإسمنة المسلحة أمام دخول الدولة الصحراوية الى المنظمة القارية فكانت هناك معارك شرسة مع الوفود الفرنسية التي تجوب القارة و مع المندوميين المغاربة و صلت حد الإشتباك باليد و طردت و فودنا من أكثر من عاصمة إفريقية و تسائل البعض عن نجاعة المواجهة مع فرنسا التي ربما ستفقدنا بعض الدول المتعاطفة مع قضيتنا، لكن مرة أخر تيقن الصحراويون أن الحميّة و الغيرة من طرف فرنسا على المملكة تخفي ضعف هذه الأخيرة و بالتالي لا بد من مصارعة الإليزي ونسف خططه و كشف للقادة الأفارقة حلم فرنسا بالعودة من جديد للقارة. فا قتحمت الجمهورية الصحراوية منظمة الوحدة الإفريقية رغم كبر المؤامرة و تنوع الدساس و أخذ و فد بلادنا مقعده في مؤتمر القمة بأديس أبابا لينسحب الوفد المغربي من القاعة ورئيسه المرحوم محمد بوستة وزير الخارجية و هو يكرر كلمة بقيت مدونة على صفحات الجرائد: " لقد فوجئنا، لقد فوجئنا". 
مباشرة تنصح الخارجية الفرنسية الملك الحسن الثاني بالتخل عن فكرة الحل العسكري و عدم الإعتراف بالبوليساريو، وقد أحسن الإصغاء حيث بداء في الإتصالات بالبوليساريو و ستقبل قادتها في مراكش و طلب من جانبه وقف إطلاق النارو جلس الى طاولة المفاضات مع من كان حتى الأمس القريب يعتبرهم مرتزقة.
هذا نزر قليل من تجارب شعبنا و عراكه مع المحتل و حلفائه، إن جبهة البوليساريو تدرك أن غزو الصحراء الغربية أتى من فرنسا و اليوم وصلت الى منابع هذا الغزو وأصبحت المعركة فوق التراب الفرنسي و الأوروبي و قرار توقيع الإتفاق التجاري مع المغرب و حتى اتفاق الصيد البحري القادم إن صودق عليه لا يعني انتكاسة للشعب الصحراوي بكل بساطة، بل يُفهم أنه آخر شيء يمكن أن يقدم سياسيا للمغرب للحفاظ على ماء الوجه أما إقتصاديا فالمغرب أكبر الخاسرين و الشعب المغربي "المُدوخ" آخر المستفسدين، يمكن ان يُعتبروصول موغريني الى الرباط نفس يوم توقيع الإتفاق المزعوم رسالة واضحة الى المخزن بأن الإتحاد الأوروبي وصل الى حد التنقاض مع مبادئه والتشكيك في مصداقيته من إجل التخفيف من مطاردة الصحراويين له دوليا ومواجهته داخليا وعليه فالإتحاد الإوروبي ليس مسؤولا غدا إذا ألغت المحكمة الأوربية الإتفاق التجاري أو أخذ المسار إتجاها آخر. 
إنتظارا للتطورات القادمة يتأكد الصحراويون بان القضية الوطنية لم تبق في رفوف النسيان بل أصبحت في المعادلة الدولية الجديدة والجبهة الشعبية لاعب أساسي في ذلك او هكذا عليها ان تكون وما تمرير اتفاق استراسبورغ يوم الأربعاء بشق الأنفس و بعد أخذ و رد ، بدون شفافية و لا مصداقية الى دليل على ذلك. يبقى عامل القوة الذاتية الصحراوية هو الحاسم و الفيصل في صراعنا مع المحتل و من هو ورائه مما يستدعي الإلتفاتة على العنصر البشري الصحراوي وخلق له أسباب التحدي وتسليحه للمواجهات القادمة. سنة 2019 سنة مؤتمر الشعب العام فلماذا لا تكون سنة بناء الذات الوطنية و تجاوز التناقضات وجمع المُكون الصحراوي في وحدة صلبة تحت ريادة جبهة البوليساريو، فليكن مؤتمر الإتحاد الوطني للمرأة الصحراوي المرتقب إنعقاده الشهر القادم هو" الدُوني من التْراب اللٍ ينعَتْ اللكْسِ مَنْها" و إنشاء الله يكون خيرا. 
 بقلم: محمد فاضل محمد سالم 
* عنوان المقال مقتبس من كتاب المؤلف محمد لكحل

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *