-->

رأي في أفق المؤتمر الخامس عشر للجبهة


بقلم: الديش محمد الصالح 
انه من الخطأ تماما الاعتقاد ان المؤتمر حصى سحرية باستطاعته حل كل مشاكلنا مرة واحدة، لإن المؤتمر ما هو الا محطة إخراج للخلاصات والاستنتاجات الكبيرة واتخاذ القرارات الهامة. ونجاح المؤتمر يعود الى التحضير الجيد وإلى ما سيثمر عن التقييم، ولا شك أن للجنة التفكير التي شكلها المكتب الدائم للأمانة الوطنية دورا كبيرا في مرحلة التحضير هذه، بالرغم انه كان من الاحسن ان تكون تشكيلتها في البداية من المختصين او على الاقل ان تضم عددا كبيرا منهم لتجنب اي تأثير للسياسيين على محتواها وعلى الخلاصات التي سيتم الوقوف عليها، ليتحول عملها بعد ذلك للهيئات السياسية لدارسته واقرار الخطوات اللاحقة كتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر. 
وانطلاقا من التقييمات الموقوف عليها، نجد أن السبب الرئيسي في ما تواجهه حركتنا من مشاكل، خاصة بعد وقف إطلاق النار، يعود الى ضعف الأداء المؤسساتي وغياب الرقابة والمحاسبة، والذي بدوره يعود الى ضعف الأداة. وما دام الأمر يتعلق بالأداة فلابد من توفر إرادة جادة لدى القيادة السياسية للقيام بتقييم نقدي وجدي والاستعداد للتنازل والانفتاح على الأجيال الأخرى من اجل المصلحة الوطنية. 
ولا يخفى على احد سرعة الاحداث ولا تعقيد المتغيرات الدولية وقوة تأثيرها ولا حجم التحديات التي تواجهنا من اجل الانتصار على العدو الغازي المغربي، خاصة في الوقت الذي اصبحت فيه قضيتنا في قلب صراع القوى الدولية المحتدم على المنطقة من اجل حماية مصالحها. ورغم ان المعطيات الدولية ايجابية على العموم ، الا انها تبقى عوامل خارجية متغيرة، لا يجب ان نعول عليها كثيرا، بينما يجب ان نراهن على قوتنا الذاتية التي هي الضامن للنصر والتي يجب أن تكون في مستوى كبير من الجاهزية والاستعداد. وأعني هنا ان يكون الشعب الذي يعود اليه الفضل في كل شيء قويا ، وان تكون الطليعة قادرة على القيادة والتوجيه وان تكون الاهداف والتصورات والخطط واضحة. 
والإرادة هي أساس كل شيء، بحيث ان توفرها هو الذي يجعل ديناميكية في الفعل الوطني التي تقود إلى التطور، وغيابها يعني الركود الذي يقود إلى الاستسلام والتخلف. وعلينا ان ننطلق من صعوبة الظروف التي تأسست فيها جبهة البوليساريو ومن حجم التحديات التي واجهتها حينها، وكيف حرصت على التمسك بالمنطلقات والمبادئ التي تأسست عليها ووضوح الاهداف مما جعل الشعب الصحراوي يقدم تضحيات جسيمة ويحقق مكاسب وإنجازات كبيرة ويحطم الارقام القياسية في القتال وفي المقاومة وفي الرحيل عن مخلفات الجهل والتخلف في فترة زمنية قصيرة. 
لقد شكلت الستة عشرة سنة الأولى من الصراع مع المحتل المغربي سنام المجد وطفرة نوعية في جميع المجالات؛ فانتصر جيش التحرير الشعبي الصحراوي على الجيش المغربي، ووضعت أسس بناء سليمة لمؤسسات الدولة المنشودة وللمجتمع الحضاري، واتسعت رقعة التضامن مع كفاح شعبنا المشروع والاعترافات بالدولة الصحراوية. وبالإعلان عن الوحدة الوطنية، الذي تلاه مباشرة الاعلان عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، كانت جبهة البوليساريو قد اختارت طريقا لا رجعة فيه يجسد حقا خيار الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، والتَف الشعب حولها من اجل تحقيقه، الا وهو خيار دولة كل الصحراويين، أين توجد الكرامة المفقودة، واين توجد العدالة والمساواة واين توجد الديمقراطية واين يكون الشعب هو السيد. 
كان وقف إطلاق النار حصل في ظل تحول في ميزان القوة لصالح الصحراويين بانتصارهم العسكري على الجيش المغربي، وفي ظل متغيرات دولية في غاية التعقيد بعد انتهاء الحرب الباردة. وبدلا ان نقدر حجم التحديات والتفكير في الى اين ستقودنا هذه الطريق، عشنا نخوة الانتصار ولم نستغل الوقت في بناء وتنمية قوتنا الذاتية بما يطور من قدرات جيشنا ويوفر أسباب الصمود ويعزز بناء مؤسسات الدولة وبناء الإنسان الصحراوي. وما ان خيم ظلال وقف النار حتى أحتدم الخلاف على السلطة الذي قاد إلى ما يعرف بأحداث 1988 التي اسست لمرحلة ما بعد وقف اطلاق النار، والتي أدخلت القبلية من النافذة واختلت فيها المفاهيم في بناء المؤسسات وغابت الاستراتيجية في بناء المجتمع الحضاري الذي يتوفر على قيم ومبادئ للحياة، وغاب مع ذلك التخطيط في الاستثمار البشري من تعليم، محو امية، تكوين، تربية وتأهيل، وفي الوقاية الصحية، وفي الاكتفاء الذاتي وغيرها. و لقد اشدت المنافسة في البحث عن الذات بدءاً بالسلطة واحتكارها والارتجالية في المواقف والقرارات وصولا الى شرود العقول نحو الكسب المادي بكل الطرق حلالا كان ام حراما، وهو الامر الذي شكل قطيعة مع مبادئ الثورة وأهدافها، مما سمح بانتشار الكثير من الظواهر المشينة، ولعل التعليم والصحة والخدمات، باعتبار هذه الميادين المرآة العاكسة لمدى تقدم الشعوب، هي الان في ادنى درجاتها. ولولا وجود مكاسب وإنجازات عظيمة تحققت في الستة عشرة سنة الاولى بفضل تضحيات جسام قدم فيها الصحراويين قوافل الشهداء واوصلت القضية إلى أعلى درجاتها ما كنا لنصمد كل هذه السنوات التي عقبت وقف إطلاق النار. لقد استغلت الانتهازية الفرصة في إشاعة ظواهر احتكار السلطة والفساد الإداري ونهب المال العام وتملك المؤسسات والقبلية والمحسوبية والولاءات الخ ... وهو ما انعكس على الأداء بشكل عام. ورغم ان الأصوات تعالت محذرة من خطورة الاستمرار في هذا الوضع، الا ان التجاهل كان مصيرها، وهو ما أدى إلى احداث هوة كبيرة بين القيادة والقاعدة إلى درجة فقدان الامل في حصول أي تغيير في الواقع. 
ومن أجل تغيير سليم للواقع الذي نعيشه، لابد من الرجوع لقرارات المؤتمر التاسع سنة 1995 الذي شكل محطة هامة في تاريخ المنظمة، والاستفادة من النقد العميق والجدي للتجربة الوطنية الذي سبقه، والذي حدد مكامن الخلل في غياب ثقافة القانون والديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار. هذا المؤتمر الذي اقر تفعيل دور المجلس الوطني الصحراوي، وخوله صلاحيات واسعة في الرقابة والمحاسبة بالإضافة الى التشريع، وذلك بهدف توسيع مجال المشاركة في القرار والسماح للقاعدة الشعبية باختيار ممثليها بكل ديمقراطية. 
إن الشعب الصحراوي، الذي أثبت خلال ال 43 سنة تصميمه على الدفاع عن حقه المشروع في الحرية والاستقلال واستعداده لتحمل كل المعاناة من اجل ذلك، يتطلع اليوم الى الوقوف على تجربته في البناء، بناء المجتمع الحضاري وبناء المؤسسات الحضارية. ومن غير المعقول أن تكون التجربة في القيادة والطليعة عموما غائبة في اي تقييم، الطليعة المسؤولة عن تقدم الكفاح، الطليعة المسؤولة عن تطور المجتمع، الطليعة المسؤولة عن إحداث التغيير، الطليعة المسؤولة عن وضع الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بتحقيق المكاسب والانجازات والقادرة على المحافظة على هذه المكاسب والانجازات، الطليعة المسؤولة عن تفعيل المؤسسات، الطليعة المسؤولة عن حماية معنويات الشعب وعن اندفاعته، الطليعة المسؤولة عن حماية المال العام، الطليعة المسؤولة عن الرقابة والتقييم والتقويم، الطليعة المسؤولة عن المصير. فهذه الطليعة هي المحرك الرئيسي لهذا الكفاح، وفي حالة ما إذا أصابها الوهن أو العجز فإن ذلك حتما سيعرقل المسيرة أو لا قدر الله سيسبب لها في التوقف. وفي هذه الحالة فإن التحلي بالشجاعة والإرادة في التجديد وتوظيف الكفاءات والعمل بمبدئ "الإنسان المناسب في المكان المناسب" أمورا لا مفر منها في مرحلة كهذه التي نعيشها الآن والتي تتطلب طليعة قادرة على احتواء القاعدة الشعبية ومواجهة التحديات التي تمليها المرحلة والتي على رأسها كيف نخلق دينامية على كل الجبهات. 
ان اهم شيء يمكن تقديمه للقضية الوطنية في الظرف الحالي ، الذي فيه نحن على مشارف انعقاد المؤتمر الخامس عشر للجبهة في ظل وضع اللمسات الأخيرة للحل النهائي للقضية الصحراوية وبمشاركة قوية للقوى العظمى، هو الخروج من المؤتمر اقوياء وبقرارات في مستوى تطلعات شعبنا، قرارات من شأنها أحداث نقلة نوعية في أداء مؤسساتنا من خلال مراجعة عميقة للأداة القائمة على تسيير شؤون حركتنا واساليب عملنا وقطع الطريق أمام كل ما من شأنه أن يصد اهتمام شعبنا عن معركته المحتدمة ضد العدو المغربي الغازي. ولذلك فان الحمل ثقيلا على كاهل لجنة التفكير التي نرجو أن لا يكون تفكيرها ضيقا بقدرما تكون جادة في بحثها للوصول الى ما يقدم قضيتنا ويقوي لحمتنا.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *